عاجل
السبت 13 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
اعلان we
احتفال مئوية روزاليوسف
البنك الاهلي
مجلـة هاجمـت كــل زعماء مصر.. إلا واحدًا!

روز اليوسف قبل الثورة

مجلـة هاجمـت كــل زعماء مصر.. إلا واحدًا!

«كنت أشترى مجلداتها القديمة، فعندما لا أجدها أو أعجز عن شرائها أقوم بتصوير صفحاتها فى المكتبات العامة»



تتلمذت على يد خمسة من كبار أساتذة الصحافة فى مصر: مصطفى أمين وعلى أمين، وجلال الدين الحمامصى، وكامل الشناوى، ومحمد صبيح.. عملت معهم فى فترات مختلفة من حياتى.

 

وتتلمذت فى شبابى بالقراءة فى مدرسة روزاليوسف الصحفية.

 

كنت أشترى مجلداتها القديمة فإذا لم أجدها أو عجزت عن شرائها، كانت إحدى هواياتى أن أقوم بتصوير بعض صفحاتها فى المكتبات العامة، أعيد قراءتها، وأستمتع بما تكتبه، وأتعلم من السيدة روزاليوسف، ومحمد التابعى، وعباس محمود العقاد. والدكتور سعيد عبده كيف تكتب الحملات الصحفية!

 

وقصة صدور هذه المجلة تكشف عن عزيمة صلبة، فقد استطاعت هذه الفنانة المسرحية أن تصدر مجلة سياسية تضع عليها اسمها، وتهاجم كل زعماء مصر باستثناء سعد زغلول.

 

وفى السنوات الأولى لروزاليوسف انتقدت وبعنف رئيس وزراء مصر محمد محمود الذي كان يطلق عليه صاحب اليد الحديدية. فقد أعلن أنه سيوقف ويعطل الدستور ثلاث سنوات.. وحكم محمد محمود مصر بالحديد والنار، فكانت هذه المجلة الوليدة أعنف الصحف وأطولها لسانًا ضده.

 

وخلال 15 شهرًا حكمها محمد محمود باشا عانت روزاليوسف الإيقاف والتعطيل، وما من صحيفة أوذيت كهذه الصحيفة، وما من محررين اضطهدوا وطوردوا كمحرريها.

 

وقد وصفت روزاليوسف ما جرى لها:

«فى صباح يوم السبت 30 يونيو 1928، أى فى أول يوم ذهب فيه صاحب الدولة محمد محمود باشا إلى وزارة الداخلية بصفته وزيرًا لها بدأ دولته أعماله فى منصبه الجديد بأن أمضَى قرارًا بمصادرة العدد 134 من مجلة روزاليوسف، فكنا أول من تلقى ضربة وجهت إلى الصحافة؛ فقد صادر عشرين ألف نسخة كان قد تم طبعها من العدد المذكور.

 

وأرسل إلينا فى يوم الاثنين 20 أغسطس 1928 إنذارًا يقول لنا فيه إننا نسنُّ بفاحش القول والإمعان فى الكذب والاختلاف سُنّة مزرية بشرف الصحافة مفسدة للأداب والأخلاق.

 

أخلاق في عينك!

 

وفى يوم السبت 15 سبتمبر 1928 وكنا فى الإسكندرية تلقينا تلغرافًا من سكرتير تحرير المجلة يقول: صودر العدد 144 وعطلت المجلة أربعة أشهُر.

 

وعرفنا أن وزارة محمد محمود كانت قد انتهت إلى قرار التعطيل فى يوم الثلاثاء السابق ولكنها تعمدت ألا تبلغنا القرار إلا فى يوم السبت، أى بعد تمام طبع العدد أو كما قال «حتى تكون الخسارة خسارتين وحتى يكعوا آخر قرش ربحوه من تضحيك الناس علينا».

 

اتفقنا مع الأستاذ جورج طنوس على الاشتراك فى تحرير مجلة «الرقيب».

وصدر العدد الأول منها.

وأعددنا العدد الثانى.

 

وفى يوم السبت 6 أكتوبر 28 داهم البوليس المطبعة وصادر ثلاثين ألف نسخة.. هذه الأرقام مثبتة فى المحاضر التي حررها البوليس، وأبلغنا قرار التعطيل نهائيًا لأن مجلة «الرقيب» تشبه مجلة روزاليوسف المعطلة فى تحريرها وصورها وتبويبها.

 

ومرت الشهور الأربعة وصدر عددان من روزاليوسف ثم أبلغتنا وزارة محمد محمود قرارًا بتعطيل المجلة نهائيًا لأننا نطعن على وطنية الوزارة.

 

وفى شهر فبراير اتفقنا نحن والأستاذ أرقش المحامى مع محمد صفا بك صاحب جريدة «صدى الحق» على أن تتولى تحريرها.

 

 

وأعددنا العدد الأول.. ولكن فى يوم السبت 23 فبراير أى بعد الانتهاء من الطبع داهم البوليس مطبعة مطر وصادر عشرة آلاف نسخة وأبلغ صاحب الجريدة قرار الوزارة بتعطيل المجلة نهائيًا لأنها «تدأب على نشر الأخبار الكاذبة المثيرة للخواطر».

 

أرأيت هذه الحجة فى تعطيل المجلة والعدد الأول منها لما يغادر المطبعة!

 

وكان من الصعب علينا بعد هذا أن نجد صاحب مجلة يرضى بالاتفاق معنا وتعريض مجلته للخطر ولكننا وقفنا أخيرًا إلى الاتفاق مع الأستاذ أمين سعيد صاحب مجلة الشرق الأدنى وصدر العدد الأول منها فى منتصف مارس سنة 1929.

 

وكأن محمد محمود خجل من هذه المطاردة فسكت عنا لكن سكوته لم يطل، ففى يوم السبت 20 يوليه- ودائمًا يوم السبت وبعد الانتهاء من الطبع- صدر قرار بتعطيل المجلة نهائيًا.. وصادر البوليس ستة عشر ألف نسخة كان قد تم طبعها وإعدادها.

 

وهذه الأرقام تبين عدد النسخ التي كانت تطبعها روزاليوسف قبل سبعين عامًا ولم يكن عدد سكان مصر قد بلغ رقمهم الحالى وقدرة القراء على الشراء ‎أو عدد المتعلمين مثلما تعرف هذه الأيام وهذه الأرقام لا تصل إليها الآن بعض الصحف والمجلات، ‎وتسقط وزارة محمد محمود، ‎وتعود روزاليوسف إلى الصدور، ‎وبعد شهر واحد فزع كبار الأحرار الدستوريين وصغارهم يطلبون من الحكومة والرأى العام أن يحموا كرامتهم من هجوم روزاليوسف التي تكتب قائلة: «‎مبروك عليكم هذه الكرامة»، ‎اشتموا وانهشوا الأعراض وسمونا فرسانًا وأنصاف وأرباع فرسان، وأفواهنا مكمّمة وأيدينا مغلولة وأقلامنا محطمة فإذا فكت أغلالنا ونزلنا معكم إلى ميدان واحد على قدم المساواة رفعتم بالصوت وقلتم يا دهوتی حوشونا يا هوه، ‎وتنتقم المجلة من محمد محمود باشا بأزجال قدمتها للصحافة المصرية.

 

‎تنشر حوارًا بين محمد محمود وطباخه قال الطباخ: عاوزين يا باشا السنة دى وقّتين ياميش ‎ونص قنطار عسل للكحك والقراقيش، ‎والسمن- كلك نظر- أدى الصفيحة مافيش، ‎وكل عام وأنت طيب ونسيت السكر..

‎وبعودة يا باشا بالمرة.. فين البقشيش.

‎يرد الباشا: عيد إيه يا شیخ اتلهی هیّجت أوجاعی

‎لا العيد دا عيدى ولا هو عيد أتباعى

‎ومنين يا عيد قطيع فى ميتم الراعى

إن ناس زارتنا السنة دى قدم لهم قهوة

دا عيد حزاينى مفيش للكحك فيه داعى

 

‎ويستمر الانتقام من رئيس الوزراء السابق. تكتب المجلة أن وفد الضفادع زار محمد محمود وقال له: شعب الضفادع لازم له دكتاتور زَيّك، ‎طولك وعرضك وفى ضعفك وفى وعيك، ‎فتش فى كل الطغاة مالقيش فيهم زيك ضعيف وعامل قوى.. أبكم ويترافع ما تحرموش دولتك نورك ولا ضيك.

 

يرد الباشا: ‎أنا أسير فضلكم يا ضفدع الوادى

أنتم عشيرتى وأنصارى وأولادى

لو حد غيركم طلب منى الحكايا دى

‎أرفض بشدة ولكن لجل خاطركم

‎فداكم الروح وفيكم أشتهى زادى

‎هتاف ليحيى دكتاتور الضفادع

 

‎وتهاجم المجلة إسماعيل صدقى بعد توليه رئاسة الوزارة بأقصى مما هاجمت محمد محمود ‎وتعمل روزاليوسف، ‎ولكنها تستمر فى النضال باسمها وبأسماء أخرى، فقد جرت العادة فى ذلك الزمان أن تشترى أو تستأجر مجلات لا تباع ولا تصدر بانتظام لتكون بديلا للمجلة المعطلة ويعرفها القراء ويشترونها لأنها صورة من روزاليوسف.

 



‎كانت روزاليوسف وفدية.

 

‎لكنها تهاجم الوفد عندما تراه يخرج عن سیاستها، أو عن سياسته كما ترى ويعلن الوفد أن الصحيفة لا تعبر عن رأى الوفد.

 

‎والمجلة لا تهتم بذلك فهى تعرف أنها مع القراء ‎وهم معها.

 

‎وتصبح صحيفة مستقلة.

 

‎ومنذ أيامها الأولى تلتقط محمد التابعى ليكون مديرًا لتحريرها ثم رئيسًا للتحرير فينبه الأذهان، وكان موظفًا فى مجلس النواب إلى أن سعد زغلول ‎ترك مذكراته فيبدأ البحث عن هذه المذكرات التي أصبحت من وثائق الدولة الرسمية، وينشرها أخيرًا الدكتور عبدالعظيم رمضان.

 

‎ويكوِّن التابعى وروزاليوسف مدرسة شامخة فى الصحافة يعترف بأنه تتلمذ عليها، وعليه كل أساتذة الصحافة فى مصر الذين تولوا رئاسة تحرير أغلب المجلات والصحف المصرية، ‎وتصبح هذه المدرسة التي تولت تمصير الصحافة المصرية بعد أن كان أساتذتها الكبار من سوريا ولبنان.

 

‎ويفخر الصحفيون المصريون الكبار بأنهم من مدرسة التابعى، أى من مدرسة روزاليوسف.

 



 

‎وتمر بمصر الأيام ‎ويصبح اللورد كيلرن السفير البريطانى فى مصر الحاكم الحقيقى لمصر ويهاجمه إحسان عبدالقدوس فى مقال واحد فيُسجن، ‎وتفرح روزاليوسف لأن ولدها قد صار سجين رأى، ‎ولكن تحت ضغط الرأى العام يُفرج عن إحسان عبدالقدوس بعد أربعة أيام، ‎وعندما يرى إحسان عبدالقدوس أن أمّه السيدة روزاليوسف لا تثق به رئيسًا للتحرير ولا تريد الاعتراف بقدراته يخرج ليكتب فى جريدة الزمان التي يرأس تحريرها جلال الدين الحمامصى الذي عبر الصحافة عن طريق روزاليوسف محررًا رياضيًا بها.

 

‎ويعود إحسان عبدالقدوس إلى روزاليوسف ويهاجم فساد الأسلحة والذخيرة وتصبح هذه القضية الأساسية التي من أجلها قامت ثورة 23 يوليو.

 

 

‎لكن أخطر ما قامت به روزاليوسف فى السنوات الأخيرة للملك فاروق الرسوم الكاريكاتورية التي كان يرسمها الفنان عبدالسميع، ‎كان يرسم حذاءً ضخمًا يدوس على أعناق المصريين، ‎ويضطر كريم ثابت المستشار الصحفى لفاروق إلى أن يقول للسيدة روزاليوسف: ما هذا الحذاء.. ولم يكن كريم ثابت يجهل أن الحذاء رمز لصاحب الجلالة، ولكنّ أحدًا لم يجرؤ على الاعتراف بذلك، وأصبح الحذاء رمزًا للعهد كله.. ‎والغريب فى الأمر أن المجلة فى عام 29 كتبت فى صفحتها الأولى عن غلاء الأحذية القديمة. قالت فى ذلك الزمان:

 

‎فى تاريخ تجارة الروبابيكيا فصل مسهب عن الأشخاص الذين من أجلهم أقيمت فى مصر سوق للأحذية القديمة، ‎والمعنى واضح، ‎والمجلة تقول: الله قادر على أن يفرج أزمة السوق فيمطرها أحذية ومراكيب.

 



 

‎وتقوم ثورة 23 يوليو وتفرض الرقابة والخوف على صحافة مصر، ‎وتجيء أيام فى مارس عام 54 يفرج فيها عن صحافة مصر ويلوح أمل فى حرية الصحافة فتنتهز روزاليوسف الفرصة فتهاجم وتنتقد بعنف الرقابة على الصحف وتطالب بعودة الحرية والبرلمان، ويُسجن إحسان عبدالقدوس.

 

‎ولكن..

 

‎موكب الحرية يعود، ‎وتكتب روزاليوسف بحرية وصراحة فإن المجلة الجريئة والصحافة الحرة لا تموت.

نشر في العدد 3777  بتاريخ 28 / 10 / 2000

 

نقلاً عن مجلة روزاليوسف (العدد المئوي)

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز