عاجل
الأحد 12 أكتوبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
مختارات من الاصدارات
البنك الاهلي
خطة غزة..  سباق سلام فى حقل ألغام
بقلم
نبيل عمر

خطة غزة.. سباق سلام فى حقل ألغام

هذه لحظة حاسمة فى تاريخ الشعب الفلسطينى.. لحظة صنعها صمود نادر من أهل غزة أمام ‏حرب إبادة وتدمير دامت عامين، حوّلت القطاع إلى «الأرض الخراب» التي وصفها الجميع ‏باستحالة العيش فيها، لكنّ فلسطينيى غزة عاشوا أسوأ أيام حياتهم جوعًا وعطشًا وتشريدًا ‏ومرضًا ووجعًا ونزفًا، وظلوا راشقين أظافرهم فى تراب أرضهم، فى تحدٍّ لإمبراطورية ‏عظمى طاغية تمد جيش إسرائيل بكل ما يلزمه من أدوات سلب الحياة من البشر والحيوان ‏والجماد!‏



صمود هذا الشعب الأسطورى هو الذي أجبر إسرائيل على توقيع «اتفاقية وقف إطلاق النار» ‏فى مفاوضات شرم الشيخ المصرية، دون أن تحقق إسرائيل أهداف الحرب التي أعلنها ‏بنيامين نتنياهو رئيس وزرائها عند شن حرب الإبادة على القطاع فى 28 أكتوبر 2003: ‏تحرير جميع الرهائن وتدمير حماس كليًا، مغلفة بغاية كبرى هى تفريغ غزة من أهلها ‏وطردهم خارجها!‏

وإذا سألنا نتنياهو عن معنى الكلمات التي وصف بها اتفاق شرم الشيخ: «هذا يوم عظيم ‏لإسرائيل»، فأى عظمة يقصدها؟

لقد رفع الصحفى الإسرائيلى «بن درور يمينى» الحرج عنا وقال فى مقال بصحيفة يدعوت ‏أحرونوت: إسرائيل فازت فى المعركة لكنها خسرت الحرب!‏

نعم؛ فالحروب لا يقاس مكسبها أو خسارتها، بحجم الدمار والقتل الذي يحدثه طرف بطرف، ‏ولكن «بتحقيق أهداف الحرب»، وإلا اعتبرنا روسيا خاسرة فى الحرب العالمية الثانية، بقتلى ‏بلغ عددهم ما بين 26 إلى 27 مليون روسى، وهو ما يتجاوز نصف إجمالى عدد القتلى فى ‏الحرب العالمية الثانية من دول الحلفاء والمحور، فالقتال «وسيلة إلى غاية، فإذا فشلت الغايات ‏تبددت معها الانتصارات».‏

وقال «بن درور» وهو من أصل يمنى: كان يمكن لإسرائيل أن تأخذ قرار وقف إطلاق النار ‏بنفسها فى فترات سابقة، بدلاً من أن يُفرض عليها بالقوة، فتُظهر للعالم أن حماس هى الساعية ‏إلى الحرب وليست إسرائيل، إن كشف حساب العامين الأخيرين يبين أن إسرائيل اقتربت فى ‏الأسابيع الأخيرة من الفشل التام، ليس عسكريًا وإنما سياسيًا واستراتيجيًا!‏

وقد حدد يائير لبيد زعيم المعارضة الإسرائيلية فى مقال له فى «فورين أفيرز» نشر فى ‏السادس من أكتوبر الحالى تداعيات الحرب على إسرائيل بعبارات دقيقة: وصلت إسرائيل ‏إلى نقطة تحوُّل، هناك خطر حقيقى من فرض عقوبات دولية، فلم تكن مكانة إسرائيل الدولية ‏أسوأ من أى وقت مضى، إلى الدرجة التي يهتف فيها الطلاب فى جامعة كولومبيا الأمريكية، ‏بنفس شعارات طلبة جامعة طهران الإيرانية، ناهيك عن خطر الهجرة الواسعة للأدمغة، ‏واتساع الفجوة بين الحكومة والشعب بسبب تجاهل الحكومة لإرادة الشعب واستمرارها فى ‏حرب لم تَعُد تخدم مصالح الأمن القومى الإسرائيلى، وتكاد تُفقد إسرائيل دعمها طويل الأمد ‏من الحزبين فى واشنطن (أتصور أن هذا الفقد ليس صحيحًا مع سيطرة إيباك على أغلب ‏أعضاء الكونجرس من الحزبين).‏

والبديل فى رأى «لبيد» هو إنهاء الحرب فى غزة، وتحالف مع الشركاء الدوليين لتنفيذ خطة ‏ترامب: استعادة الرهائن، ووقف القتال وضمان دخول ما يكفى من الغذاء والدواء لإنهاء ‏الأزمة الإنسانية، وإعادة ضبط علاقات إسرائيل مع الاتحاد الأوروبى، و«إذا لم تُنَفَذ الخطة ‏فإن الانقطاع فى المجتمع الإسرائيلى سيكون دراماتيكيًا، والضرر الذي سيلحق بإسرائيل ‏يصعب تخيله»!‏

والرئيس الأمريكى دونالد ترامب صاحب خطة السلام فى غزة المكونة من عشرين بندًا، ‏والتي أصَرّ عليها وضغط على نتنياهو لقبولها، لا تعنيه غزة وأهلها ولا يعمل حسابًا للمنطقة ‏ودولها، كان يريد أن يحمى إسرائيل من نفسها، ويضع حدًا لورطتها من جنون نتنياهو، فهى ‏فى حرب استنزاف طالت 725 يومًا، استهلكت فيها سُمعتها والأساطير الكاذبة التي نسجتها ‏حول نفسها لأكثر من 77 عامًا، وسببت لها عزلة دولية غير مسبوقة، دون أن تصل إلى ‏محطة الأهداف التي سعت إليها؛ خصوصًا بعد أن تمسّك الفلسطينيون بالعيش والموت فى ‏أرضهم مَهما لاحقها من تخريب، وأفسدوا مشروعات التهجير قسرًا أو طوعًا، فصارت ‏إسرائيل عبئًا على السياسية الخارجية لأمريكا مع أصدقاء وحلفاء أعربوا عن تذمرهم ‏وغضبهم، وقد حسبها ترامب بأن نجاح الخطة يمكن أن يعيد الدماء الحارّة إلى الاتفاقات ‏الإبراهيمية التي تجمدت على الحدود السعودية بفعل الحرب، وربما أيضًا تتشجع دول ‏إسلامية فى الانضمام إليها مثل باكستان التي وقّعت اتفاقات دفاع مشترك مع الرياض.‏

وأتصور أن نتنياهو قَبَلَ خطة ترامب بعد أن أدخل تعديلاً على الأصل الذي عُرض فى ‏البداية على الدول العربية والإسلامية الثمانية: «مصر وقطر وتركيا والسعودية والإمارات ‏والأردن وباكستان وإندونيسيا»، ليخفف الضغوط الدولية والداخلية التي تلاحقه كظله، ولم ‏يتوقع موافقة حماس عليها، وظن أن هذا الرفض سيمنحه وقتًا أطول وفرصة لإعادة ترتيب ‏أوراقه لمواجهة «قائمة» من الاتهامات والمحاسبات القانونية والسياسية، وقد حاول تبرير ‏قبوله لها أمام حلفائه وخصومه؛ بأن إسرائيل انتصرت فعلاً، ولا يبقى إلا إطلاق سراح ‏الرهائن وهو ما توفره الخطة، وتصفية حماس على غرار ما فعله فى لبنان وسوريا وإيران: ‏إنهاك حزب الله والتخلص من معظم قياداته وإضعافه، تدمير الجيش السورى والتوغل فى ‏الجولان إلى مسافة صارت فيها دمشق فى مرمى المَدافع الإسرائيلية، والتخلص من الخطر ‏النووى الإيرانى.‏

لكن حماس خيّبت ظنه وقبلت الخطة، لم تكن تملك أى خيارات بديلة، كانت لها تحفظات على ‏بعض بنودها، وأرجأت بحثها إلى المفاوضات غير المباشرة مع الجانب «الإسرائيلى- ‏الأمريكى»، عبر واسطة القاهرة والدوحة وأسطنبول، ورقابة الرياض وأبوظبى وعمان ‏وإسلام إباد وجاكرتا.‏

وأتصور أن تهديد الرئيس الأمريكى لحماس لم يكن له أى تأثير فى قرارها، فتهديده بأنه ‏سيطلق يد إسرائيل فى غزة ويمنحها كل ما يلزمها لإنهاء مهمتها فى الإبادة الجماعية ‏والتدمير ليس جديدًا؛ لأن أمريكا اصطفت مع إسرائيل فعليًا فى حرب الإبادة على القطاع، ‏بكل ما فى جعبتها من إمكانات عسكرية وسياسية، ولم تتراجع لحظة وتفكر بطريقة إنسانية ‏وأخلاقية فى إيقاف قتل المدنيين الفلسطينيين وتدمير كل سُبل الحياة لديهم، لكن التأثير الفعال ‏على حماس كان من تأييد الدول العربية والإسلامية للخطة، أملاً وحرصًا على إنقاذ أهل غزة ‏من براثن جيش نهم للدم ودولة تسعى إلى تهجيرهم قسريًا، وبالطبع وضع الترحيب الدولى ‏الواسع للخطة أثقالاً على قادة حماس وفرض عليهم «مواجهة» لا قبل لهم بها.‏

والسؤال الذي يفرض نفسه حاليًا: ما مصير الائتلاف الحاكم فى إسرائيل، المكون من أحزاب ‏متشددة تحكمها الأساطير الدينية والاستعلاء وغطرسة القوة المفرطة؟

من المرجّح أن يشتد التوتر داخل التحالف، فالاتفاق دون نصر ساحق على الأرض، فى نظر ‏شخصيات مثل إيتامار بن غافير، وبتسلئيل سموتريتش، هو تراجُع استراتيجى يضر بمصلحة ‏إسرائيل، ويُعَد مكافأة لحماس؛ خصوصًا مع إطلاق سراح سجناء فلسطينيين بارزين، مثل ‏مروان البرغوثى وأحمد سعدات.‏

نعم سوف تستكمل المرحلة الأولى من خطة ترامب بوقف الحرب والانسحاب الجزئى للقوات ‏الإسرائيلية والإفراج عن الرهائن، وقد يمضى الاتفاق إلى منتهاه قافزًا فوق ألغام شديدة ‏الخطورة، مثل سلاح حماس ودور السلطة الفلسطينية ومستقبل القطاع..إلخ، لكن قضية ‏الشرق الأوسط أكثر تعقيدًا من غزة وحماس والرهائن، فغزة مجرد ملف فى قضية أهم، ولن ‏يحل السلام فى الشرق الأوسط، دون حل القضية الأم، وهى فلسطين، وأى التفاف حولها أو ‏التفكير بعيدًا عنها هو مجرد تأجيل لانفجار قادم لا محالة، أيًا كان شكله.‏

 

نقلًا عن مجلة روزاليوسف  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز