
صحيفة إسرائيلية: أشرف مروان كابوس خطة الخداع الاستراتيجي المصرية لـ"الموساد"

عادل عبدالمحسن
انتقدت صحيفة يديعوت أحرنوت العبرية في تقرير جديد نشرته اليوم الثلاثاء في ملحق ٧ أيام، المحاولات المستميتة من الموساد الإسرائيلي بعدم تصديق أن أشرف مروان، المعروف بـ"الملاك"، لم يكن جاسوسًا للموساد على الإطلاق كما قُدّم، بل كان رأس حربة خطة الخداع المصرية قبل حرب أكتوبر.
وقالت الصحيفة العبرية إن هذا الأسبوع، ننشر الجزء الثاني من تحقيق "الملاك الكاذب"، مؤكدة أن آلة التستر التابعة للموساد بذلت كل الجهود طوال ٥٢ عامًا لإخفاء فشلها، إذ كان أشرف مروان طعمًا في خطة الخداع المصرية وبلعته إسرائيل بكل بلاهة.
وأشارت الصحيفة إلى أن مروان، الذي كان متزوجًا من ابنة الرئيس جمال عبد الناصر وأقرب شخص إلى خليفته الرئيس السادات، لم يكن يومًا عميلًا لإسرائيل، حيث كشفت نتائج التحقيق أنه كان المحرك الرئيسي في خطة الخداع المصرية.
ورغم أن الموساد جعله موضع ثقته، وخاصة رئيسه زفي زامير، لدغ إسرائيل في اللحظة الحاسمة، فبرغم علمه بموعد الحرب لأسابيع، خدع إسرائيل بذكاء شديد وأوهمها أن الموعد قد أُجّل إلى نهاية عام ١٩٧٣، وحتى حينها كان يُقدّر أنه على الأرجح لن يحدث شيء.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول استخباراتي إسرائيلي كبير مطلع على الأمر قوله إن أشرف مروان "جعل إسرائيل تنام في تخدير موضعي"، حتى أُهملت تلقي أي معلومات استخباراتية أخرى لم تصدر منه.
وأشارت إلى أن التواريخ الخاطئة والتقييمات الغامضة لـ"مروان" ساهمت بشكل كبير في عدم تجنيد إسرائيل للاحتياط في الوقت المناسب، واكتشافها للهجوم بعد فوات الأوان.
وأوضحت أن مسؤولي الموساد، عندما سمعوا أن جهاز المخابرات "أمان" يحقق فيما إذا كان "أشرف مروان" عميلاً مزدوجًا، سارعوا إلى تشكيل لجنتهم الخاصة، والتي خلصت إلى استحالة أن يكون الأمر برمته عملية احتيال مصرية.
وبرر مسؤولو الموساد آنذاك بأن قدرات مصر في هذا المجال وتعقيد العملية وصعوبة استمرارها على مر الزمن تجعل من غير الممكن أن يكون هؤلاء الفلاحون المصريون خدعونا.
وأكدت الصحيفة العبرية أن شلومو جازيت، رئيس جهاز المخابرات الذي حل محل زامير وأعاد تأهيله، كان مقتنعًا بأن أشرف مروان كان طعمًا مصريًا بلعته إسرائيل ببلاهة.
وقالت الصحيفة: بعد حوالي عام من حرب ٦ أكتوبر ١٩٧٣، شكّل جازيت لجنة تحقيق سرية للنظر في قضية أشرف مروان.
ولم جد اللجنة دعمًا من الأجهزة المختصة، ولم تتمكن من التوصل إلى نتيجة حاسمة بسبب العراقيل التي وضعها الموساد، الذي سارع إلى تشكيل لجنته الخاصة التي أنهت عملها عام ١٩٧٤.
والمثير للدهشة أن اللجنة خلصت إلى أن شكوك "جازيت" لا أساس لها من الصحة.
كانت هذه بداية حملة تستر متواصلة بهدف واحد: الحفاظ على رواية أن الموساد هو الجهاز الوحيد الذي لم يفشل في الاستخبارات خلال الحرب، ويعود الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى أشرف مروان.
وتُوِّجت هذه الحملة بنشر الموساد كتابًا يمتدح فيه نفسه، ولا يزال النهج مستمرًا حتى يومنا هذا، حتى بعد صفعة هجوم حماس يوم ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، على إسرائيل من قطاع غزة في غسل مخابراتي مهين.
وقبل نشر الجزء الأول من تحقيق صحيفة يديعوت أحرنوت عن أشرف مروان، أرسلت الصحيفة إلى الموساد قائمة طويلة ومفصلة من الأسئلة، لكنه تجاهلها وكان رده: "نجد الانتقادات الواردة في التحقيق الصحفي حول طريقة تشغيل المصدر وإدارته من قِبل عناصر ليسوا مسؤولين عن التجنيد والعمليات، وربما لم يلتقوا بمصدر استخباراتي في حياتهم، مُحيّرة"، أي أن الاستنتاج الذي توصلت إليه الصحيفة ومصادرها بعيد الاحتمال لدرجة أن المصادر لا تفهم شيئًا عن التجنيد ولم تلتقِ بعميل من أيامهم.
ما لم يكن الموساد يعلم أن التحقيق استند، من بين أمور أخرى، إلى أقوال "دوبي"، مشغّل مروان لمدة 27 عامًا والحائز على جائزة خاصة.
أما زفي زامير نفسه، الذي لم تكن لديه خبرة في تجنيد العملاء وتشغيلهم، فقد انضم إلى الموساد من الجيش الإسرائيلي، وأثار التحقيق تساؤلات مُحيّرة حول سلوكه مع أشرف مروان.
ويتجاهل كتاب الموساد كل هذا، وركز على الصورة العامة لزامير، لكنه كان يُبرز معلومات مهمة من مصادر الموساد ويُوسّع نطاقها، وفي أكثر من مناسبة، وخاصة مع اقتراب الحرب آنذاك، طرح زامير مواقف مُخالفة لمواقف جهاز المخابرات.
في حين، قال العقيد احتياط بيساح مالوفني، الذي خدم لسنوات طويلة في وحدة 8200 وكان في غرفة عمليات قيادة الاستخبارات في الأيام التي سبقت الهجوم المصري وأثناءه: "كان أشرف مروان عنصرًا محوريًا في خطة الخداع المصرية".
وكان مالوفني أيضًا أحد المسؤولين السريين القلائل في عملية "مروان" في قيادة الاستخبارات، وشغل لاحقًا سلسلة من المناصب العليا في قيادة الاستخبارات والموساد.
وبصفته مؤرخًا عسكريًا، دأب العقيد مالوفني على البحث في خطة الخداع المصري السوري في حرب السادس من أكتوبر ١٩٧٣، ومن المقرر نشر كتابه الشامل حول هذا الموضوع قريبًا.
يُركز الكتاب بشكل خاص على دور أشرف مروان في خطة الخداع المصرية، ويخلص إلى أن مروان كان عاملًا محوريًا ساعد المصريين على تحقيق المفاجأة التي كانت شرطًا مهمًا في خطة الهجوم المصرية.
بينما توصل آفي ليفينا "فايس" أيضًا إلى استنتاج مماثل.
وكان ليفينا ضابط مخابرات خلال الحرب، وأسره الجيش المصري وحصل على ميدالية لتحمله التعذيب.
وعند عودته إلى إسرائيل، شغل منصب قائد قيادة العمليات الخاصة في الجيش الإسرائيلي، ثم مناصب قيادية في الموساد لمدة 25 عامًا، ويشغل حاليًا منصب عضو في مجلس إدارة جمعية حرب السادس من أكتوبر.
وفي السنوات الأخيرة، حقق 'ليفينا" بدقة في الخداع المصري قبل الحرب، وتوصل إلى استنتاج قاطع أن أشرف مروان كان مكلفًا من السادات في مهمة سرية وقاد الخداع ضد إسرائيل، وبهذه الطريقة تمكن السادات من تحقيق المفاجأة وشن الحرب على إسرائيل.
أما ألبرت سوداي، رئيس القسم السياسي في الفرع المصري بالموساد، عندما سمع في الساعات الأولى من ليلة 5 أكتوبر 1973 أن رئيس الموساد زامير في طريقه إلى لندن للقاء أشرف مروان، شعر بالقلق واتصل على الفور بمساعد زامير، فريدي عيني، وأبلغه بتخوفه من احتمال كبير أن يكون مروان عميلًا مزدوجًا، وأن استدعاء زامير إلى لندن قد يكون الخطوة الأولى للهجوم.
وقال سوداي في مقابلة كجزء من تحقيق داخلي أجراه قسم الأبحاث في وكالة الاستخبارات في أواخر التسعينيات: "كنت أخشى أنهم كانوا يحاولون اختطاف زامير".
وفي مقابلة أخرى، كشف سوداي عن محادثة مسجلة على الموجة 8200 قد تكون دليلًا قاطعًا على أن أشرف مروان، عنصرًا مهمًا في خطة الخداع المصرية، متسائلًا: "في 16 سبتمبر، عندما جهزوا غرفة العمليات المصرية، غرفة حرب السادات، بناءً على طلبه، لماذا لم يُنبهه أشرف مروان حينها إسرائيل؟ ما التفسير المنطقي لعدم اتصاله؟".
ولم تظهر كلمات سوداي في دراسة الموساد أو في دراسة وكالة المخابرات، وستبقى شهادته الكاملة أمام لجنة أجرانات سرية لسنوات طويلة قادمة.
وأشارت صحيفة يديعوت أحرنوت إلى رفض المقر الرئيسي وضع أشرف مروان على جهاز كشف الكذب بسبب معارضة مشغليه، ومن بينهم رئيس الموساد نفسه.
ولم يُكلّف مروان بأي مهمة تجريبية، بل وضع شروطًا تشغيلية مثل عدم استبدال المشغل لمدة 27 عامًا.