عاجل
الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

حنان الليموني تكتب: عندما اقتربت من الموت

حمدا لله لم يكن الفيروس اللعين، الذي أرقدني بفراش المرض ١٨ يوما كاملة، كانت من أصعب الأيام. حاصرني خلالها شبح الموت حتى كاد يقضي عليّ.



 

مذ أعلن فرض حظر التجوال، لزمت بيتي ولم أبرحه، واعتمدت في شراء حاجاتي على خدمة التوصيل للمنازل، حتى اضطررت للخروج إلى الشارع، وكان المشوار بعيدا، فنقابة الصحفيين تبعد، ٦٠ كيلو مترا من منزلي، الواقع على أطراف مدينه ٦ أكتوبر.

 

في اليوم التالي، شعرت بأعراض أنفلونزا، التي تشبه كثيرا أعراض فيروس كورونا، وما هي إلا ساعات وارتفعت درجة حرارتي، وبدأ جسدي يرتجف وأشعر بجفاف واحتقان في الحلق.

 

ولأننا في زمن الوباء، داهمني الشعور أن ما أصابني هو كورونا، وليس شيء آخر، وشيئا فشيئا بدأ هذا الشعور يتحول إلى يقين؛ أنا الآن على أعتاب الموت.

 

عزرائيل يقف على الباب في انتظار أن تحين ساعة عمله، مرعب هو الموت، عندما يقبل، نحن نعيش الحياة، وكأننا مخلدون، رغم علمنا يقينا أنها لو دامت لمن سبقونا ما جاءتنا.

 

هل سأكون من الناجحين؟! أتساءل بينما جسدي الضعيف يرتجف من شدة الحرارة، لكن كيف ولماذا؟! أنا أعاني من أمراض مزمنة (السكري وضغط الدم)، وهي كما يقول الأطباء توفر بيئة جيدة للفيروس، تتتيح له فرصة العمل، ليفتك بالرئتين، أقول لنفسي.

 

كثيرون قضوا وهم في عمر الزهور ولا يعانون ما أعاني،  لا فرصة للنجاة وعزرائيل قد يدخل في أي لحظه ليباشر عمله، لا أدري متى تحين تلك اللحظه ربما بعد يومين، وربما يوم وربما بعد ساعة، وربما الآن.

 

ابني الوحيد، كان وحده من يشغل بالي لمن سأتركه، لايزال شابا يافعا، في بدايه حياته، ومازال هناك الكثير ما ينبغي عليّ فعله من أجله، رسالتي لم تكتمل بعد، انتهى منها أولا ثم أرحل راضية غير قلقة.

 

هشام، كان السبب الوحيد الذي يدفعني للتمسك بالحياة، سارعت إلى مستشفى قصر العيني، لكنهم أعادوني الي المنزل بصحبة جهاز التتفس بعد أن أخذوا المسحة.

 

مرة أخرى ومع ازدياد الأعراض يداهمني ذلك الشعور الكئيب، أكاد أرى شبح الموت وساعة النهاية.

 

جارتي أم كرم التي لم تفارقني تخبرني، أن نقيب الصحفيين ضياء رشوان يتصل للاطمئنان، ثم تخبرني باتصال الزملاء جمال عبد الرحيم وحاتم شلبي وطاهر إدريس وخالد أبوالروس، اسمعها بالكاد وأنا واثقة أنني لن أراهم، وربما تكون هذه آخر مرة يتصلون فيها، وأنا على قيد الحياة.

 

الكل كان يريدون مد يد العون والمساعدة، في الفجر، يتصل الزميل أيمن عبدالمجيد فور علمه، دون أن يجيبه أحد، لكنه لا ييأس، وظل يتصل ويتصل بإصرار حتى يطمئن، ويوفر سيارة إسعاف لنقلي لأقرب مستشفى.

 

وفى اليوم التالي، انخفضت درجة حرارتي إلى ٣٩، وجاءتني جارتي بالهاتف، إنه أيمن عبدالمجيد، يتصل منذ فجر الأمس، يبدو أنه قلق للغاية، أرى أنك الآن أفضل، ويبدو أنه أحد أقاربك، إنه مشغول جدا، ردي عليه بنفسك، تقول أم كرم.

 

جاءني صوته قلقا خائفا ملهوفا على تقديم أي شكل من أشكال المساعدة، كانت مكالمة قصيرة، لكني شعرت فيها بصدق لهفة الأخ.. أم كرم نفسها اعتقدت أنه من أقرب أقربائي لاتصاله المتكرر، دون يأس.

 

أنا في انتظار نتيجة تحليل المسحة، وكلما زاد شعوري بالألم أحسست كأنني كمن يغرق، ولا يستطيع الإمساك بطرف يد منقذه، ليس من سبيل للنجاة، إنه الموت ولا شييء آخر .

 

٧٢ ساعة كانت بمثابة عمري كله، الوقت يمضي بطيئا، تمر الدقيقة، وكأنها ساعة، والساعة كأنها عام، واليوم وكأنه عشرون عاما.

 

ثلاثة أيام كأنهم الدهر كله، في انتظار نتيجة تحليل المسحة، لا أتذكر شيئا من حياتي كلها، سوى ما قرأته عن أخبار ضحايا كورونا، طوال الشهرين الماضيين.

 

أخيرا يأتي الموعد، وكأنه ساعه نطق القاضي بحكمه بالموت أو الحياة، هذه المرة تمر الثواني ثقيلة، إنها الحياة، ما أجملها الآن، سأعرف ما إذا كنت ممن سيكتب لهم النجاة أم ممن ستطويهم الأرض الخرساء.

 

يأتيني هشام مقبلا على جبيني، ادفعه خوفا من انتقال العدوى، يقول الحمد لله يا ماما سلبية النتيجة سلبية، جارتي تطلق العنان لزغاريدها تملأ سماء ٦ أكتوبر وصحرائها البعيدة، كأنها لم تفرح وتزغرد قبل هذا اليوم.

 

في يوم الضيق، يظهر الصديق، كما يقول المثل، لن أنسى لهفة أيمن عبدالمجيد، الذي صار أخا وشقيقا، ولا دموع منى عبد الحفيظ، دائما كانت أختا، لكنها في هذه المرة لم تكن أختا عادية، ولن أنسى لهفة شقيقة الروح وفاء علوان، والتي كانت على استعداد أن تفديني بروحها، ومقاتلة، من دفعني إلى الخروج من منزلي في ذلك اليوم، الذي سبق شعوري بالأعراض.

 

وجدي رزق وحاتم شلبي وسيد بدر وعلاء عبدالمنعم وصلاح عامر وماهر الحاوي وحماد الرمحي ووسام العطار وسيد عبدالفتاح، ومحمد شبانة ومحمد عبدالشكور، زملاء وأصدقاء أثبتوا أنهم ممن يسند بهم الظهر، وأنهم خير عون في الشدائد والملمات من أهل النخوة يفزعون لنجدة المستغيث.

 

تلك الشده كشفت من هو الصديق، الذي ينبغي مرافقته من اليوم القصير إلى اليوم الطويل ومن الذي لا ينبغي أن تطول صحبته سوى ساعة.

 

نصيحه أخيرة لمن يقرأ هذه السطور لا تترك نفسك تغرق في متابعة كل ما ينشر عن أخبار كورونا، ولا تمضي يومك كله لاهثا وراءها؛ لا تجعل الخوف والفزع من الفيروس اللعين، يتمكن منك؛ فقد كنت من هؤلاء الذين ينفقون أوقاتهم في متابعة أخبار الفيروس القاتل، وشيئا فشيئا الخوف والفزع منه، فلما شعرت ببعض الأعراض وجدت نفسي مهزومة من الداخل في مواجهة المرض.

 

تابعوا أخبار كورونا، ولكن لا تجعلوها محور اهتمامكم وتركيزكم، التزموا بتعليمات الأطباء والإجراءات الاحترازية، ولا تتهاونوا فيها، لكن إياكم والهزيمة النفسية، أي مرض حتى لو كان كورونا يحتاج مقاومة إلى إرادة حديدية، ونفس سليمة، حتى لا نستسلم للموت.

 

تلك خلاصه تجربتي، كنت بعيدة عن الموت تماما، لكن خوفي الزائد من الفيروس اللعين، جعلني بمجرد شعوري بالأعراض أهزم نفسيا، ولا أرى سوى شبح الموت.

 

نجوت من كورونا وأرجو للجميع السلامة منه، لكن منظمة الصحة العالمية، تؤكد أن غالبية البشر سيصابون به، لذلك علينا الاستعداد له بمعنويات مرتفعة، وتصميم على المقاومة، هذه المرة كانت نزلة برد شديدة، لكنها علمتني كيف أواجه هذا الوباء.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز