سهام ذهنى
من يوميات الالتزام بالبيت
صرنا محكومين بغريزة البقاء. نأكل، ونتابع أعداد من رحل.
صرنا مقيدين بقواعد الوقاية. نعقم، ونحاول أن نتجنب مسببات نقل المرض.
صرنا أسرى البيوت، سجناء في داخلها، وإن غابت عن معاصمنا القيود.
للكاتب الكبير د. مصطفى محمود جملة شهيرة يقول فيها: "إن الحياة لمجرد أكل العيش لا تطاق لأنها مجرد استمرار". وقبل هذه الجملة جملة أخرى يقول فيها: "أريد لحظة انفعال، لحظة أمل، لحظة حب".
وأنا أضيف من عندي أن من ضمن ما أريده هو لحظة توهج.
ذلك التوهج الذي يخاصم الروتين، ويخاطب الانتعاش.
إنه التوهج الذي يوقظ بساتين الروح، ويستدعي مسببات الإشراق.
التوهج الذي من خلاله نسافر وتغازل عيوننا أماكن تطل عليها للمرة الأولى، كطفل كل ما يمر به في دنياه جديد بالنسبة له، فيستكشفه ويتعرف عليه ويحاول أن يصاحبه.
إنما لقد صرنا معجونين بالتكرار.
كدنا نحفظ عدد بلاطات البيوت، أماكن البقع في الجدران، عدد الشروخ في حلوق الأبواب، مقدار ارتفاع الأسقف، وثغرات ميل الزوايا.
أنا لا أشكو، فالحمد والشكر لله مهما جرى.
كل ما في الأمر أنني قد أصابني أرق. في صحبة عرق. مما أيقظ ما أحرص على تجاهله واستدعى الزهق.
ثم أنقذني مجيء النهار.
فاستقمت واقفة، وإلى الشرفة توجهت، حيث السماء والبراح والأشجار. ونقاء يزيح عن الروح الغبار.
الهواء الطازج الباعث على الانتعاش نعمة.
أن يتمكن الإنسان من أن يسحب نفسًا عميقًا بسهولة نعمة منسية.
أن يتحرك معتمدًا على نفسه نعمة غير مرئية.
أن تتأرجح الأيام بين عسر ويسر نعمة تزيدنا إدراكا لقيمة النعم.
ولا شك أن لله حكمة في كل ما نمر به.
في الشرفة، وعلى نغمات زقزقة عصافير البكور، وفي صحبة شمس شروقها وليد، طافت روحي في نعم الله التي من حولنا والتي في أنفسنا وعلى رأسها نعمة البصر، فاستغفرت، وحمدت الله، وحرصت على أن أغلق باب البطر.