كم مرة قلتِ لطفلك "قوم ذاكر!" وهو يتفنن في إيجاد أي شيء يشغله عن المذاكرة، من الرسم على صفحات الكتاب أو اللعب بالقلم إلى التحديق في سقف الغرفة؟ .. ليس لأنه لا يحب الدراسة، بل لأن الطريقة التي نستخدمها قد لا تكون مناسبة لجيل زد وألفا.
الدراسات الحديثة تؤكد أن هؤلاء الأطفال لا يتجاوبون مع صيغة الأوامر والنهي بنفس الحب الذي يتجاوبون به مع النقاش والحوار البناء، وبدلًا من الضغط عليهم بالقول المستمر "ذاكر" أو "لماذا لم تبدأ؟"، جربي أن تحولي المذاكرة إلى حوار ممتع: اسألي طفلك عن يومه، أو ماذا ذاكر بالفعل، أو ما يحب أن يبدأ به، بهذه الطريقة، يشعر الطفل بالاحترام والتحفيز، وتتحول المذاكرة من صراع يومي إلى تجربة مشوقة ومثمرة.
من الخناقات المألوفة أيضًا بين الأمهات والأطفال موضوع مدة المذاكرة، فقد يأتي الطفل برغبة صادقة في فتح كتابه والمذاكرة، فتبدأ المشكلة الحقيقية حين تمسك الأم بالساعة لقياس وقت المذاكرة كأنه في حلبة مصارعة يسابق الزمن للفوز على خصم غير مرئي، وإذا جلس الطفل أربع أو خمس ساعات، تصبح الأم مقتنعة أنه "شاطر وبيسمع الكلام وأكل الكتاب كله"، بينما قد يكون في الواقع ضيع وقته في تأمل السقف أو اكتشاف موهبته في الرسم أو تجربة مهاراته بطريقة غير مباشرة، أما إذا قضى الطفل ربع أو نصف ساعة فقط، فتبدأ الأم في لومه واتهامه بأنه لم يذاكر كفاية وضيع وقته، متجاهلة أن هذه الفترة القصيرة ربما كانت أكثر إنتاجية وتركيزًا بالنسبة له، هذا التفاوت في تقدير الوقت يخلق توترًا لا داعي له، ويجعل المذاكرة تجربة سلبية للطفل.
تشير الدراسات العلمية إلى أن مدة التركيز لدى الأطفال تختلف حسب العمر؛ فمثلاً الأطفال من سن 6 إلى 8 سنوات غالبًا يمكنهم التركيز لمدة تتراوح بين 15 و20 دقيقة، بينما الأطفال من سن 9 إلى 12 سنة يمكنهم التركيز حوالي 25 إلى 30 دقيقة، وهذه الفروق الطبيعية تعني أن كل طفل له قدرة مختلفة على الدراسة، ولا ينبغي مقارنة أحدهم بالآخر، غير أن التشجيع الإيجابي والاحتفال بالجهد المبذول أهم من التركيز فقط على النتيجة النهائية.
ولكل طفل طريقة خاصة للتعلم، واختيار استراتيجية المذاكرة المناسبة حسب شخصيته يجعل العملية أكثر فاعلية، فالطفل الحركي أو النشط يحتاج إلى الحركة أثناء التعلم، فيفضل التعلم النشط والتجريبي مثل البطاقات التعليمية، الأنشطة العملية، أو الرسم والتلوين لتمثيل المعلومات.
والطفل الهادئ أو المستقر يفضل الخرائط الذهنية أو التنظيم البصري للمعلومات، لأنه يحب رؤية المعلومات بشكل مرتب ومفهوم، ويستفيد من التركيز في بيئة هادئة ومنظمة، في حين الطفل الفضولي الذي يحب السؤال والاستكشاف يناسبه التعلم بالتدريس أو التجزئة، حيث يقوم بتفكيك المادة إلى وحدات صغيرة، ويستمتع بشرح ما تعلمه للآخرين أو تجربة المعلومات عمليًا.
أما الطفل سريع التشتت قصير التركيز يناسبه تقسيم وقت المذاكرة بأسلوب بومودورو (15-25 دقيقة دراسة مع 5 دقائق راحة)، لتجنب الإرهاق وزيادة القدرة على التركيز تدريجيًا، االطفل الاجتماعي الذي يحب المشاركة ينجح مع المذاكرة الجماعية أو النقاشية، حيث يتعلم من الحوار مع الآخرين ويستفيد من التفاعل والنقاش بدل الحفظ الفردي الصامت.
باختيار الاستراتيجية التي تتناسب مع شخصية كل طفل، تتحول المذاكرة من مهمة روتينية مرهقة إلى تجربة ممتعة وفعالة، ويشعر الطفل بالدعم والتحفيز على التعلم.
في النهاية، المذاكرة ليست مجرد الالتزام بالوقت أو الجلوس لساعات طويلة، بل هي تجربة شخصية تختلف من طفل لآخر، وما يحتاجه الأطفال من جيل ألفا وجيل زد هو الاحترام، الحوار، والتحفيز البناء، إلى جانب اختيار الاستراتيجية التي تناسب شخصيتهم وقدراتهم .. عندها تتحول المذاكرة من مهمة مرهقة إلى فرصة للتعلم الفعال، ويشعر الطفل بالإنجاز والدعم، وتقل الخلافات اليومية بين الأم والطفل. الأهم هو أن نركز على الجهد والإنجاز، وليس مجرد الوقت، لأن كل طفل له طريقته الخاصة للوصول إلى النجاح.



