إيواء
قصة قصيرة بقلم - سمية عبدالمنعم
شعرت برعدة تصيب جسدها وتبتلع ما تبقى من جرأة تدعيها، حاولت عيناها أن تتجاهل وجوده، فانسلتا بعيدًا لكن توترًا رغمًا عنها بدا واضحًا في ارتعاشة أهدابها.
التصقت بالحائط وكأنها تود لو ابتلعها، قدمًا تقدم وأخرى تؤخر، ونداء يستجديها أن عودي أدراجك.
بمجرد أن رآها سكنت عينيه لمعة ذات مغزى، هو ذا ذلك الجسد الفتي، ابنة الثانية عشرة التي تنضح أنوثة عشرينية، تلك المختلفة عن كل من يعرف.. تلك ابنة المحترمين، لطالما تمنى لو لم تكن كذلك، لو لم يكن مجبرًا على احترامها.
أحس برجليه تزدادان ترنحًا، اليوم زاد الجرعة عن أي يوم، حاول أن يتغاضى عن وجودها أمامه، لكنها قادمة وما عاد يستطيع تجاهل ما يرى.
بدا نهداها الثائران لعينيه الزائغتين كميناء نجاة لأحلامه التائهة، كم حلم أن يسكن بينهما.
ازدادت ارتعاشة جسدها وهي تلمح تلك النظرة الشبقة في عينيه، علا صوت تنفسها وقد أيقنت أن الأمر اليوم مختلف.. فقررت الفرار حتى لو اضطرت لهجر وقارها.
لم يعد يفصلها عنه سوى متر أو مترين.. ابتعدت عن الحائط وانحرفت فجأة بعيدًا ثم أطلقت لقدميها العنان.
ظلت تركض وسط خيبة أمل أصابته وسمرته مكانه، حتى وصلت إلى ذلك المبنى المتهالك المكون من طابق واحد، دلفت من بابه ولأول مرة بدت لها رائحته الكريهة منقذة لا منفرة.
أسرعت نحو باب يتوسط ثلاثة أبواب متجاورة تعلوها أقفال موصدة. تناولت من جيب جلبابها المنزلي مفتاحًا صغيرًا فضت به ثقب القفل ودخلت.
أحكمت غلق الباب في خوف، ثم هدأت قليلًا وراحت تزيح عنها ملابسها السفلية لتقضي حاجتها على عجل وهي تدعو الله سرًا ألا تجده واقفًا في طريق عودتها.
لا تدري لما أحست بأن وراء باب الحمام أحدًا، للحظة أحست بأنها تسمع وقع أنفاسه، توقفت عن إزاحة باقي ملابسها، أسندت ظهرها للحائط الجانبي وراحت بحرص تعيد ما خلعته وعيناها مركزتان على الباب.
واتتها فكرة جريئة، فاقتربت بحرص من الباب وانحنت فجأة، وقد ألصقت عينها بتلك الفتحة التي تعلو الأكرة.. و...
وهالها أن تصطدم عينها بعين أخرى مثبتة على الفتحة من الخارج، وقد صعق صاحبها عندما فوجئ بعينها فأسرع هاربًا.
اعتدلت واقفة وأمسكت بقلبها الذي كاد يتوقف خوفًا، وعندما اختفى وقع خطواته غادرت الحمام وأسرعت تعدو عائدة إلى تلك الطرقة التي تحوي غرفًا منفصلة تؤوي كل منها أسرة كاملة كانوا يوما يسكنون بيوتًا آدمية قبل أن يسقطها الزلزال ويُجبروا على سكنى تلك الإيواءات.
وحينما سألتها أمها عن سر توترها أجابت وهي تخفي دمعة مقهورة...لا شيء.



