

جمال عبدالصمد
تسامح قبل أن تتصافح
يصافحون بعضهم البعض عند اللقاء، ويتبادلون الحديث الذي أحيانًا قد يصل إلى حد الابتسامات والضحكات، ولكنك إذا تعمقت داخل نفوسهم تتفاجأ باختفاء صفة التسامح، وأن قلوبهم تحمل المشاحنات وعدم الصفاء النفسي، والتعامل الذي يظهر للآخرين ما هو سوى صورة من صور "النفاق الاجتماعي"، والهدف الأساسي منه هو تجميل صورتهم أمام المجتمع، دون النظر الى صورتهم أمام الله عز وجل.
يرتدون قناع الابتسامة الزائف أمام من يتعاملون معهم، وهم يحملون في قلوبهم غلًا وحقدًا تجاههم، هؤلاء الأشخاص يُعدون ظاهرة سيكولوجية معقدة، نظرًا للتناقض الغريب بين ما بداخل نفوسهم وما يظهرونه في تعاملاتهم، الغريب والعجيب أن هؤلاء يتعاملون بلطف وود كما لو كانوا من أصحاب القلوب الصافية، رغم أنهم يحملون بداخلهم مشاعر سلبية تجاه من يتعاملون معهم.
إذا كنت قد تأذيت من شخص سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، فعليك مواجهته ومعاتبته خاصة إذا كان ذا أهمية في حياتك، وإذا لم تستطع فعليك التخلص من المشاعر الغاضبة الكامنة في صدرك حتى لا تتحول إلى كبت يؤثر عليك صحيًا ونفسيًا، العتاب والنقاش مع الآخر ربما ينبهه إلى أخطائه، وتفريغ شحنات الغضب يريح النفس، وعلينا دائمًا أن نفترض حسن النية بيننا، نتسامح ونتصافى ونفرغ ما بداخل قلوبنا ونفوسنا من ضيق وعتاب ولا نرتدي الأقنعة المزيفة.
تتعدد الأسباب المؤدية إلى هذا السواد القلبي فهي تتراوح بين (الشعور بالغيرة من نجاح الآخرين _ مرض نفسي _ الشعور العميق بالظلم أو الأذى _ الفهم المغلوط الذي يؤدي إلى الاختلاف في وجهات النظر) وغيرها من الأسباب.
يحتاج تعزيز التسامح في مجتمعاتنا إلى تضافر الجهود المبذولة من كل الجهات المنوطة بذلك، ومنها الأسرة التي بدورها تقوم بتربية الأطفال وغرس القيم الأخلاقية في نفوسهم، بالإضافة إلى دور المدرسة في التوجيه نحو أهمية القيم الإنسانية المتعددة وكيفية تطبيقها في حياتنا اليومية، فضلًا عن دور المؤسسات الدينية ودور العبادة في تعزيز القيم الإنسانية والأخلاقية، ونبذ مشاعر الغل والحقد من داخل النفوس، وتوجيه القلوب نحو المحبة والتسامح، كما يلعب الإعلام دورا مهما في تثقيف وتوعية أولادنا نحو التعايش في مجتمع يسوده الاحترام المتبادل والتفاهم.
يُعدّ التسامح قيمة أساسية وركيزة محورية في الشرائع السماوية، حيث إن القيم الإنسانية والأخلاقية لا تقتصر على كونها مجرد سلوك فردي، بل هي منهج حياة متكامل تنظمه الشرائع، فقد حث القرآن الكريم والسنة النبوية على اتخاذ المحبة والعفو منهجا في التعامل مع الآخرين، من خلال نصوص صريحة تؤكد على أهمية التسامح والعفو، وتطبيق هذه القيم في كل جوانب حياتهم العملية والاجتماعية، حيث جاء فى كتابه الحكيم في سورة آل عمران: "وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين".. صدق الله العظيم.
كما أن النبي محمد ﷺ جسد التسامح في سنته قولا وعملا، فقد كان خير قدوة في التسامح والعفو والصفح.
ختامًا.. أنعم الله علينا بنعم كثيرة، يجب علينا أن نستثمرها في أمور حياتنا العملية والاجتماعية، وأن نُحسن التعامل بالقيم الإنسانية فيما بيننا، وأن نجعل أرواحنا مفتوحة لنور المحبة والتسامح وصفاء القلوب وغيرها من السمات الإنسانية النبيلة، التي تلعب دورًا مهمًا في بناء مجتمع يسوده السلام والوئام.
أخيرًا، بمناسبة احتفال دول العالم باليوم العالمي للسلام يوم ٢١ سبتمبر، بهدف تعزيز مُثل وقيم السلام، فنصيحتي لأصحاب القلوب التي تحمل الحقد والغل، تخلوا عما تحتويه قلوبكم، وانبذوا المشاحنات والصراعات بينكم وبين الآخرين، وتعايشوا في سلام نفسي، وأشعروا بالراحة والطمأنينة، علمًا بأن التسامح في الشرائع السماوية ليس مجرد خيار بل هو مبدأ أساسي يُعزز بناء مجتمع متراحم ومتعايش في سلام، فعليكم أن تتسامحوا قبل أن تتصافحوا.