د. حسام عطا
العدو.. والثقافة المصرية
كان الرئيس أنور السادات رئيساً قادراً على استخدام الخيال السياسي، وقد دفعه هذا الخيال المتصل بالواقع والمعبر عن الفهم العميق للأوضاع العربية والإقليمية والدولية إلى تغيير جذري في الصراع العربي الإسرائيلي بتوقيعه معاهدة السلام مع العدو الصهيوني 1979.
إلا أنه حقاً عندما وجد رفضاً حاداً من المثقفين والفنانين للتطبيع الثقافي، ترك لهم هذا الأمر، بل وبفهمه السياسي العميق شجعه، ولم يكن موقفه من إلغاء مشاركة الكيان الصهيوني بمعرض القاهرة الدولي للكتاب إلا قراراً حكيماً استند لرفض أهل الثقافة في مصر، وصار تقليداً مستمراً حتى الآن.
ولم يكن الكاتب الكبير سعد الدين وهبة الضابط المصري السابق إلا تعبيراً عن وعي الدولة المصرية في قراره بفصل أي عضو في النقابات الفنية يتعاون مع الكيان الصهيوني.
وظل الحال هكذا إلى أن تسربت إلى بعض المثقفين حيل التفاهم مع اليسار الإسرائيلي الداعي للسلام، وفي هذا الباب حدثت الكثير من التفاهمات والزيارات معظمها سري للغاية وبعضها علني أحدث صدمة كبرى مثل رحلة الكاتب المصري علي سالم إلى هناك.
وقد ظلت الدولة المصرية تحترم حتى رفضنا للمصافحة في حالة تواجد دبلوماسي من الكيان في مكان عام بالمصادفة.
بعض من الوطنيين وبعض آخر أطلقوا على هذا التيار، تيار الممانعة والرفض.
وكنا نندهش حقاً للتسمية ولم يفزعني حقاً أمر في الثقافة المصرية والفنون إلا محاولات الاختراق في مجال ثقافة وتعليم الأطفال.
وقد تصديت لذلك بقوة عندما كنت مستشاراً للمركز القومي لثقافة الطفل في عهد د. علاء حمروش رحمه الله.
ورفضنا عرضاً لعمل معسكرات مشتركة للأطفال مع أطفال العدو كانت قد تقدمت به دولة أوروبية لوزارة الثقافة، بعد أن رفضه السفير عمرو موسى بصيغة أخرى في الخارجية المصرية.
وكنت قد رفضت سفر مسرحيتي "نسمة سلام"، بطولة الفنانة عفاف راضي عام 1993 إلى رام الله لأننا سنمر عبر بوابة العدو.
وقبلها كنا قد رفضنا مصافحة السفير الإسرائيلي ديفيد سلطان، الذي حجز مسرح البالون كاملاً كي يرى المسرحية، جاء ومعه الهدايا، وقد تركني وزير الثقافة آنذاك أواجه الموقف بمفردي.
قامت السفارة بحجز التذاكر، لم يخطرنا أحد بأنه قادم ومعه أعضاء السفارة فقررت أن أقدم العرض كي يعرف أننا نعلم أطفالنا أن هذا السلام سلام مشلول، وأن المسرحية بها غراب السلام وليس حمامة السلام التي صارت رسماً متكرراً في أماكن عدة.
أيضاً وفي الشباب والرياضة رفضت بشدة عام 2006 تقديم روميو وجوليت على أن روميو من القاهرة وجوليت من هناك، وأن خلاف الأجداد والآباء لا يمكن أن يمتد للأحفاد وكتبت بوضوح وبقسوة ضد ما حدث في فعاليات مهرجان القراءة للجميع في ذلك العام.
كان الضغط بالغ الشدة على المثقف الوطني الأستاذ محمد غنيم رئيس العلاقات الثقافية في وزارة الثقافة لفترة طويلة كي يفتح باباً أو ثغرة، وكم حكى لي حزيناً وكم أعرف كيف ناور للهروب من هذا الأمر.
وحديث متكرر عن تخفيف في ذكر العدو بصفته في المناهج التعليمية، وحديث مستمر عن محاولات هنا وهناك تصدينا لها وكنا لها بالمرصاد في محاولات تقديم الكتاب الصهاينة في المعهد العالي للفنون المسرحية على سبيل الدراسة، ومن قام بترجمة تلك النصوص بقي محل اندهاش وشك، بل وحتى هؤلاء الذين عقدوا دراسات نقدية عن الحرب والسلام في المسرح المصري وهناك، بقوا محل ريبة حتى الآن.
لأن تلك الدراسات محلها دوائر معلوماتية ونشرها في النطاق العام قد رأى الكثيرون أنه التفاف من أجل فتح ثغرة التطبيع الثقافي.
على الصعيد الدبلوماسي والاقتصادي يمكن للأمور أن تحدث، أما على صعيد الثقافة والضمير الشعبي وخاصة ثقافة الطفل فيجب أن يحدث العكس، هكذا فكر أنور السادات وهكذا سارت المعادلة المصرية.
ولعل وصف السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي الكيان الصهيوني بالعدو في مؤتمر القمة العربية الأخير بالدوحة، وقد جاء بعد صبر طويل.
هو وصف نادر ومفاجئ ووطني وشريف، ويصدر عن القيادة السياسية المصرية لهو وصف يعزز تأكيدنا بأنه لا يوجد تيار للممانعة والرفض، ولكنه تيار الوعي بالتاريخ والحاضر والمستقبل.
فهل تصل رسالة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى مؤسسات الثقافة والفن التي لم تقدم أعمالاً في الداخل أو الخارج لشرح ما يدور في غزة وفلسطين.
فهل تصل رسالة السيد الرئيسي السيسي إلى مؤسسات تعليم وتثقيف الأطفال في مصر والوطن العربي؟
وهل يرفع هؤلاء عن أهل الفهم صفات الممانعة والرفض.
لا شك أن المعاهدات السياسية المصرية ومسألة الحرب والسلام هي شأن تتعهد به مؤسسات الدولة الصلبة، ولا شك أن القوى الناعمة المصرية يجب أن تحافظ على الوعي الشعبي المصري والعربي العام بأن هؤلاء هم العدو.
وإن صفت الأجواء أو تلبدت بالغيوم، وإن هادن العدو وناور وإن أعلن إسرائيل الكبرى هدفه الاستراتيجي، وليس دورنا هنا الدعوة للحرب، فالمختصون في صناعة الوعي كان ولا يزال وسيبقى دورهم شرح القضية الوطنية والإصرار على الدور القيادي المحوري المصري في الوطن العربي، وحضور مصر الإقليمي في ذلك الصراع الوجودي التاريخي.
كان دورنا ولا يزال وسيبقى الحافظ على الضمير الشعبي المصري، وتعليم الأطفال من هو الصديق ومن هو العدو.
وننتظر أن نرى ذلك في مؤسسات صناعة الوعي الرسمية وذات الصلة في المجتمع المدني.
















