الثلاثاء 23 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

قرأت لك.. "كارول" والاصطدام بالواقع المرير

قرأت لك.. كارول والاصطدام
قرأت لك.. "كارول" والاصطدام بالواقع المرير
كتب - مصطفى سيف

إذا اصطدم الروائي بالواقع؛ فإن الإبداع سيكون على قدر المأساة التي يعيشها ذاك المجتمع أو على النقيض تمامًا، فالأديب المميز هو الذي يعالج قضايا المجتمع، ويركِّز عليها من خلال أعماله.

هذا ما يمكن القول به في رواية "كارول" للروائي والكاتب الصحفي، مصطفى الأسواني، الذي حينما تقرأ روايته تشعر وأنّها تتخذ من الواقع "قماشة" لتفصيلها على مقاس "الأشخاص" داخل الرواية.

تمثل كارول ذات الثلاثين عامًا المرأة التي تعيش في مجتمع ذكوري، تظل تبحث فيه عن الحب إلا أنَّها لا تجده؛ الأمر الذي دفعها دفعًا للطلاق من زوجها بعد عِشرة دامت لسبع سنوات، تحملت فيها ذُل وإهانة بسبب ولدها الطفل الذي ليس معروفًا عمره بالتحديد.

كارول امرأة فارهة الجمال، تسحر عين كل من يراها، لا يراها أحد إلا ويشتهيها، جسديًّا، إلا أنَّها تمثل أيضا "الطبقة الساذجة" من النساء اللائي يُضحك على عقلهن بكلمتين "معسولتين" تفتقدهما في زوجها.

الأسواني يدير الرواية بشخصية "الراوي العليم" الذي يعرف خبايا شخصية كارول (بطلة الرواية) ويدخل في خلجات نفسها فيعرف ما تريد قوله، وما تريد فعله، قبل أن تفعله، ويطرح خيالاتها الشيطانية أحيّانًا.

الرواية تدور حول امرأة متزوّجة إلا أنَّ الحب مات في قلبها بسبب زوجها الذي يريد أن يقضي منها حاجته فقط، ولا يأبه بمشاعرها أو غير ذلك؛ إلا أنَّ "كارول" في العام الأول من الزواج- بحسب الرواية- كانت تشعر بالحب تجاه فؤاد الذي تبدَّل بعد ذلك، على الرغم من أنَّ زواجهما لم يمر عليه سوى عامين فقط.

كارول وفؤاد متنافران تمامًا، ولم تكتشف كارول ذلك إلا بعد الزواج بعامين، وانطفأ كل شيء بداخلها، على الرغم من أنّ "فؤاد" يمثل بتعبيرنا الشعبي "الزوج الكيوت" الذي "لا يحرك ساكنًا تجاه الأحداث" إلا أنَّه يجبرها على شيء واحد فقط هو "ممارسة الجنس".

فؤاد عبد العزيز، مهندس بترول في شركة كبيرة، وهي التي كانت الذريعة التي بها يهرب من زوجته الأولى (نادية) ليكون بجوار زوجته الثانية أيضا ذلك "الرجل الشرقي" الذي لا يبتغي من المرأة إلا جسدها، حتى إنَّه كان يتباهى بها أمام أصدقائه، وهي الزواج الثاني له.

أحمد الرجل الأول الذي منح الحب "الوهمي" لكارول كي ينال جسدها، وهو الذي ينطبق عليه بالفعل فكرة "الرجل الحيواني" تتعدد العلاقات في حياته خاصة الحميمية جدًا، ثم يصطدم بكارول في مقهى فيلفته جمالها، فيتعرّف عليها، فيكتشف زوجها بالصدفة أنَّ هذا الرجل صديق قديم له، فتبدأ الزيارات ثم تتبدل لعلاقات حميمية بينه وبين كارول.

أسماء تمثّل صوت العقل في حياة كارول (وهي صديقتها المُقرّبة جدًا) وهي التي تنصحها وتوجهها، وحاولت أن تصدم صديقتها برأيها في أحمد إلا أنَّها لم تقتنع إلا بعد أن رأت ذلك بعينيها، حين أخبرها أنَّه سيرحل ولن يعود مرة أخرى، حين فتحت معه أمر الطلاق من "فؤاد".

لم يكن موقف "الأسواني" واضحًا في الرواية إلى أي شخصٍ وأي شخصٍ يُبرئ من جريمته يميل إلا أنَّه أحيانًا كان يرمي الكلمات التي تدل على ما يريد إيصاله للقارئ من خلال الشخصية التي يلعبها وهي "الصحفي" داخل الرواية الذي يُدعى حسام.

تمثل كارول المرأة المظلومة اجتماعيًّا؛ فهي على الرغم من أنَّها ظنّت أنّ فؤاد سيمنحها الحرية التي تتمناها حين تتزوجه إلا أنَّها لا تخرج ولا تتحرك إلا بأمره، ومعه.

ما يميّز رواية الأسواني هو تصوير المشهد برؤية مخرج سينمائي عبقري، يعرف تفاصيل الحدوتة من أولها لآخرها، لذلك سيجد القارئ نفسه متعايشًا مع الأحداث، حتى حركاتهم وتخيُّل تعابير وجوه الشخصيات داخل الرواية.

الرواية تجبرك دون أن تشعر بالتعاطف مع "كارول" على الرغم من خيانتها لزوجها، لا تدري كيف ولكنك تجد نفسك تسب وتلعن أحمد الذي غدر بـ"كارول" لدرجة أنَّها نعتها بـ"المومس الحقيرة" على الرغم من كل توسلات كارول له بألا يتركها.

يُعاب فقط على الأسواني- على الرغم من نزعته الصوفية- استخدام العشق الصوفي في الرواية في غير محله، واستخدام ألفاظ صوفية دون أن يحتاج إليها، ففي أحد المشاهد بين أحمد وكارول تقول الأخيرة له: "قم بنا لنصلي صلاة العشق" على الرغم من أنَّ ذلك ليس عشقًا.

محور آخر نستطيع القول بأن الرواية تدور حوله، وهو العودة إلى الأصل مهما أخذتك الحياة في مسالك غير المسلك الذي رُسم لك، ومهما أجبرتك الحياة على أشياءٍ ليست من طبيعتك البشرية أو فطرتك التي جُبلت عليها.

فبداية الرواية تشعرك أن كارول وحيدة ليس لها في الدنيا أحد غير ولدها، فؤاد يبتعد عن زوجتها الأولى حتى إنَّه لم يعد يقيم أي علاقة حميمية معها.

طوال أحداث الرواية تأخذك كارول إلى أحمد ثم حسام، ثم يعود أحمد مرة أخرى، ثم تموت وحيدة في نهاية الرواية، فؤاد يترك كارول ثم يعود لزوجته نادية مرة أخرى، وهكذا دورة الحياة، هي العودة إلى الأصل.

نادية زوجة فؤاد الأولى؛ أستطيع القول عنها أنَّها تمثل جيل الخمسينيات والستينيات في مصر وهو الزمن القديم أو الزمن الجميل كما نطلق عليه في عصرنا الحالي، فهي على الرغم من جحود زوجها تجاهها إلا أنَّها لم تفكر مرة واحدة في الطلاق، أو حتى في الخيانة.

النفس عند بطلة الرواية تشكل أزمة كبيرة؛ فالنفس دائمًا "أمارة بالسوء" فعلى الرغم من نعت أحمد لها بـ"المومس" وأنّها لم تكن كذلك بالفعل إلا أنَّها راحت تفعل نفس الأمر مع شخصٍ آخر وهو حسام، لتنتقم من أحمد وذلك لتثبت عليها ما قاله لها.

الرواية بشكل عام تأسرك بألفاظها ومشاهدها منذ الصفحة الأولى، وأظنّها مستوفاة جميع شروط كتابة الرواية، من الزمان والمكان، والأحداث، والحبكة، والعقدة والحل، وفي انتظار أعمالٍ أخرى لـ"الأسواني".

تم نسخ الرابط