عاجل
الأربعاء 19 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
اعلان we
البنك الاهلي
انتصار حورس.. استمرار الانقطاع عن المسرح المصري القديم

انتصار حورس.. استمرار الانقطاع عن المسرح المصري القديم

يجدد عرض افتتاح مهرجان القاهرة الدولي للمسرح عدداً من الأسئلة الدرامية المتكرر الخلاف حولها.



ورغم جرأة الاتجاه المتأخر في المهرجان، بل وفي مؤسسات المسرح الرسمية نحو المسرح المصري القديم، فإن عدم دقة الاصطلاح في التعامل مع الوثيقة المسرحية التاريخية الأثرية انتصار حورس، بدا أمراً يستحق التأمل، إذ سبق العرض تعبير دراما تورج د. محمد سمير الخطيب، بينما ما جاء على خشبة المسرح ليس معالجة درامية أو إعداداً درامياً أو معالجة بصرية لمسرحية انتصار حورس نصف الطقوسية التي أهدتها لنا مصر القديمة، بل هو إنشاء جديد يدخل في باب التأليف المسرحي، لأنه في البناء الهيكلي والتصميم العام للعمل قد غادر الأصل التاريخي الأصلي تماماً.

 

وكان يجدر ضبط المصطلح أو إطلاق اسم جديد على العمل، أو الاكتفاء بذكر أنه عمل إبداعي جديد يستلهم مسرحية انتصار حورس، وهو لم يأخذ منها إلا مشهد قتل ست الشرير وهو في هيئة فرس النهر، وأخذ من الأصل أيضاً وصف رفع الحربة والسكين في تجسدات حورس المنتصر.  

وما عدا ذلك فقد جاء العرض في صياغته العامة معتمداً على عدد من الأساطير المصرية القديمة بشكل متقاطع ومتداخل، وفي صياغة منظرية اعتمدت لغة السينما وأدواتها.

ولا شك أن المصمم الاستعراضي المختص في الرقص الحديث وليد عوني والذي يقوم بعملية الإخراج في فرقة الرقص المسرحي الحديث عبر ثلاثة عقود في دار الأوبرا المصرية، ليس من هؤلاء الذين يسعون نحو المسرح الحامل لمقولات فكرية واضحة، ولكن عندما يصبح الأمر متعلقاً بالتراث المصري القديم فالضبط في المعنى والمبنى كان ضرورة غائبة.

 

وقد ترك المخرج الفراغ المسرحي الكبير لخشبة مسرح دار الأوبرا ليحصر عرضه في العمق البعيد لآخر خشبة المسرح حتى يستخدم الشاشة ذاتية العرض في مزج بين الصورة السينمائية وخشبة المسرح معاً، ولكن ما تبقى له من مساحة أمام شاشة أخرى أمامية حدد بها مساحة ضيقة محدودة مكانياً للعرض الراقص كي يشعرنا في التلقي بالدمج بين الرقص الحي والصور المتحركة على الشاشة الخلفية، كي يحاول صنع وحدة مشهدية منسجمة، ولكن ذلك أفقده حقاً إمكانيات الفراغ المسرحي الكبيرة في صناعة الصور والمشاهد المتعددة.

مما أدى إلى مسافة جمالية مكانية ومسافة نفسية في فعل التلقي أخرجت الجمهور من حيوية المسرح إلى عالم الصور المتحركة.

وهو التوجه الجمالي العام للعرض الذي غادر نقاء وخصوصية القطعة المسرحية الأثرية الأصلية المصرية القديمة.

وهي في أصلها تقوم على إنشاد المجموعة شعراً باللغة المصرية القديمة يصف فعل الرقص والمناظر والحركة والطقوس المتعددة، وهذا ليس تكراراً درامياً، بل هو عبقرية الفنان المصري القديم الذي كان يقدم المشهد المسرحي للمتلقي المصري القديم ويقدم له شرحاً للطقس ليقول الكورس هذا هو حورس يحمل حربته بينما نرى حورس أمامنا، وفي ذلك فهم لضرورة أن تكون العلامة الفنية المرئية المسموعة ذات دلالة ومعنى دقيق لدى المتلقي، وإلا أصبح الأمر فعلاً فنياً بلا دلالة لا يفهمه أحد، وهو الأمر الذي كان يحتاج لإيضاح الدلالة بشكل مضاعف ومكثف لجمهور معاصر، وهو الأمر الذي حرص عليه الفنان المصري القديم في التعامل مع معاصريه آنذاك.

بينما شارك الجمهور في عرض مسرحية انتصار حورس الأصلية في الإنشاد والغناء، ولذلك فهو مدخل مسرحي تفاعلي شارك الجمهور في الاحتفال المسرحي الشعبي نصف الطقوسي انتصار حورس.

وبالتالي فليس ما شاهده الجمهور ولا المسرحيون من كل أنحاء العالم هو مسرحنا المصري القديم، فليست تلك الصور هي انتصار حورس وإن استعارت الاسم.

وجدير بالذكر أن نص انتصار حورس قد نقله عن الهيروغليفية ه. و. فيرمان والكتاب منشور بالعربية في سلسلة المسرح العالمي الصادرة عن وزارة الإعلام الكويتية من ترجمة د. عادل سلامة في مايو 1972، في بشارة استباقية من الكويت الشقيق بالنصر العظيم في أكتوبر 1973.

إنه نص عن انتصار حورس المصري على ست راعي الغرباء والدخلاء الشرير، إنه حورس المنتصر لأبيه ولمصر.

وتأتي قيمة نص انتصار حورس في التاريخ الدرامي للإنسانية من كونه أول حضور واضح لفكرة الجمهور والفرجة كما هو واضح داخل النص، ولذلك يمكن وصفه بأنه دراما مصرية قديمة نصف طقوسية، لأن ما سبقه ووصل إلينا من الدراما المنفية نسبة إلى مدينة منف كان طقساً دينيناً بحتاً، رغم حضور الحوار المسرحي والعلامات الدرامية الأخرى.

والنص الأصلي يحدد مكان العرض عند الحائط الشرقي لمعبد إدفو، وفي وسط مكان التمثيل بحيرة المعبد المقدسة.

وفي النص نجد تحية لحورس المنتصر الذرية الصالحة لرب الإله المصري القديم مين، والنسخة التي وصلت لنا تعود إلى عصر الدولة المصرية القديمة، وهو ينسب إلى 3000ق.م تقريباً كأول نص مكتمل لأول مسرحية في التاريخ الإنساني إلا أنها أيضاً لم تتخلص من نصفها الطقوسي لتصل إلى مفهوم المسرح القائم على التلقي والفرجة كفعل مستقل.

 

وجدير بالذكر أيضاً أن الفعل المسرحي في انتصار حورس لا يمثل فعلاً مضارعاً يتطور ولكنه يبدو للمتأمل كحدث واحد متكرر في تنويعات مختلفة.

وهذا الفعل الواحد ألا وهو قتل ست الشرير وانتصار حورس لا يتقدم إلا في الفصل الثالث.

ويمكن رصد الشخصيات في النص الأصلي على أنهم الملك والملكة والكورس والكهنة والمتنبئون، والأم إيزيس والمردة والحراس والأتباع والرجال والنساء، الرماة المقاتلون، وكاهن التلاوة وغيرهم من الشخصيات، أما ما يصنع الحيوية الدرامية رغم الفعل البسيط المتكرر فهو ذلك التوتر الدرامي الناتج عن الصراع المتكرر في صيغة الانتصار والاحتفال به.

والنص المصري القديم قطعة فنية نادرة لها خصوصيتها الإبداعية، وتختلف جملة وتفصيلاً وفهماً معرفياً وصياغة جمالية عن العرض المعاصر الذي استعار اسمها فقط.

ولا شك أن الراقصين في تجسيدهم لعدد من الشخصيات في لحظات الثبات بدوا حقاً وكأنهم قد خرجوا من الجداريات المصرية القديمة، ولا شك أن ضبط حركات الأيدي والأصابع وهيئة الجسد المصري القديم كما هو موجود في النحت البارز وفي التماثيل كان بارعاً في لحظات عديدة، ولكن يبقى الأمر في إطار البراعة الجمالية دون إمكانية وصول الدلالة للمتلقي، كما دخل مصمم الرقص الحديث في الخطأ البديهي التقليدي عندما نطلق شخصيات مصرية قديمة للحركة على المسرح، إذ حرص على أن تبدو حركتها مطابقة لمنظور الجداريات في معظمها وليس حركة الشخصية الطبيعية في الفراغ المسرحي، فعندما تخرج إيزيس على سبيل المثال من الجدارية فمن المنطقي أن ترقص وتتحرك وفقاً لحركة ورقص البشر، وهم ليسوا في حالة الثبات التي نراها في الجداريات المصرية القديمة.

أما المزج مع لغة السينما في المشاهد المتعددة سريعة الحركة، والتي تصل بنا إلى العالم المصري المعاصر فبدت قفزة استعراضية ذات صوت مرتفع تحاول الإشارة لقوى الشعب العامل.

ولذلك ورغم كل تلك الصور المزدحمة والحافلة بالإبهار الملون في الشاشة فإن العرض هو تصور معاصر غير ذي صلة بالنص الأصلي المصري القديم انتصار حورس.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز