عاجل
الجمعة 28 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
اعلان we
البنك الاهلي
المسرح التجريبي وما بعد الدراما.. مصطلح لا يدعو للقلق أو الدهشة

المسرح التجريبي وما بعد الدراما.. مصطلح لا يدعو للقلق أو الدهشة

تتردد الآن مع رياح سبتمبر التجريبية المسرحية ذات الحكاية الإطارية الدائرية المتكررة مع مقدم مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي كل عام.



ولكن سبتمبر 1988 وهو العام الذي انطلق فيه المهرجان كان عاماً مختلفاً حقاً في طبيعته الاجتماعية والثقافية والمسرحية عن عامنا الجاري 2025.

لم تكن وسائل التواصل الاجتماعي قد نافست إلى هذا الحد في عالم الفنون وفي عالم الإعلام أيضاً، ولم يكن حضور الشخصية الفردية التي كنا نسميها فرداً من الجمهور، إذ كان حضور المتلقي حضوراً فردياً صامتاً، أما الآن فقد أضحى المتلقي حاضراً قادراً على التعبير عن نفسه بالتعبير الفني الحر أو بالتعبير عن الرأي.

بل وتم كسر هيمنة وسلطة الإعلام التقليدي، كما تم كسر هيمنة وسلطة مؤسسات الإنتاج الفني والمسرحي بالتأكيد سواء تلك المملوكة للدولة أو المملوكة للكيانات الاقتصادية القادرة للقطاع الخاص.

ومع ذلك تبقى الحكاية الإطارية تعيد نفسها كما هي، ويحاول عدد من المسرحيين والنقاد إعادة إطلاق سؤال الجدوى عن المسرح التجريبي، وهل نبقي عليه أم نغيره أم نلغيه؟

بعد مرور إحدى وثلاثين سنة من انطلاق مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي البعض يسأل أسئلة مشروعة عن تكريم الفنان صبري فواز الذي قطع علاقته بالمسرح منذ أكثر من ربع قرن، رغم حضوره المتميز في السينما والدراما التليفزيونية.

فهل يفكر المهرجان المصمم بالأساس ضد نظام النجوم في المسرح التقليدي في استعارة ضوء ممثل من عالم الشاشة، رغم كونه بالأساس مخرجاً مهماً نجحوا في ظل ظروف الإنتاج المسرحي الصعبة في قطع علاقته بالمسرح؟!

تبدو أيضاً العودة المفاجئة للدراما المصرية القديمة في تقديم معالجة درامية لنص انتصار حورس اعترافاً متأخراً بأننا أول من عرفنا المسرح وإن كانت هذه الدراما نصف الطقوسية لا تتجلى في المحاور الفكرية للمهرجان وهو الأمر الذي كان يجب أن يكون في سياق متصل مع الاهتمام بالدراما المصرية القديمة.

كان حقاً جدير بنا أن نعقد حلقة نقاشية دولية تؤكد الحقيقة العلمية التاريخية بأننا في مصر قد عرفنا المسرح قبل الإغريق، وذلك بدلاً من إعادة إنتاج الدائرة الإطارية لحكاية المصطلحات النقدية الصادمة، ومعركة جدوى المهرجان التي تشتعل كل عام، بل والتي يعلنها رئيسه في المؤتمر الصحفي، والذي قال إنه صاحب فكرة تغيير التجريبي وتحويله لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح.

فهل يترأس د. سامح مهران مهرجاناً يريد تغيير جوهره، وهل تظل تلك الحكاية الإطارية المتكررة عن سابقة تغيير اسمه إلى مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر ومن ثم انتصار تلاميذ أ.د. فوزي فهمي في عودة الاسم مع ترأس المسرحي الراحل د. علاء عبد العزيز للمهرجان عام 2020، بعد أن قام د. سامح مهران 2014 بتغيير اسم المهرجان ليصبح مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر التجريبي؟.

ولا أعرف لماذا تم التغيير ولماذا عاد الاسم بل ولا يعرف أهل المسرح في مصر لماذا توقف المهرجان في 2011 ولمدة خمس سنوات متتالية ولماذا عاد بمفهوم جديد واسم جديد، ثم ارتدى سمته الأصلي القديم الأول.

حقاً عام 1988 كان لدينا في المسرح المصري كلاسيكيات، وسيطرة في مسرح الكلمة وكان لدينا القطاع الخاص المزدهر في عالم الكوميديا ولذلك كان التجريب أمراً مهماً وصادماً ومختلفاً.

وأما 2025 فالأمر مختلف فقد تم عبر غياب المواسم المسرحية اختفاء مسرح القطاع الخاص تماماً، وأيضاً تراجع حضور العروض الكلاسيكية في مسرح الدولة، ولير الفخراني حالة استثنائية لولع نجم بشخصية درامية وعشقه لخشبة المسرح ولا يمكن تعميم تجربة الفخراني الثالثة مع لير على أنها حضور للمسرح الكلاسيكي في المسرح المصري.

ولذلك فالحكاية الإطارية المتكررة هذا العام تبدو هزلية، خاصة مع الاندهاش والترقب الكبير الذي صدر عن النقاد بشأن المحور الفكري المعنون بعنوان صادم هو ما بعد الدراما.

ومثل تلك العناوين تثير قلق النقاد وأهل المسرح، بينما في أصلها النقدي هي عناوين تحذر من تشوش الجمهور وسرقة الواقع منه نحو عوالم مسرحية تشتته وفقاً لصاحب مصطلح ما بعد الدراما، أو بشكل دقيق مسرح ما بعد الدراما وهو عنوان كتاب قديم لهانس تيس ليمان، وهو باحث وأكاديمي ألماني طرح المصطلح في كتاب بذات الاسم صدر بالألمانية عام 1999.

وهو يناقش مسألة موت النص المسرحي وتراجعه داخل مسرح ما بعد الحداثة في نسخه التجريبية.

ليس هناك إذن أطروحة جديدة لامعة براقة عما بعد الدراما، وليس هناك ما يدفعنا للقلق على مستقبل الدراما في مصر والعالم، المقلق بشكل مستمر هو طريقة التفكير التي تعتمد الاستبدال والإلغاء مما يؤدي إلى غياب التنوع الثقافي المسرحي، والذي هو أمر مستقر في الغرب الأوروبي والأمريكي الذي جاءت لنا منه مصطلحات ما بعد الحداثة، إذ إن المسرح هناك يقدم كل الأنواع المستقرة والتقليدية والغنائية الاستعراضية، وبجوارها أيضاً المسرح التجريبي.

إذن فالمقلق حقاً هو تلك الحكاية الإطارية المتكررة كل عام مع مقدم رياح سبتمبر التجريبية ومع غياب للمواسم المسرحية المنتظمة، وحضور حاد للحكاية الإطارية المتكررة وخلاف النقاد العبثي حول مصطلح التجريب، والعنوان الصادم البراق ما بعد الدراما، وهو في أصله كتاب مسرح ما بعد الدراما، وهو لا يدعو إطلاقاً للتخلص من النص بل يحذر من ذلك التراجع الذي يضع المتلقي في موقف الالتباس مما يساهم في تراجع عادة الذهاب إلى المسرح.

لا يوجد شيء جديد ولا مدهش ولا صادم بشأن مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، المدهش والصادم حقاً هو تلك الحكاية الإطارية السنوية المتكررة بشأن المهرجان ووجوده وخطره وأهميته والإبقاء عليه أو التخلص منه.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز