عاجل
الجمعة 17 أكتوبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البنك الاهلي
فما ظنكم برب العالمين؟! "3-3"

فما ظنكم برب العالمين؟! "3-3"

لا يزال حديثنا موصولًا حول قول الله تعالى، "فما ظنكم برب العالمين".



فمن ظن بالله خيرا سيجد كل الخيرات، سيجد بركة في عمره، ورزقه، وماله، وولده.

أما من ظن غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه، فلا تظنون بالله الظنون، علينا وضع ثقتنا كاملة في رب العالمين، الذي جمع في معيته بين الألوهية والربوبية، فهو المتفرد بالألوهية فليس ثمة إله إلا هو.

الراعي لكل الأرباب، فالرب خلاف الإله، فليس كل رب إله وإنما كل إله رب، فرب الأسرة، أي راعيها والقائم على مصالحها، فما بالنا برب العالمين الذي لا إله إلا هو سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا.

ونختتم هذه الثلاثية - مقالاتي الثلاثة- بسياحة إيمانية روحانية مع حديثه القدسي جل وعلا.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: يَقُولُ اللهُ: "أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً".

فهذا الحديث القدسي ثابت صحته ثبوتية لا مراء فيها ولا جدال حولها، وورد في الصحيحين، صحيح البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى.

أما سياحتنا وطوافنا حول عبارات الحديث، فهيا نطوف بحضراتكم فى نزهة ربانية مع كلام الله، ومن أصدق من الله قيلا، ومن أصدق من الله حديثا.

فحينما يتحدث الله تعالى، إذن فثمة أمر جلل وحدث خطير جدا، ألا وهو تشكك البعض الذين تزعزع الإيمان في قلوبهم، فأراد الله تعالى أن يعطيهم درسا في اليقين بالله تعالى، وأنه معهم في حركاتهم وسكناتهم وذهابهم ومجيئهم، ولا يغيب عنهم طرفة عين.

فلماذا بعد كل ذلك يظنون بالله الظنون، وأنه سيتركهم وسيغفل عنهم وسينساهم، يقول الله تعالى، أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني، انظروا، إلى المعية، الله تعالى قدره يقول وأنا معه، تخيلوا أن الله معنا، يرانا، شاهد علينا، فكيف ينسانا، والمعية هنا معية قرب معنوي، لا معية مادية فحاشا وكلا أن يكون الله كذلك فالله مبرأ من كل صفات المحدثات.

 

وشاهدي على هذه المعية المعنوية، "ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد"، وأنا معه حين يذكرني، والذكر نوعان، ذكر قلبي، وذكر مادي، أما الذكر القلبي، فجاء فيه حديث قدسي، سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، منهم رجل ذكر الله خاليا، أي مع نفسه دون أن يراه أحد حتى فاضت عيناه بالدموع.

 

أما الذكر المادي فهو ذكر الحواس، كذكر اللسان بصوت مرتفع، وكان أحد الصالحين يستغفر الله عن غفلته عن الذكر، وفي شأن الذكر يقول تعالى: "والذاكرين الله كثيرا والذاكرات"، فالجميع متساوون في أجر الذكر، الرجل والمرأة، أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما.

 

كذلك من فوائد ذكر الله تعالى، طمأنينة القلب وهدوء النفس وانتعاش الروح حتى تسبح من خلال الذكر في عالم الملكوت، "ألا بذكر الله تطمئن القلوب"، وإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، تخيلوا من يذكره الله تعالى في نفسه، على أي وضع ستكون حالته.

وإن ذكرني في ملأ، وسط جماعة، حلقات الذكر التي تلهج بها الألسنة بذكر الله فتتعانق فيها ومن خلالها الأرواح وترتقي إلى رب كريم راض غير غضبان.

ذكرته في ملأ خيرا منه، أي ملأ يا إلهنا، ملأ عالم الملكوت، عالم حملة العرش، عالم الملائكة، عالم جنات عرضها السموات والأرض.

وإن تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا، وإن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هروله.

فكيف يتحقق القرب من الله تعالى، عن طريق، أولًا: إخلاص النية في العبادة، ثانيا: تحقيق المحبة الخالصة له تعالى، ثالثا: التقرب بالتخلي، تخلى المرء عن الأغيار والاتجاه بالكلية قلبا وقالباً، جملة وتفصيلا إلى رب الأغيار.

والتحلي بكل صفات الخير والتخلق بأخلاقه تعالى، مصداقا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم، تخلقوا بأخلاق الله تعالى.

رابعا: التقرب من خلال العبادات عن طريق أداء ما فرضه الله تعالى من صلاة وصوم وزكاة، وحج البيت للمستطيع، والسعادة له بالوحدانية.

خامسا: التقرب من خلال المعاملات، في البيع والشراء وإحسان معاملة الجار، وصلة الأرحام.

والنتيجة، لو فعلنا ذلك، وتقربنا إلى الله تعالى سيتقرب إلينا ولو توجهنا إليه مسرعين سيأتينا هرولة والهرولة المشي مسرعا بل وزيادة في السرعة.

فهل أحسنا الظن بالله تعالى؟!.

 

أستاذ الفلسفة بآداب حلوان

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز