عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
عقل ذئاب

عقل ذئاب

متى يُعد التعبير عن الرأي جريمة؟ سؤال صعب، لكنه يميز الكاتب الدارس للقانون دون غيره، لأنه يُدرك تماما الحدود الفاصلة بين المشروع والمجرّم، أما الكاتب المحدود، فهو الذي يهيم بعقله، ويظن أنه يمتلك الكلمة التي يكتبها، لكن في الحقيقة الكلمة هي التي تمتلك الكاتب وعليه مهادنتها والتعامل معها بنية نقية.



 

بعد ساعات من الآن، سيتولى المجلس الأعلى للإعلام التحقيق في مقالات، نشرت منذ عدة أيام كتبها اللهو الخفي، الذي يطلق على نفسه اسم "نيوتن"، استعرض خلالها رؤيته لتطوير سيناء، واقترح وظيفة جديدة أطلق عليها اسم  "حاكم سيناء"، لمدة ٦ سنوات، وأن يدير هذا الحاكم شؤون "إقليم"، سيناء حسب قوله، بمعزل تام عن قوانين الدولة المصرية، التي وصفها بالبيروقراطية، فتعرض هذا النيوتن لنقد حاد، وقامت الدنيا ولم تهبط إلا فوق رأسه، وهو بالتأكيد يستحق ذلك، تحديدا بعد أن التف حوله المتطوعون بغسيل السمعة من الصحفيين والإعلاميين وأدخلوا الجمهور طرفا في لعبتهم القذرة في محاولة لخلق رأي عام مساند لمؤامرة نيوتن، لكن هناك دلالات لن يستطيع نيوتن نفسه إنكارها، تعبر عن سوء نية بشكل كبير، حيث ذكر نصًا في مقاله الأول حول الآلية التي يقترحها لحكم سيناء: "لن يجمع الإقليم بالدولة إلا السياسة الخارجية، والدفاع المسؤول عن أمن الحدود".

وطبعا يقصد بالإقليم، سيناء، ويقصد بالدولة مصر، وهذه العبارة وحدها كفيلة بفتح أبواب جهنم في وجه نيوتن، فتعبير السياسة الخارجية يعني تنظيم علاقات الدول مستقلة السيادة، ويعود نيوتن ويؤكد أنه لن يجمع سيناء بمصر، إلا أمن الحدود، أي خروج سيناء من نطاق الحدود المصرية.

 

وهنا السؤال يطرح نفسه، كيف سيتم ذلك؟ المؤسسات والقوانين والدستور في مصر ضد فكرة التقسيم بشكل مطلق، وبالتالي ليس هناك مخرج منظم أو قانوني لهذا الطرح، وبالتأكيد نيوتن يعلم هذا علم اليقين، إذًا المخرج الوحيد لهذا الطرح مشروع فوضى جديد، على غرار ثورة يناير، لذلك اختار نيوتن توقيت انشغال مؤسسات الدولة بالتصدي لانتشار الكورونا، وطرح فكرته بخبث شديد على أربعة مقالات، كي يخلق ظهيرا مساندا لمن سيتولى تخطيط وتنفيذ الفوضى، وهذا هو نفس الدور الذي لعبته "المصري اليوم"، إبان أحداث يناير.

 

 انتفضت الجماعة الصحفية الشريفة ضد هذا الطرح الخبيث، وشنت حملات واسعة للتصدي له، لكن نيوتن ظل يكتب ويكابر، ويتهم كل من هو ضد أفكاره بالرجعية والتخلف، ثم قرر في النهاية أن ينشر اعتذارا سخيفا، ليس عن الفكرة في حد ذاتها فهو لم يتراجع عنها، ولكنه اعتذار عن عدم ملاءمة توقيت النشر، وعن استخدامه لكلمتين هما "الإقليم، والحاكم".

 

ما لاحظته أنا على شخص نيوتن، القابع خلف قلمه، هو رجل كان يحلم بالسلطة ولم ينلها، وأن شيطان العظمة الذي يسكن عقله صوّر له أنه قد يكون حاكم سيناء يوما ما، خصوصا أنه ضرب مثلا في ديباجة مقاله الأول بشخصيات تولت الحكم في الصين وماليزيا، بعد سن ٨٠، وبالتأكيد هذه الشريحة العمرية التي ينتمى هو لها، وإلا ما كان ليطرحها، خصوصا أن مصر تخلصت من دولة العجائز بلا رجعة.. إذًا فهذا الرجل الذي أصابه خرف الكبر ولم يعد يميز بين الواقع والخيال، الأمر الثاني، اعتذاره على كتابة كلمة إقليم، وبالنسبة لنا نحن دارسو القانون كلمة إقليم تعادل الرقم صفر، فهى بمفردها ليس لها معنى، وإنما يتم تفسيرها في سياق المفهوم التي وردت فيه، لأن هناك مدرستين فقهيتين لتفسيرها، الأولى تؤيد معنى الاستقلال التام عن الدولة، والثانية تؤيد معنى الاحتفاظ بالخصوصية النسبية، لكن تحت سيادة الدولة، ونيوتن وفر عليها التخبط في تفسيرها، وقال صراحة، إنه لن يجمع الإقليم بالدولة سوى السياسة الخارجية، إذًا الرجل يقصد استقلال سيناء التام والنهائي عن السيادة المصرية، وبالتالى اعتذاره عن استخدام هذه الكلمة كعدمه.

وأيضا اعتذاره عن توقيت النشر ليس له قيمة، لأن مصر مرت بما هو أسوأ من الكورونا، ولم يقدر أحد على الاقتراب من حدودها، وبالتالي مهما قال هذا النيوتن، فهو لن يغير في الواقع شيئا.

لن تأخذني الشفقة بنيوتن، وارتكن للتفسيرات الصحفية حول ما كتبه، لأن ما ذكره وأصر عليه هو جريمة تحريض مكتملة بركنيها المادي والمعنوي، الركن المادي هو جسد المقال، الذي دعا فيه لانفصال سيناء باللفظ والشرح، أما المعنوي فيتم قياسه في جرائم النشر بتكرار نشر الفكرة ذاتها على مدار عدة أيام دون تقديم معلومات بالدليل القاطع، وجديدة في كل مرة، وهذا ينطبق تماما على مقالات نيوتن المتمم للمقال الأول، مع العلم أن مقاله الأول وحده يخضع لعدد من القوانين الأخرى، تتعلق بالأمن القومي، وحفظ النظام العام.

 

في النهاية يمكن تلخيص ما كتبه نيوتن في عبارة واحدة هي "الشيطان يكمن في التفاصيل".

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز