"حيلة ترامب الانتخابية" تفسد مفاوضات شنغهاي
كتب - هدى المصرى
بالتأكيد، لا يمكن الجزم بإن الدافع الوحيد وراء مهاجمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لبكين، فى تغريداته الأخيرة عبر حسابه الخاص على تويتر، يتمثل في رغبته في سرعة التوصل إلى صفقة تجارية معها قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة 2020.
فمن المؤكد، أن هناك سببا آخر رئيسيا وراء انتقادات ترامب الحادة للصين واتهامها بالتراجع عن وعودها مع استئناف الجولة الثانية عشرة من المفاوضات التجارية بين البلدين، وبدء أول محادثات أمريكية صينية وجها لوجه منذ إخفاق آخر الجولات السابقة قبل ثلاثة أشهر.
التغطية على إخفاقه وتبرير فشله
ربما يتمثل هذا السبب، في محاولة ترامب التغطية على إخفاقه في تحقيق النمو الاقتصادي الأمريكي المنشود الذي وعد شعبه بتحقيقه واستخدام بكين ككبش فداء للأداء الاقتصادي الشاحب، استباقًا لمحاسبة الناخبين له في السباق الرئاسي المقبل، والذي يبدو أنه بات الحاكم في كل الخطوات التي ينتجها الرئيس الأمريكي، منذ انتهاء انتخابات التجديد النصفي للكونغرس العام الماضي.
فالمتابع لتغريدات ترامب المثيرة للجدل والتي أطلقها بالتزامن مع وصول المفاوضين الأمريكيين إلى مدينة شنغهاي الصينية، للاجتماع مع نظرائهم الصينين يوم الثلاثاء الماضي لاستئناف المفاوضات الرامية إلى وضع حد للحرب التجارية الدائرة بين البلدين، يدرك أن ترامب لم يكن يستهدف من هجومه على الصين مجرد ممارسة سياسية "الضغط الأقصى" عليها ومساومتها من أجل الحصول على تنازلات تجارية لصالح واشنطن، بقدر ما كان يحاول تبرير فشله والتشويش على التوقعات الاقتصادية المعلنة باحتمال دخول الاقتصاد الأمريكي حالة من الركود خلال الفترة القادمة نتيجة للتحركات السلبية لترامب ونزاعاته على صعيد التجارة الدولية.
فعلي الرغم، من وصفه في وقت سابق اللقاء الذي جمعه بنظيره الصيني شي جين بينغ على هامش قمة العشرين بالممتاز، وتعهده بعدم فرض ضرائب جديدة على الصادرات الصينية عاد ترامب ليهاجم الصين مجددًا ويتهمها بتعديل الاتفاق لمصلحتها وبتعمد إطالة أمد المفاوضات حتى الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة في 2020، على أمل وصول رئيس يمكن التعامل معه بسهولة.
وقد بدا ترامب الطامح في ولاية جديدة وكأنه يستهدف من تلك التغريدات تحميل المسؤولية لبكين في حالة عدم تمكنه من انتزاع اتفاق مناسب معها قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة 2020، ليس هذا فحسب بل وحشد قاعدته الانتخابية وتحفيزها أيضا ضد اي مرشح منافس له لأنه قد يتهاون معها، وفقا لما عبر عنه في تغريدته التي تتهم بكين بأنها تعول على رئيس ديمقراطي للتفاوض معه قائلا: إن الصين قد تحظى باتفاق "جيد" إذا فاز الحزب الديمقراطي بالانتخابات الرئاسية.
فتصريحات الرئيس الأمريكي تتمحور بشكل مباشر حول إمكانية عقد المرشح المنافس له وبكين صفقة ستكون في الغالب لصالحها، قائلا: أنه ينبغي على الصين أن تترقب فوز أحد أعضاء الحزب الديمقراطي وبذلك ستعقد صفقة جيدة كسابقتها منذ 30 عاما لاستكمال خداع الولايات المتحدة.
ترامب يعاود إستغلال "ورقة مهاجمة الصين"
كل هذا يؤكد ما يذهب إليه الكثير من المحللون أن ترامب يعاود استغلال "ورقة مهاجمة الصين" في جهوده لجذب المزيد من التأييد له، مثلما فعل خلال حملته الانتخابية عام 2016، لا سيما مع تأكيده أنه إذا فاز مرة أخرى في الانتخابات فإن الاتفاقية التي عرضتها الولايات المتحدة على الصين ستكون أشد صرامة عن الاتفاقية التي يتم التفاوض عليها في الوقت الراهن، وتحذيره من احتمالية عدم التوصل لاتفاق على الإطلاق، قائلا "إننا نسيطر بشكل كامل على الوضع وهو ما لم يتمكن منه الزعماء الأمريكيون السابقون".
ضربات الصين الاقتصادية الموجعة
انطلاقًا من هذا التفسير يذهب المحللون أيضا إلى أن ترامب الذي يقارب السياسة بمنطق التجارة، بات يدرك جيدا تأثير الضربات الاقتصادية الموجعة التي وجهتها الصين لبلاده، في إطار الحرب التجارية بينهما، والتي طالت نتائجها تحديدًا الولايات المعروفة بتأييدها الانتخابي له.
ولهذه الأسباب، عكست تصريحاته حالة من الارتباك والخشية من تداعيات الحرب التجارية على الاقتصاد الأمريكي وتأثير عدم التوصل إلى اتفاق مناسب لصالح أمريكا على توجهات الناخب الأمريكي والذي لا تعنيه سياسة الرئيس الخارجية إلا بقدر انعكاسها على الداخل الأمريكي وبقدر ما تشغله ظروفه المعيشية بقدر ما تحدد خياراته الانتخابية.
ترامب عاجز عن تنفيذ ما تعهد به
فالرسوم العقابية الأمريكية أثرت بالسلب على قطاعات مهمة في الاقتصاد الأمريكي الذي يعتمد في جزء كبير منه على الواردات الصينية، كما أن التنين الآسيوي لا يبدو أنه مستعد للاستسلام، ما يجعل ترامب عاجزا عن تنفيذ ما تعهد به، خلال حملته الانتخابية في السباق إلى البيت الأبيض عام 2016.
لذلك من المرجح أن يستمر ترامب في تضخيم قوة الاقتصادي الأمريكي مقارنة بالصين مع مواصلة هجومه عليها وتحميلها مسؤولية إحداث التحول في مسار مفاوضات التجارة بين البلدين.



