عاجل
الجمعة 20 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي
يحتضر بسبب تجاوز الشرطة وهو يصيح يا ماما

يحتضر بسبب تجاوز الشرطة وهو يصيح يا ماما

ركبة رجل البوليس ضغطت على رقبة المواطن الأعزل جورج فلويد مما أدى إلى وفاته فاشتعلت الإحتجاجات عبر مساحات شاسعة بالولايات المتحدة الأمريكية ضد الإفراط في استخدام القوة من الأمن، والتي تطورت إلى احتجاجات ضد الظلم بشكل عام. هو مشهد لغطرسة القوة ملئ بتفاصيل إنسانية تاهت وسط ضجيج المواجهات في الشوارع الأمريكية بين الناس وأجهزة الأمن.  حيث تجمع الناس في عز التباعد بسبب كورونا وثاروا، كأنهم يقولون أنه إذا كان وباء كورونا يكتم الأنفاس مما يؤدي إلى الموت.



فقد اتضح أن كتم الأنفاس حتى الموت لا يحدث فقط بسبب كورونا. إنما هذه تجاوزات الشرطي المتعجرف قتلت إنسانا أسودا مستضعفا بعد أن ضغطت عليه فكتمت أنفاسه.

القصة بأكملها مؤثرة، فهذا إنسان بسيط دخل محل لشراء مشتروات لم يتجاوز سعرها العشرين دولارا ، لكن البائع في المحل ساورته الشكوك حول أن النقود التي دفعها الرجل قد تكون مزورة. وكإجراء معتاد في أمريكا إتصل البائع بالشرطة، ثم حين وصل رجال الشرطة وجرت وقائع العنف الشرطي غير المبرر ضد المتهم الذي لم يقاوم، حرص البائع على الإتصال بصاحب المحل وهو بالمناسبة عربي فلسطيني مسلم، فطلب صاحب المحل من البائع أن يتصل بالشرطة مرة أخرى ليأتي رجال شرطة آخرين ليوقفوا تجاوزات رجال الشرطة المتواجدين، وهو إجراء أيضا من المعتاد اتخاذه في أمريكا إذا اقتضى الأمر. وتطورت الأمور هذا التطور الدامي ليوم كان عاديا في حياة بسطاء "لا بيهم ولا عليهم" مثلما يُقال، إنما إستهانة بأرواح الناس مارسها رجل من المفروض أن يحمي الناس، أحال ذلك اليوم الذي كان عاديا في حياة هؤلاء الناس وغيرهم إلى يوم مشهود.

أعود إلى مشهد رجل الأمن يضغط بركبته على رقبة المواطن، خلال الدقائق التي كان يلفظ فيها أنفاسه تحت وطأة عنف الشرطي.

فالكثيرون ذكروا أنه قد صاح قائلا أنه يكاد أن يموت، وهذا أمر طبيعي أن يحاول من يتعرض للإختناق تنبيه من يخنقه أنه يكاد أن يلفظ أنفاسه، لكن هناك كلمة أخرى أصعب في ذلك الصوت المرافق للمشهد، إنه صوت نداء المقتول وهو في آخر لحظات الإحتضار وأنفاسه على وشك التوقف، حيث نادى على أمه.

جورج فلويد الأمريكي من أصول إفريقية المقتول توفت أمه منذ عامين، مع ذلك بتلقائية نادى عليها في لحظة الخطر، باعتبارها الجدار الذي كان يحتمي إليه كغالبية البشر الذين لا تمثل لهم الأم فقط الحضن الذي يضم، إنما تعني أيضا لهم الأمان حيث اعتياد الإحتياج إليها، وحيث الثقة في الإعتماد عليها، وحيث الحب، فذكرها وهو يحتضر.

لقد تحدث الشاعر عنتر ابن شداد عن حبيبته عبلة في مشهد كان فيه على وشك الإحتضار فإذا به يتذكرها فقال كلماته الشهيرة عن حبيبته: "ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني"، فلقد تذكرها والرماح تكاد تقتله.

ثم نحن اليوم أمام جورج فلويد، الذي تذكر أمه الراحلة بينما عنف الشرطة يكتم أنفاسه مثل وباء "كورونا".

ألم تكن صيحتنا ونحن صغار هي: "ياماما" إذا ظهر أمامنا شئ يخيفنا، لكن يبدو أن الإستغاثة بالأم في لحظات الخطر لا تقتصر فقط على الصغار، إنما هو أيضا نداء يصيح به الكبار عند الخطر: يا ماما.

    

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز