عاجل
السبت 6 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
اعلان we
البنك الاهلي

بعد إعلانها ضخ 100 مليون دولار لدعم للقطاع الفلسطيني

خبراء فلسطينيون: الدعم الصيني لغزة يؤسس لدور سياسي وأمني أوسع لبكين بالمنطقة

في تطور لافت على خط الأزمة الإنسانية في غزة، أعلنت الصين عن تقديم مساعدات مالية قيمتها 100 مليون دولار للشعب الفلسطيني، في خطوة وصفها مراقبون بأنها واحدة من أكبر حزم الدعم المباشر التي تضخها بكين لصالح القطاع بعد الحرب الاسرائيلية الشرسة . وجاء الإعلان خلال مؤتمر صحفي مشترك في بكين جمع الرئيس الصيني شي جين بينغ ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، حيث أكد شي أن بلاده ستعمل مع فرنسا من أجل الدفع نحو حل «شامل وعادل ودائم» للقضية الفلسطينية.



 

هذه المساعدات، التي تأتي في لحظة دقيقة، تجاوزت كونها خطوة إغاثية لتشكل رسالة سياسية واضحة حول اتساع مساحة الحضور الصيني في الشرق الأوسط، وتنامي رغبتها في لعب دور فاعل في هندسة مسارات الحل.

 

رسالة سياسية تتجاوز حدود الدعم الإنساني:

على مدى الشهور الماضية، كانت الصين إحدى الدول التي حافظت على تدفق المساعدات الغذائية والإيوائية إلى غزة عبر مصر والأردن. إلا أن الإعلان الجديد يعكس انتقال بكين من دائرة الإغاثة إلى مرحلة الدعم المالي المباشر، وربط هذا الدعم برؤية سياسية أوسع للدفع نحو تسوية مستدامة.

 

وأكد الرئيس شي خلال المؤتمر أن الصين وفرنسا «تتشاطران العمل من أجل حل يعيد الاستقرار إلى المنطقة»، في إشارة واضحة إلى توجه بكين نحو لعب دور أكبر في ملف الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، خاصة بعد مؤتمر شرم الشيخ وجهود الوساطة المصرية في مفاوضات وقف الحرب في غزة.

 

ترحيب فلسطيني واسع… ورسالة تقدير من الرئيس محمود عباس:

 

من جهته، سارع الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى توجيه رسالة شكر للرئيس الصيني، أشاد فيها بما وصفه بـ«الموقف الأصيل والثابت» لبكين في دعم الحق الفلسطيني. وأكد عباس أن المساعدات ليست مجرد دعم مالي، لكنها تعبير عن تضامن إنساني وسياسي يعكس عمق العلاقة بين البلدين وتاريخًا طويلاً من المساندة الصينية في المحافل الدولية.

 

وأضافت الرئاسة الفلسطينية أن هذه الخطوة تأتي في توقيت بالغ الحساسية، وتفتح آفاقًا جديدة لتعزيز التعاون السياسي والاقتصادي لصالح استقرار المنطقة.

 

الصين تعزز حضورها السياسي عبر بوابة غزة:

من غزة، رأى أستاذ العلوم السياسية د. عماد عمر أن الإعلان الصيني يعكس «ثبات الموقف الصيني وانحيازه الواضح لحقوق الشعب الفلسطيني»، مشيرًا إلى أن بكين لطالما دعمت الفلسطينيين سياسيًا، لكنها اليوم تدخل مرحلة أكثر وضوحًا.

 

وقال عمر إن هذه الخطوة «لا تحمل بُعدًا اقتصاديًا فقط، بل توجه رسالة سياسية بأن الصين ترى في دعم الفلسطينيين جزءًا من مسؤوليتها الدولية، ومن دورها المتصاعد في إعادة توازن العلاقات الدولية»، معتبرًا أن «الصين بهذا الدعم تعزز حضورها في ملف الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، وتثبت أنها باتت لاعبًا دوليًا يصعب تجاوز دوره».

 

الصين تنتقل من الدبلوماسية الناعمة إلى دور أكثر قوة:

أما د. سهيل دياب، أستاذ العلوم السياسية من الناصرة، فاعتبر أن خطوة بكين يجب النظر إليها من «ثلاث زوايا مركزية»:

 

أولاً: إنها ـ بحسب دياب ـ امتداد عملي لمواقف صينية تاريخية داعمة للقضية الفلسطينية، بدءًا من استضافة لقاءات الفصائل ومرورًا بوثيقة بكين لإعادة الوحدة الفلسطينية. ويضيف: «هي خطوة تضع لبنة متقدمة لهذا الدور التاريخي، لكنها اليوم عملية وعينية وليست مجرد موقف سياسي».

 

ثانيًا: يرى دياب أن الصين تنتقل تدريجيًا من «مرحلة السياسة الناعمة» إلى أداء دبلوماسي أكثر وضوحًا وقوة، ليس فقط في الملف الفلسطيني، بل في عدة قضايا عالمية. ويشير إلى أن بكين باتت تطرح نفسها كقوة أمنية وسياسية أيضًا، لا اقتصادية فقط، وهو تحول «غير مسبوق» في طبيعة الدور الصيني.

ويؤكد: «هذا التحول سيترك أثرًا على الشرق الأوسط بأكمله، بما في ذلك ملفات سوريا ولبنان والاصطفافات الإقليمية».

 

ثالثًا: يعتبر دياب أن الدعم الصيني «ليس المحطة الأخيرة»، بل بداية لسلسلة خطوات قادمة تشمل تنسيقًا اقتصاديًا وأمنيًا ودبلوماسيًا أوسع مع الفلسطينيين والعالم العربي والإسلامي، متوقعًا أن تشهد المرحلة المقبلة «زيادات أكبر في حجم الدور الصيني».

 

ويضيف: «الصين باتت أكثر جرأة في خطواتها نتيجة التغيرات الإقليمية، ووجود موقف عربي وإسلامي أكثر تماسكًا في مواجهة السياسات الإسرائيلية، وهذا شجع بكين — ومعها دول غربية — على اتخاذ مواقف أكثر وضوحًا تجاه الفلسطينيين».

 

توقيت بالغ الأهمية يعزز صمود غزة:

من جانبه، أكد د. شفيق التلولي، عضو المجلس الوطني الفلسطيني، أن الإعلان الصيني «يأتي في توقيت بالغ الأهمية»، بالنظر إلى حجم الدمار الناتج عن الحرب، وحاجة القطاع الماسة لخطط تعافٍ سريع تشمل الإيواء والبنية التحتية. وأضاف أن الدعم الصيني «يعزز صمود الفلسطينيين على الأرض ويمنحهم نافذة أمل في ظل تعثر جهود إعادة الإعمار».

 

ما الذي يعنيه الدعم الصيني للمشهد الدولي؟

بحسب مراقبين، فإن الخطوة الصينية تحمل دلالات أعمق من القيمة المالية بحد ذاتها، أبرزها:

تعزيز مكانة الصين كداعم أساسي للقضية الفلسطينية.

إبراز منافسة دبلوماسية ناعمة مع القوى الغربية في الشرق الأوسط.

تمهيد الطريق لدور صيني محتمل في جهود إعادة إعمار غزة.

تأكيد انتقال بكين من دور اقتصادي إلى دور سياسي وأمني أكثر حضورًا.

ومع هذه الحزمة الكبيرة من الدعم، تبدو الصين اليوم أكثر استعدادًا للعب دور مركزي في إعادة تشكيل مسار الحل السياسي، في لحظة تشهد تغيرًا واضحًا في موازين القوة والاصطفافات الدولية، وتبرهن فيها بكين أن قوتها الناعمة يمكن أن تتحول — عند الضرورة — إلى تأثير سياسي مباشر في الساحات الأكثر تطلبًا.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز