التفاصيل الكاملة لانطلاق الدورة الـ46 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي
بأجواء من الفخامة والبهاء، وبحضور نجوم الفن وصنّاع السينما من مصر والعالم، انطلقت فعاليات الدورة السادسة والأربعين من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، في احتفالية مبهرة احتضنتها العاصمة المصرية، لتُجدد القاهرة من خلالها عهدها بالفن والجمال، وتُعلن عن موسم جديد من الإبداع الذي يُعيد للسينما بريقها وبهاءها.
حضر الحفل نخبة من رموز الفن والثقافة، يتقدّمهم الفنان الكبير حسين فهمي رئيس المهرجان، والدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة، والمخرج الكبير محمد عبدالعزيز، ومحمد طارق المدير الفني للمهرجان، إلى جانب عدد من نجوم السينما المصرية والعربية، من بينهم يسرا، لبلبة، خالد النبوي، محمود حميدة، أحمد السقا، وخالد الصاوي، في مشهد احتفالي يؤكد أن القاهرة لا تزال عاصمة الفن العربي بلا منازع.
تحية للوطن.. وكلمة للفن
بدأت مراسم الافتتاح بعزف السلام الوطني، ثم صعد الفنان الكبير حسين فهمي إلى المنصة مرحبًا بضيوف المهرجان، مؤكدًا في كلمته أن «مصر بلد الفن والثقافة والتاريخ تعيد اليوم صياغة حاضرها بخطوات أبنائها المخلصين»، مشيدًا بدور مصر الإنساني في دعم الأشقاء في السودان ولبنان، وتمسكها التاريخي بالقضية الفلسطينية، ومشيرًا إلى اتفاقية شرم الشيخ لوقف العدوان على غزة بوصفها تتويجًا لجهود مصرية صادقة من أجل السلام.
كما وجّه تحية تقدير إلى رموز مصر المشرفين في المحافل الدولية، منهم الدكتور خالد العناني الأمين العام لمنظمة اليونسكو، والدكتور مينا رزق رئيس المجلس التنفيذي لمنظمة الفاو، متوقفًا عند الإنجازات الوطنية المتتابعة، من بينها الحفل الأسطوري لافتتاح المتحف المصري الكبير، الذي وصفه بأنه «ملحمة مصرية تؤرخ لعصر جديد من النهضة والإبداع».
وقال فهمي في كلمته المؤثرة: «إن مصر قادرة دائمًا على أن تصنع لحظاتها السينمائية الخالدة، فهي سيدة البهاء التي تبدأ اليوم عصرًا جديدًا من الإبداع والإنجاز، عصرًا ينهض بثقافتها وفنونها وأحلامها».
الفن والإنسان.. رؤية وزير الثقافة
ثم دعا حسين فهمي وزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هنو لإعلان الافتتاح الرسمي، حيث ألقى كلمة بليغة مزجت بين التاريخ والفن، وقال فيها: «نلتقي اليوم في حضرة كاميرا السينما، تلك الساحرة التي تجعلنا نحيا ألف حياة، وتوثّق لحظاتٍ لا تُنسى، وتمنح الإنسان صوتًا وصورة وخلودًا».
واستعاد الوزير في كلمته لحظة اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون قبل أكثر من قرن، معتبرًا أن المتحف المصري الكبير «يُعيد لتلك اللحظة مجدها وخلودها، ويُفتح أمام السينما آفاقًا جديدة للإلهام».
وأضاف: «ستظل السينما مرآة للروح المصرية، وجسرًا يربط شعوب الأرض بلغة الجمال والإنسانية، فهي ذاكرة الأمة وصوتها الحي».
واختتم كلمته بدعوة إنسانية مؤثرة: «من القاهرة، من قلب التاريخ والحضارة، ندعوكم أن تجعلوا من الفن وعدًا جديدًا بالسلام، والحياة، والجمال».
السينما ذاكرة وطن
واستأنف حسين فهمي كلمته مؤكّدًا أهمية مشروع ترميم الأفلام المصرية الذي أطلقه المهرجان بالتعاون مع الشركة القابضة للاستثمار الثقافي والسينمائي، ومدينة الإنتاج الإعلامي، مشيرًا إلى أن المشروع يستهدف ترميم ما يقرب من 1400 فيلم مصري للحفاظ على تراث السينما الوطنية.
كما عرض مقطعًا مؤثرًا لنجوم الفن الذين غيّبهم الموت هذا العام، في لحظة امتزج فيها الحنين بالوفاء، والذاكرة بالدموع.
تكريمات تخلّد العطاء
وفي لفتة تقدير للفن العالمي، أعلن حسين فهمي عن تكريم المخرج والسيناريست التركي الكبير نوري بيلجي جيلان رئيس لجنة تحكيم المسابقة الدولية، حيث منحه وزير الثقافة جائزة الهرم الذهبي لإنجاز العمر، تقديرًا لمسيرته الإبداعية.
ثم جاء تكريم النجم خالد النبوي بجائزة فاتن حمامة للتميز، والذي أهدى الجائزة إلى والديه وزوجته وأبنائه ومعلميه من روّاد السينما المصرية، كما أهداها في ختام كلمته إلى الشعب الفلسطيني، في لفتة إنسانية لاقت تصفيقًا حارًا من الحضور.
كما تم تكريم المخرج القدير محمد عبد العزيز بجائزة الهرم الذهبي لإنجاز العمر تقديرًا لمشواره الفني الزاخر، وأكد في كلمته أن «السينما كلما أعطيتها، منحتك أضعاف ما تعطيها».
لجان تحكيم عالمية ومنافسة قوية
شهد الحفل إعلان لجان تحكيم مسابقات المهرجان بمشاركة أسماء لامعة من مصر والعالم، حيث يترأس لجنة تحكيم المسابقة الدولية المخرج التركي نوري بيلجي جيلان، وتضم في عضويتها الممثلة بسمة، والمخرجة نادين خان، والمخرجة التونسية ليلى بوزيد، وآخرين من الصين وإيطاليا ورومانيا.
كما تم الإعلان عن لجان مسابقة آفاق السينما العربية، وأسبوع النقاد، والأفلام القصيرة، والأفلام الوثائقية، وجائزة FIPRESCI، وأفضل فيلم عربي وآسيوي، بمشاركة نخبة من النقاد والمبدعين من مختلف القارات.
كلمة الفن والجمال
قدّمت الإعلامية جاسمين طه زكي الحفل بكلمات شاعرية عبّرت فيها عن روح المهرجان قائلة: «كل دورة جديدة من مهرجان القاهرة السينمائي تجمع عشاق السينما على حب هذا الفن، الذي لا يزال مرآة المجتمع وذاكرته الحيّة».
أضافت: «السينما ليست صناعة فحسب، بل وجدان وطنٍ يثبت كل يوم قدرته على الحياة والإبداع».
واختتم الحفل بعرض فيلم الافتتاح "المسار الأزرق" من البرازيل، إيذانًا بانطلاق برنامج سينمائي ثريّ يُعيد إلى القاهرة بريقها كمنارةٍ للفن السابع في المنطقة والعالم.
وبهذا الافتتاح الرفيع، تُعلن القاهرة مجددًا عن مكانتها، لا كعاصمة للسينما فقط، بل كروحٍ خالدة تحتضن الفن وتمنحه المعنى، وكأنها تقول للعالم: إن السينما في مصر ليست حدثًا يُقام، بل نبضُ أمةٍ تُضيء من خلالها طريق الإنسانية نحو الجمال والخلود.



