د. حسام عطا
ملاحظات الاعتراف والإنكار.. وطريق عودة الإنتاج الثقافي المصري
مضطر للكتابة عن التغييرات الأخيرة في المؤسسة الرسمية للمسرح، بسبب تكرار خطأ عجيب حقاً يصدر عن مجموعة من المسرحيين الأصدقاء، إذ ينشرون التهنئة على صفحاتهم الشخصية، وفي ذلك تبعتهم عدد من المواقع الإعلامية للمخرج المسرحي هشام عطوة برئاسة البيت الفني للمسرح خلفاً للمخرج خالد جلال الذي انضم إلى مجلس الشيوخ في دورة الانعقاد الجديدة 2025.
وذلك أن المخرج المبدع حقاً هشام عطوة الذي قدم عروضاً بارزة تعبر عن موهبة حقيقية وإشراق مدهش مثل البؤساء على المسرح القومي، ومثل ماكبت ليونسكو في المسرح الجامعي، والتي لا زلت أتذكرها كوهج مسرحي نادر حتى الآن منذ 2006 في مهرجان جامعة حلوان المسرحي وغيرها من العروض المهمة، إلا أن عطوة قد ندر إقدامه على مهنة الإخراج المسرحي منذ سنوات عديدة لصالح العروض محترفة في القطاع الخاص خارج مصر.
وفي تقديري أنه يعرف جيداً شروط المهنة المسرحية الاحترافية، وربما ولتراجع ذلك الاحتراف قد ترك جهده لصالح أدوار أخرى في مهمات قيادية ثقافية متنوعة ورفيعة المستوى وأحدثها حقاً هو كونه ومنذ الصيف الماضي يشغل موقع رئيس البيت الفني للمسرح وقد قدم إنتاجاً متميزاً كان أبرزه لير للفخراني، وما تم ندبه للقيام بمهام العمل فيه هو قطاع الإنتاج الثقافي، وليس قطاع المسرح كما تشير التهاني.
أما قطاع الإنتاج فهو الرئاسة المالية والإدارية لعدد من المواقع المهمة في وزارة الثقافة ومنها البيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية، والمركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية والمركز القومي للسينما ومسرح الهناجر أو بشكل أدق مركز الهناجر الثقافي، وأيضاً البيت الفني للمسرح الذي تتبعه مسارح الدولة المحترفة.
وإذ يبدو من التهنئة وكأنها لا تعرف ذلك، فجدير بالذكر أن رئيس قطاع الإنتاج الثقافي طوال تلك السنوات الماضية والتي شغلها المخرج خالد جلال، كان هو صاحب حق الموافقة والرفض للمشروعات جميعها وصاحب التوقيع والاعتماد للشؤون المالية والإدارية المتعلقة بكل تلك المؤسسات التي سبق ذكرها وهي حقاً مهمة ثقيلة على شخص واحد مهما كانت قدراته الإدارية، وقد كان ذلك وفقاً للصلاحيات الموكلة لرئيس قطاع الإنتاج الثقافي بصفته.
وبينما أزف التهنئة للصديق هشام عطوة، والذي هو أيضا عضو فاعل في مجلس إدارة نقابة المهن التمثيلية، أود أن أضع أمامه عددا من المشكلات الجوهرية والتي تتطلب حلاً فورياً حتى يمكننا أن نمارس الأمل في حيوية المؤسسة الثقافية.
والمشكلة الأولى: هي ما يمكن وصفه بعقود الإذعان، وهي عقود يوقعها كل من يتعامل مع تلك المؤسسات، وهي تمنح الطرف الأول حق إلغاء التعاقد في المكان والتوقيت الذي يختاره.
كما أنها عقود لا تدفع للمتعاقد مقدم التعاقد، وهي نسبة عشرة بالمئة من إجمالي التعاقد وعدم دفعها يجعل العقود باطلة، وبالتالي يرحل من يشاء من الممثلين دون أي مسؤولية قانونية قبل بدء العرض، مما يترتب عليه حالة من المغامرة في بدء أي تدريبات مسرحية، أو أفلام تسجيلية وهي التي أصبحت نادرة جداً في خطة المركز القومي للسينما.
ومسألة العقود التي تحمل طابع الإذعان لا تتفق مع عالم القرن الحادي والعشرين بالتأكيد خاصة مع امتناع جهة الإدارة عن تسليم المتعاقد نسخة من عقده وفقاً لصحيح القانون.
وأعرف جيداً أن هذه مسألة مستحدثة إذ لا تزال العقود الأصلية وحق دفع مقدم التعاقد في حوزتي منذ 1993 أثناء عملي مع المخرج الكبير عبد الغفار عودة عندما كان رئيساً لقطاع الفنون الشعبية والاستعراضية وقد كان يطبق القانون، حرصاً على حقوق الفنانين وعلى جدية التعاقد ونفاذه التعاقدي الذي يضمن سلامة العملية الإنتاجية.
وثانياً: ضرورة انضباط عملية الإنتاج كي لا تطول التدريبات، وبعضها وصل إلى عامين كما حدث مع المخرج الراحل عمرو دوارة في قطاع الفنون الشعبية، وعندها وبسبب عدم التزامن بين التدريبات وعملية الإنتاج وتحديد مكان وميعاد العرض، يتحول الإبداع المسرحي إلى مأساة إنسانية.
وثالثاً: مسألة الدعاية التي اختفت تماماً من العروض المسرحية، بينما نسأل أين الجمهور؟ وهي المسألة التي أدت إلى هروب نجوم التمثيل من العمل في مسرح الدولة.
والفنون بدون إعلانات احترافية هي مجازفة يصنعها الهواة عبر البرامج الحوارية والأخبار.
ورابعاً: الحفاظ على الإيقاع الفاعل لإنجاز الاعتماد المالي والإداري حرصاً على تفكيك المركزية، وحماية لحيوية العملية الإبداعية وثقة المبدعين ووهجهم الإبداعي.
والسعي إدارياً ومالياً لتفكيك هذه المركزية وتحويل مهام قطاع الإنتاج إلى مهام المراقبة والمتابعة والمساءلة والدعم والإشراف القادر على التنسيق بين المؤسسات المتعددة لصنع التنوع والتعدد ومخاطبة جميع المجموعات المستهدفة من الجمهور العام.
وخامساً: النظر في ضرورة عمل الفنانين بالفرق المتعددة بشكل منتظم لاستعادة حساسية الفرق المختلفة، مع تأكيد الحضور المشترك لكل الأجيال بجوار الجدد والشباب حرصاً على تبادل الخبرات، وعلى الصفة الاحترافية للبيوت الفنية، تمييزاً لها عن فرق الهواة في مراكز الإبداع والهيئة العامة لقصور الثقافة.
وسادساً: الحرص على هوية الفرق واختلافها وتنوعها الخلاق، حتى تؤدي أدوارها كما هي في قرارات تأسيسها، وحتى لا يصبح تفكير الهواة وطرائقهم هو المتن، بينما يعود المحترفون إلى الهامش.
وهي مهام ليست كما تبدو ثقيلة، فقط برجاء استخدام الحسم والدقة والإخلاص المهني، وهي أمور يمكن ضبطها بسهولة بمجرد جعلها قواعد مرعية للعمل، خاصة أنها الأصول المهنية التي كانت ولا تزال قابلة للعودة.
كما يجب النظر في مسألة إرجاع الميزانيات إلى المالية في نهاية العام المالي بحسم، كما حدث في عودة الملايين في السنوات السابقة دون استخدام في مخصصات الإنتاج مما يؤدي إلى تراجع مخصصات العام المالي التالي.
وهي مسألة غريبة جداً إذ يحق لقطاع الإنتاج الثقافي طلب ميزانيات أكبر وليس إرجاع أموال من مخصصاته للمالية.
وذلك كي يصبح في موضع المنافسة الاحترافية كما كان وحتى يمكن له استعادة قدرات المؤسسة الثقافية الرسمية، وتأثيرها في الحفاظ على الدور المحوري القيادي المصري للفنون التعبيرية وعلى رأسها المسرح، وهو الدور الذي لا يمكن إلا أن يبدأ من القدرة على استعادة الجمهور المصري الكبير وعودة الصيغة الاحترافية للإنتاج الثقافي المصري.
خالص أمنياتي الطيبة للمخرج المبدع الصديق هشام عطوة في رئاسة قطاع الإنتاج الثقافي، وهو قطاع لو عادت إليه الروح لعادت إلى كل الفنون التعبيرية المصرية.
















