عاجل
السبت 18 أكتوبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البنك الاهلي
يادي المشاعر

يادي المشاعر

هل سيطرت عليك في يوم ما مشاعر لم تستطع وصفها أو حتى تسميتها؟ هل مارست يومًا سلطتك الأبوية أو الأمومية على طفلك ومنعته من البكاء بعبارة "اسكت متعيطش"؟ هل اعتبرت أن بعض المواقف لا تستحق الحزن أو الزعل، وقلت له كلمات مثل "عيب تزعل من حاجة بسيطة"، "مش مستاهلة تضايق"، أو "مافيش حاجة"؟.. كلها عبارات متواجدة في قاموسنا اليومي نرددها بشكل عفوي، لأبنائنا وأصدقائنا وأقاربنا، لكنها في الواقع تترك أثرًا عميقًا على وعينا العاطفي، فتزرع داخلنا وداخل أطفالنا عادة خطيرة، وهي كتمان المشاعر، وعدم القدرة على فهمها أو التعبير عنها بالشكل الصحيح، ودون أن نقصد، نربي أبناءنا على أن التعبير عن المشاعر ضعف، وأن الأفضل كتمانها، لكن الحقيقة إن القدرة على التعرف على المشاعر والتعبير عنها بشكل صحي ليس رفاهية لكنها مهارة حياتية تؤثر على الصحة النفسية والجسدية في الكبر.



 

المشاعر كائن حي، يريد أن يخرج ويتنفس، وقد ينمو أو يتضاءل حسب الموقف وشدته، وحتى نتمكن من تعليم أولادنا مهارة التعبير عن مشاعرهم، علينا نحن الكبار أولًا أن نفهم أنواع المشاعر والفروق بينها، إذ يؤكد علماء النفس أن هناك عددًا محدودًا من المشاعر الأساسية، ومنها يتفرع عدد كبير من المشاعر الفرعية التي نعيشها ونشعر بها في مواقف الحياة اليومية المختلفة.

 

فعلى سبيل المثال، حدد عالم النفس الأمريكي بول إكمان ستة مشاعر أساسية هي: الفرح، الحزن، الغضب، الخوف، الاشمئزاز، والدهشة، وفي تصنيفات أحدث، مثل نموذج "عجلة المشاعر" لعالم النفس روبرت بلوتشيك، ارتفع عدد المشاعر الأساسية إلى ثمانية، بإضافة مشاعر مثل الثقة والتوقع.

 

ومن خلال تداخل هذه المشاعر الأساسية، يتولد عدد كبير من المشاعر الفرعية يصل إلى أكثر من 30 شعورًا مختلفًا، مثل: الإعجاب، الامتنان، الفخر، الإحباط، التوتر، الحنين، وغيرها، غير أن معرفة الفروق بين هذه الأنواع المختلفة من المشاعر تساعدنا على فهم أنفسنا بشكل أعمق، وتمكننا من مساعدة أبنائنا على تسمية مشاعرهم بدقة، بدلًا من الخلط بينها.

 

الحب، الإعجاب، الامتنان، كلها مشاعر تدور في دائرة المشاعر الإيجابية، لكنها ليست واحدة، فالحب هو إحساس عميق بالارتباط والرغبة في القرب، بينما الإعجاب هو تقدير أو انبهار بسلوك أو صفة معينة، أما الامتنان فهو شعور بالعرفان تجاه شخص أو موقف محدد.

 

وفي المقابل، هناك مشاعر تبدو متشابهة لكنها تختلف في السبب ورد الفعل، مثل: الحزن، الغضب، الإحباط، والمضايقة، فالحزن عادة ما يكون ناتجًا عن فقد أو خيبة أمل، بينما الغضب هو رد فعل على ظلم، أما الإحباط فهو شعور بالعجز عن تحقيق هدف، في حين أن المضايقة تعبر عن انزعاج من موقف مزعج، لكنه لا يكون بالضرورة عميقًا أو مستمرًا.

 

كبت المشاعر على المدى الطويل، كما تؤكد العديد من الدراسات، يؤدي إلى مشكلات نفسية وجسدية خطيرة، مثل: القلق، الاكتئاب، اضطرابات النوم، وحتى ضعف جهاز المناعة، وأشارت دراسة نشرت في مجلة "أبحاث الأمراض النفسجسمية" إلى أن الأشخاص الذين يعبرون عن مشاعرهم السلبية بشكل صحي، تكون لديهم معدلات أقل من الإصابة بالأمراض المزمنة.

كما تؤكد منظمة الصحة العالمية أن تنمية مهارات الذكاء العاطفي، وخاصة التعبير عن المشاعر، تساهم في الوقاية من الاضطرابات النفسية، وتحسن من قدرة الأطفال على التكيف الاجتماعي والدراسي، أما أبحاث جامعة هارفارد فقد كشفت أن التعبير المنتظم عن المشاعر يساعد في خفض مستويات هرمونات التوتر، مثل الكورتيزول، ويحسن وظائف القلب.

 

ولكي نربي أبناءنا على التمييز بين المشاعر والتعبير عنها بطريقة صحية، علينا أن نبدأ نحن بتسمية المشاعر أمامهم، فبدلًا من تجاهل شعورهم بعبارة مثل "مفيش حاجة"، يمكن أن نقول "واضح إنك زعلان… تحب تحكي لي ليه؟"، كما يمكن الاستعانة ببطاقات أو رسوم تعبر عن المشاعر، وهي وسيلة فعالة خاصة مع الأطفال الصغار، ومن المهم أن نعلمهم التعبير بالكلمات لا بالسلوك، فمثلًا نقول: "أنا متضايق"، أو "أنا غضبان لأن…" بدل اللجوء إلى الصراخ أو الضرب، ولا مانع من أن نشاركهم نحن أيضا مشاعرنا، كأن نقول: "أنا كنت متوترة النهارده قبل الاجتماع"، ليفهموا أن المشاعر ليست عيبًا ولا ضعفًا، والأهم أن نمنحهم وقتًا ومكانًا آمنًا للتعبير عما بداخلهم، دون زعيق أو استهزاء، حتى يشعروا بالقبول والثقة.

 

التعبير عن المشاعر ليس ضعفًا، بل هو قمة القوة، ليس عادة ذميمة، بل سلوك ذكي وناضج، ليس رفاهية، بل ضرورة لصحة نفسية متزنة، وليس دلالة على قلة الحيلة، بل علامة على وعي عميق بالنفس، وحين نعلم أبناءنا أن يعبروا عن مشاعرهم بوضوح، فإننا نساعدهم على أن يكبروا وهم أصحاء نفسيًا، يعرفون أنفسهم جيدًا، ويقيمون علاقات صحية ومتوازنة مع الآخرين، ولا شك أن كل ذلك يبدأ منا نحن، من طريقة كلامنا، وردود فعلنا، والمساحة التي نمنحها لهم ليكونوا على طبيعتهم، دون خوف أو تردد.

 

التعبير عن المشاعر ليس ضعفًا لكنه قمة القوة ليس عادة ذميمة لكن ذكية، ليس إذا علمنا أولادنا أن يعبروا عن مشاعرهم، سنساعدهم أن يصبحوا كبارًا وأصحاء نفسيًا، عارفين نفسهم جيدًا، وعندهم علاقات صحية مع غيرهم، والموضوع يبدأ منا ننحن، من طريقة كلامنا، ورد فعلنا، والمساحة التي نتركها لهم ليكونوا أنفسهم.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز