سهام ذهنى
أوراق خالد محمد خالد الصفراء
في طفولتي كنت أشتري الكتب من مصروفي من سور الازبكية، وكنت اضعها فوق الدولاب. ثم فضلت أن أنقلها إلى تحت الدولاب باعتباره أكثر سهولة، لكن في أحد الأيام أصابت الشغالة كتبي بالمياه خلال قيامها بالتنظيف فأشفق والدي ـ الله يرحمه ـ على حالي وأخبرني أنه سيشتري لي مكتبة. وقتها كدت أطير من فوق الأرض حبا في طيبة قلب والدي، وعرفانا مني بتقديره لهوايتي.
كانت كتب المفكر الإسلامي الكبير خالد محمد خالد من أبرز الكتب التي شكلت وعيي في بداية علاقتي بالقراءة خلال تلك الفترة، ومن كتبه التي أعدت قراءتها مرات عديدة كتاب "الوصايا العشر لمن يريد أن يحيا".
وقد كانت فرحتي غامرة وأنا أضعه كأول كتاب بالمكتبة الجديدة مع بقية ما اشتريته من كتب الكاتب الكبير وحين وضعت الكتب في وضع رأسي متتابعة وليس في وضع أفقي فوق بعضها البعض كانت سعادتي غامرة، بما يمثله الوضع الرأسي من إمكانية أن أسحب الكتاب الذي أريده دون الحاجة لرفع ما فوقه من كتب كما هو الحال في الكتب الأفقية. كما أنه يعني إعادته إلى مكانه نفسه فتكون هناك خريطة في ذهني لمكان كل كتاب.
وقد أغرتني مساحة المكتبة على شراء المزيد من الكتب إلى أن ضاقت المكتبة بكثرة الكتب.
ثم عند الزواج خصصت غرفة كاملة في البيت لمكتبة تشمل كل جدران الغرفة من الأرض الى السقف.
إنما اضطرتني ظروف الإنفصال لترك تلك الشقة وانتقلت إلى شقة أصغر وضعت بها مكتبة أصغر ووضعت بقية الكتب في كراتين مع عمل أرشيف بمحتويات كل كارتونة.
ثم مؤخرا ومع الإنترنت قمت بجرد الكراتين وتخليت عن كمية هائلة من الكتب. لكن أحببت الإحتفاظ بعدد من الكتب العتيقة المخلوعة الغلاف والمصفرة الأوراق التي كنت أنفق عليها مصروفي، ولم أكن أكتفي بقراءتها وحدي، إنما كنت أقدم عروضا لبعضها في الإذاعة المدرسية، كما كنت أختار مقتطفات منها أيضا لقراءتها على زميلاتي عبر طابور الصباح بالإذاعة المدرسية خلال المرحلة الثانوية.
وكانت كتب المفكر الإسلامي الكبير خالد محمد خالد على رأس الكتب العتيقة التي إحتفظت بها، وبالطبع كتابه "الوصايا العشر لمن يريد أن يحيا" باعتباره على قمة كتبه المحببة إلى نفسي، والتي أنعشت وجداني، وتركت علاماتها على روحي، بما فيها من قيم بناءة تحقق تنمية بشرية بمفهوم إسلامي وإنساني.
وقد خصص لكل وصية فصلا كاملا زاخرا بالمعلومات والتأملات والمقتطفات الثرية.
مجرد عناوين الوصايا تحمل القارئ إلى عالم أرحب ودنيا أجمل، وحياة أكثر بركة.
فالوصية الأولى: أهلّت عصور الحب فودّع الكراهية.
الوصية الثانية: لا تدع الخوف يفكر لك أو يُشِر عليك، وعش قوياً .
الوصية الثالثة: إسبح قريباً من الشاطئ، وارتكب أنظف الأخطاء، ولا تقايض على الفضيلة بشئ.
الوصية الرابعة: احمل روح الرواد وابحث عن الدروب غير المطروقة واجعل مناط سعيك: " مالم يفعله من قبل أحد " .
الوصية الخامسة: لا تعش وعلى عينيك عصابة، وامض بصيرا، في يمينك "إلى أين"؟ وفي يسراك "لماذا"؟
الوصية السادسة: عش صديقاً طيباً، وليكن اسمك نداء النجدة للمكروبين، وليكن قلبك مرفأ الراحة للمتعَبين.
الوصية السابعة: إقرأ في غير خضوع، وفكر في غير غرور، واقتنع في غير تعصب، وحين تكون لك كلمة واجه الدنيا بكلمتك.
الوصية الثامنة: تقبل وجودك، وطوره، واختر حياتك، وعشها، وابق إلى النهاية حاملاً رايتك.
الوصية التاسعة: ولِّ وجهك شطر الله، فإنه حق، وضع يدك في يده فإنه نعم النصير.
الوصية العاشرة: وطِّد مسؤوليتك بالحرية، وحَصِّن حياتك بالعدل، واترك للوجود شَذاك.
وما أجمل العطر الذي تركه الراحل خالد محمد خالد من ثنايا كتابه العتيق الذي مازلت أحتفظ بأوراقه التي صارت صفراء، وأطرافه التي تكورت. ووصاياه التي هي بالفعل لمن يريد أن يحيا حياة طيبة تاركا عطرا فواحا من الأعمال الطيبة والتصرفات الجديرة بالإحترام.
جوجل نيوز
