عاجل
الأحد 20 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البنك الاهلي
اتجاهات التصوف الإسلامي المعاصر في إيطاليا.. "دراسة في المنجز الأدبي"

اتجاهات التصوف الإسلامي المعاصر في إيطاليا.. "دراسة في المنجز الأدبي"

إنه من دواعي سروري أنني تلقيت دعوة كريمة من أستاذة قديرة متخصصة في الأدب الإيطالي الحديث لمشاركتها الإشراف على رسالة دكتوراه في شعبة اللغة الإيطالية بكلية اللغات والترجمة جامعة الأزهر، هذه الأستاذة القديرة هي الأستاذة الدكتورة وفاء عبد الرؤوف البيه أستاذ الأدب الإيطالي بكلية الآداب جامعة حلوان.



 

الرسالة حملت عنوانا مهما، اتجاهات التصوف الإسلامي المعاصر في إيطاليا. "دراسة في المنجز الأدبي".

وازدادت سعادتي أكثر عندما تعرفت على شخص الباحث عبد الوهاب عبد الجواد، فما رأيت خلقا في مثل خلق هذا الشاب الواعد الذي سيكون له شأن كبير في حياته العلمية و العملية فما أجمل العلم والأخلاق يسبقها الدين في قلب إنسان.

وسعادتي ازدادت أكثر وأكثر عندما انتهى الباحث وأنجز بحثه منفذا كل التوجيهات التي وجهها له الأستاذين المشرفين، فبلغت بلجنة الحكم والمناقشة من أستاذين عظيمين الشأن هما من هما في مجال تخصصهما الأستاذ الدكتور محمد عبد الصمد مهنا مستشار فضيلة الإمام الأكبر، الزاهد المتصوف التقي الورع، والأستاذ الدكتور عبد الرازق عيد رئيس قسم اللغة الإيطالية بآداب القاهرة.

 

جرت وقائع المناقشة في قاعة مؤتمرات كلية اللغات والترجمة، الأحد الماضي 29/6/2025م، في تمام الحادية عشرة والثلث، واستمرت المناقشة إلى قرابة الرابعة والثلث عصرا، كل أستاذ من المحكين أبدى ملاحظاته للدارس في أريحية تامة، وقام المشرفون بالتعقيب على بعض هذه الملاحظات، فجاءت مناقشة ثرية ماتعة استفدنا منها جميعا.

ويتكوّن البحث من مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة:

يتناول الفصل الأول المفاهيم التأسيسية للتصوف، من حيث النشأة، والمصطلح، والخصائص العامة.

ويبحث الفصل الثاني في الجذور التاريخية للتصوف في إيطاليا، بدءًا من الحضور الإسلامي في صقلية، وصولًا إلى الطرق الصوفية المعاصرة، وتأثير الهجرة، ودور الشخصيات الإيطالية في نشر التصوف.

 

أما الفصل الثالث، فيتناول الأثر الأدبي للتصوف، من خلال استعراض الإنتاج الصوفي الإيطالي، مع التركيز على نموذج مسرحي معاصر بعنوان "المسرح الصوفي"، وتحليل صورة الشيخ الصوفي وتجليات التصوف في العمل الفني.

 

وقد توصل البحث إلى أن التصوف الإسلامي المعاصر في إيطاليا لا يقتصر على كونه ظاهرة دينية، بل يتجاوز ذلك ليشكّل رافدًا ثقافيًا وروحيًا فاعلًا في المجتمع الإيطالي، يتجلّى في الكتابة والشعر والموسيقى، ويسهم في إعادة تشكيل العلاقة بين الإنسان ونفسه، وبين الشرق والغرب، في أفق من التفاهم، والانفتاح، والجمال.

الدراسة أثبتت بما لا يدع مجالا للشك تكاملية العلوم الإنسانية فلا يمكن بحال من الأحوال الفصل بين هذه العلوم فجميعها تكمل بعضها البعض.

 

أثبتت الدراسة أهمية الفلسفة التي لا يمكن الاستغناء عنها في حياتنا ومن ثم فلا ينبغي تهميشها، خصوصا وأن الرسالة ناقشت فرع رئيس من فروع الفلسفة، ألا وهو التصوف وقضاياه وإشكالياته، وتعريفاته ونظرياته وهل حقا تأثر به أدباء إيطاليا.

 

كذلك ناقش البحث التصوف في ايطاليا ، نشأته وكيف كانت بداياته الأولى في إيطاليا، وهل حقا ترك أثرا في نفوس عوام الطليان، خصوصا وأن الديانة الرسمية في إيطاليا المسيحية، فهل لاقت الزوايا وأماكن ممارسة طقوس التصوف، هل لاقت قبولا من المواطن البسيط، هل حورب التصوف هناك أم كانت هناك أريحية في ممارسة طقوسه.

وقد جاءت مداخلتي في حوالي احدي وعشرون دقيقة رددت فيها على بعض الملاحظات التي نوه إليها الأستاذين الحكمين خصوصا الأستاذ الدكتور محمد مهنا فمن الملاحظات قوله أن التصوف استقى أصوله من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ، وهذا قول طيب، لا أحد ينكره، لكن لا بد أن نتحدث بموضوعية تقتضيها منهجية البحث العلمي حتى لا تكال الاتهامات للإسلام وأهمها التعصب، فوجب أن نرد على هذه الملاحظة، بقولنا أن هناك مصادر غير إسلامية للتصوف تمثلت فى الافلاطونية المحدثة، والمسيحية ، والمصادر الهندية، والفارسية، فكل عقيدة أو شرعية مقومها الرئيس الذي قامت عليه هو الزهد، والبدايات الأولى للتصوف كانت زهدا ، لكن هذا لا يمنع الأثر الإسلامي الكبير في قيام التصوف، متمثلا في الكتاب والسنة خصوصا في اعتماد الصوفية في آدابهم على الرمزية مستخدمين ألفاظ القرآن الكريم كالنور والمشكاة والكأس والخمر وغيرها.

 

كذلك رددت على سؤال آخر، أن علوم الصوفية لا تودع في الكتب، فقلنا أن علوم الصوفية تودع في قلوب العارفين، فالعلوم منها ما يوضع في الكتب كالعلوم النظرية ومنها ما لا يمكن وضعه الكتب، كعلوم الباطن، علوم القلوب التي تعتمد على الحدوسات القلبية.

وثمة ملاحظة أخرى ذكرها الدكتور مهنا المتصوف في عبادته لله تعالى يكون بدافع الرهبة والخوف من الله تعالى، لكن لنا قول آخر عبر عنه زهاد القرن الثاني الهجري مدرسة البصرة، عبادة الله تعالى خوفا ورهبا عند الحسن البصري، وعبادته حبا وقربا عند رابعة العدوية.

أحبك حبين حب الهوى ، وحبا لأنك أهل لذاك.

فعبادة الله خوفا وعبادته حبا وكلاهما يرجع إلى إخلاص نوايا العابد الزاهد.

وفي ملاحظة أخرى على تعريفات الباحث للتصوف علق الدكتور مهنا إنه لا يمكن وضع تعريف للتصوف، لكن من الممكن أن نتلمس تعريفا للتصوف جمع بين الحد والرسم، تعريف معروف الكرخي، فالتصوف هو الأخذ بالحقائق واليأس مما في أيدي الخلائق.

 

وهذا التعريف ترجع أهميته إلى إنه جمع بين جنباته الدنيا والزهد فيها والدين المتمثل فى الأخذ بحقائق الكتاب والسنة، فالتصوف الخالص بعيداً عن شطحات بعض المتصوفة هو ما قام على الكتاب والسنة.

 

أما بالنسبة للأستاذ الدكتور عبد الرازق عيد، فقد ناقش الباحث في ما يخص الأدب الإيطالي وتولت الأستاذة الدكتورة وفاء عبد الرؤوف الرد على سيادتها لأنه في صميم تخصصهما إلا إنني رددت عليه في جزئية مهمة جدا ، ألا وهي أن الغرب الأوروبي يسعى جاهدا لتقويض الإسلام والحد من انتشاره خصوصا في إيطاليا.

فقلت إن الإسلام سينشر بفضل الله تعالى بعز عزيز وبذل ذليل مستشهدا بآي القرآن الكريم التي وضح فيها الله تعالى عالمية الإسلام وأنه رسالة أتى بها محمد ﷺ لكل العالم.

(وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا).. (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).

وبعد انتهاء المناقشة تم إخلاء القاعة بأمر من رئيس الجلسة الأستاذة الدكتورة وفاء لكي تخلو اللجنة بنفسها للتشاور حول التقدير المقترح منحه للباحث.

وظلت المشاورات قرابة ثلث الساعة وقد أعلنت اللجنة قرارها بمنح الباحث عبد الوهاب عبد الجواد درجة الدكتوراه بإجماع الآراء، ومنحه درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى مع التوصية بطبع الرسالة وتداولها بين الجامعات المصرية والعربية.

 

 

أستاذ الفلسفة بآداب حلوان

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز