في مصر الآن مسرحية للعرائس عن أم كلثوم في أكاديمية الفنون، وأيضاً مسرحية لفرقة مستقلة هي فرقة المسرح المصري للفنان ناصر عبد الحفيظ، وبالطبع مسرحية د. مدحت العدل ذات الإنتاج الكبير في القطاع الخاص، وفيلم يستعد صناعه لطرحه عن سيدة الغناء العربي بطولة الفنانة منى زكي، وهو الفيلم الذي أثارت صوره الأولى الجدل وأسفر عن ظاهرة مع وضد، وهي ظاهرة جديدة على تلقي وتقييم الصور الفنية في مصر وفي الفنون التعبيرية.
لا يمكن الثقة المطلقة في نعم ولا، أو في التفكير باللون الأبيض والأسود فقط.
ذلك أن كل الرؤى النقدية ورؤى التلقي التي أصبحت جاهزة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وارتفع صوتها المعبر عن الجمهور فوق صوت النقد التخصصي بكثير، هي رؤى نسبية ومتعددة وتشبه تعدد ألوان الطيف.
إلا أن السؤال الذي ألح على ذهني هو سؤال يبعد كثيراً من الأحاديث الدائرة بالأبيض والأسود وعن التنافس الكبير في موسم واحد على شخصية أم كلثوم وتقديمها للجمهور.
وهو سؤال كبير: لماذا كل هذا الحشد هذا العام عن أم كلثوم؟
ويتفرع من السؤال الكبير أسئلة فرعية مثل هل بدأ أحدهم ثم فتح شهية الآخرين؟
وهل هي مصادفة أم طريقة حركة في الفنون التعبيرية المصرية الآن؟
وقبل محاولة الإجابة عن هذا السؤال وأسئلته الفرعية يجدر بي أن أؤكد أن كوكب الشرق أم كلثوم تستحق مئات الأعمال عنها وعن فنها وزمانها ومعاصريها، وعن تجربتها المتفردة إبداعياً وإنسانياً.
إلا أن الإجابة التي تدور في رأسي تأتي تفسيراً لهذا التناول الفني الكثيف لأم كلثوم ليس كنوع من الحنين للماضي، ولكن بسبب البحث عن طريق للمستقبل.
إذ يبدو أن الصور الذهنية عن الفنانين في مصر تشوبها الكثير من السحابات الرمادية إذ يتصرف معظم نجوم الحاضر وعدد من مشاهيرهم الأكثر حصداً للملايين بطريقة تثير الجدل.
كما أنه يبدو واضحاً للجميع غياب الرمز الكبير الذي يستطيع أن يجمع مصر والعالم العربي حوله كما كانت تفعل أم كلثوم.
وكذلك غياب الاختيارات رفيعة المستوى من درر العامية المصرية والفصحى وثبات النموذج اللحني الكلثومي وتنوعه في ذات الوقت وكثافة وانتظام الإنتاج.
إن التفكير في أم كلثوم هو التفكير في سؤال مهم عن حاضر ومستقبل الفنون التعبيرية المصرية.
كما يمكن النظر في السؤال الفرعي في مسألة إعادة إنتاج تفكير الآخرين، وهو أمر يبدأ بفنان شهير يعلن عن فكرة لامعة بمقاربة نحو أم كلثوم، فتعجب تلك الفكرة الآخرين فيحدث هذا الاهتمام المفاجئ ولعل ذلك أحد أبرز أسباب حرص الفنان عن التكتكم حول أفكاره الإبداعية في بدايات التحضير لها.
كما يشكل الذهاب نحو أم كلثوم رهاناً محسوماً بالنجاح لأنها لا تزال حاضرة وجاذبة للجمهور الكبير والجدل حولها وحضورها الكبير هو صك مبدئي للنجاح.
أما ما بقي ولم يفكر فيه المختلفون فهو السؤال عن إمكانية تكرار أم كلثوم جديدة في الواقع، وهو أمر الإجابة الفورية عنه في تقديري أن مصر لم ولن تكف عن إنتاج المواهب الكبرى، ويبقى النظر نحو استعادة الظروف الموضوعية التي صنعت أم كلثوم بشكل معاصر هو الطريق الصحيح لازدهار الفنون التعبيرية المصرية في الحاضر والمستقبل.



