عاجل
الثلاثاء 12 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البنك الاهلي

محمد عبد المنعم يكتب..

«شرق أوسط جديد» كيف.. ولمصلحة من؟

أول أمس ومن خلال صحيفة الواشنطن بوست» - كبرى الصحف الأمريكية -أثارت من جديد السيدة «كونداليزا رايس مستشارة الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومى، تلك الدعوة التي ترمي إلى تحويل هذا الجزء من العالم الذي نعيش فيه إلى شرق أوسط جديد».



 

وفي مقدمة دعوتها أكدت «كونداليزا أن هذه المنطقة تضم ۲۲دولة، ويبلغ تعداد السكان فيها حوالى ۳۰۰مليون نسمة .

 

بينما إجمالي الناتج القومى لهذه الدول مجتمعة يقل عن مثيله في إسبانيا التي يبلغ عدد سكانها ٤٠ مليون نسمة فقط كذلك تناولت «كونداليزا» ظاهرة عدم الاستقرار بالمنطقة وعزتها إلى غياب الحريات السياسية والاقتصادية.

 

وإلى الإحساس العام باليأس والإحباط الذي يخلق تربة خصبة لأيديولوجيات الحقد والكراهية بما يجعل الناس هنا يلفظون التعليم الجامعي والعمل على إنشاء عائلة والتطلع إلى مستقبل واعد، وبدلا من ذلك فإنهم يسعون إلى تفجير أنفسهم - القنابل البشرية - حاصدين معهم أكبر عدد من الأرواح البريئة.

 

وفي ذلك فإن الحلول التي تقترحها مستشارة الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي هي السعى لتحقيق التقدم نحو الديمقراطية على مستوى منطقة الشرق الأوسط، وذلك بجانب إقرار التسامح والرخاء والحرية، وذلك على أساس أن العالم كله - كما أعلن الرئيس بوش في شهر فبراير الماضي - لديه مصلحة واضحة في انتشار القيم الديمقراطية لأن الدول الحرة والمستقرة لا تروج الأيديولوجيات القتل وأنها بدلا من ذلك تعمل على تشجيع السعى السلمي نحو حياة أفضل.

 

وفي دعوتها إلى شرق أوسط جديد اشارت كونداليزا إلى الرؤية الأمريكية لقيام دولتين إسرائيل وفلسطين، كما برش أشارت إلى انتهاء التهديدات التي كان يشكلها نظام صدام حسين بتعاونه مع تنظيم القاعدة... وامتلاك أسلحة الدمار الشامل.

 

ثم قارنت بين الأوضاع الحالية في المنطقة والأوضاع التي سادت بعد الحرب العالمية الثانية.

 

وكيف التزمت الولايات المتحدة بخطة طويلة الأجل لتحويل القارة الأوروبية إلى قارة لا يفكر أحد منها في قيام حرب أخرى مشيرة إلى أن بلادها فقدت في تلك الحرب مئات الآلاف من الجنود الأمريكيين انتهى باستخدام واشنطن للأسلحة الذرية لإخضاع اليابان في ذلك عملت الولايات المتحدة على تقديم مساعدات هائلة لألمانيا مشروع مارشال واليابان ونجحت إلى حد كبير - وبمساعدة ورضاء الألمان واليابانيين في تغيير وجه الحياة هنا وهناك وابتعاد قطبي المحور تماما عن النزعة العسكرية التقليدية التي أدت إلى كل تلك المأسي والحروب المدمرة والتي راح ضحيتها مئات الألاف من الشباب الأمريكي.

 

وفي ذلك فإننا نستطيع والعالم كله معنا - أن تفهم الدوافع والمبررات التي دفعت واشنطن للاضطلاع بهذه المهمة الصعبة والمكلفة في الوقت ذاته.

 

ولكن على صعيد الشرق الأوسط فإن أحدا لم يقتل آلافا أو حتى مئات من الجنود الأمريكيين لأن أحدا لم يحاربهم أصلا بما في ذلك نظام صدام حسين الذي تأكد أنه لا يملك أسلحة دمار شامل ولا يملك حتى من الأسلحة التقليدية وخبرة القتال ما يجعله يشكل تهديدا حقيقيا لأى أحد، وذلك كما تبين خلال الغزو الأمريكي - غير المبرر للأراضي العراقية.

 

وهنا لابد أن يبزغ التساؤل المنطقي ما هي إذن الدوافع الحقيقية لتحويل الإقليم إلى شرق أوسط جديد هل هي دوافع مثالية إنسانية بحتة؟ أم أنها من واقع تجارب طويلة وشواهد عديدة بسبب إسرائيل ولصالح إسرائيل بداية ونهاية گرند الیزا رایس نعم لقد فقد الأمريكيون مئات الآلاف من الجنود في الحرب العالمية الثانية سواء على المسرح الأوروبي أو في جبهة آسيا التي اشتعلت بعد هجوم بيرل هاربور الشهير وبما إن سياق المنطق وواقع الأمور والأحداث في القرن الحادي والعشرين تدفع أكثرنا سذاجة وبراءة إلى استبعاد الدوافع المثالية والإنسانية كمبرر أساسي لهذه الخطوة من جانب الولايات المتحدة ومن ثم لا يبقى أمامنا - للأسف - إلا إسرائيل ومصال حإسرائيل وفى ذلك ينبغي على الأمريكيين أن بعوا - ولو لمرة واحدة في التاريخ وعلى سبيل التغيير - أن إسرائيل كانت منذ نشأتها.

 

ومازالت إلى يومنا هذا، هي الطرف المعتدى على الجانب العربي.. حرب واحدة هي التي قمنا من جانبنا بالتخطيط لها وشنها على إسرائيل وهي حرب أكتوبر ۱۹۷۳وكانت أساسا لتحرير أراضينا التي اغتصبتها إسرائيل في عام ١٩٦٧.

 

المقام الأول، ولكننا مثل القديسين وأبطال الأساطير استطعنا أن تصمد وأن نقف وحدنا في وجه هذه الاعتداءات المديرة والمتكررة.. نعم صمدنا وصمتنا ثم انتصرنا أخيرا وحررنا كامل أراضينا من هذا العدوان السافر .. الذي مازلنا إلى يومنا هذا تعالج آثاره

 

إن كبرياءنا - وتلك طبيعتنا التي لا تستطيع التخلص منها - يمنعنا من الشكوى والاسترسال في سرد تاريخ طويل من الانتهاكات الصارخة لحقوقنا في الوجود وفي الحياة، كذلك فإن عقولنا التي لم نفقدها بعد.

 

رغم تاريخ طويل من الانتهاكات ومن المؤامرات القاتلة تمنعنا من رفض الأحلام والتطلعات بشأن شرق أوسط جديد كما جاء في دعوة كونداليزا رايس والتي لم تنس الإشارة إلى الإمكانيات الهائلة للمنطقة وكونها مهد الحضارات والأديان السماوية الثلاثة.. والعلم والتقدم والتسامح .. إلخ.

 

لم تنس كونداليزا كل هذه الحقائق ، لكنها نسبت شيئا أساسيا واحدا. وهو أنه لن يكون هناك شرق أوسط جديد ولا حتى شرق أوسط قديم مادامت سياسات إسرائيل العدوانية مستمرة.

 

ومادامت شهوتها التي لا تقاوم في الاحتفاظ بأراضي الآخرين وزرعها بالمستعمرات التي مازالوا يخدعون العالم كله بتسميتها مستوطنات مستمرة، ومادام إحساس الإسرائيليين بالتعالى على الآخرين وأنهم سوبرمان العالم والجنس البشرى بأكمله مستمرا ومادام - وهذا هو الأهم - الانحياز الأمريكي الصارخ لجانب إسرائيل مستمرا.

 

ولا نبالغ إذا ما قلنا أن انتهاء هذا الانحياز وحده كفيل بإعادة الأمور إلى نصابها .. وخلق شرق أوسط جديد.

 

وليس معنى ذلك أننا نرفض الديمقراطية والاستقرار والرخاء والحرية التي يبشر بها المشروع الأمريكي من أجل شرق أوسط جديد... لا نرفض ذلك ولا يمكن لأي إنسان عاقل أن يرفض هذه الأحلام وذلك التطلعات المشروعة التي تسعى إليها بالفعل كل دول وكل شعوب المنطقة.

 

وفى مقدمتها مصر مبارك التي قطعت شوطا طويلا في هذا الطريق والذي تعثر اصلا بسبب الحروب المتكررة - خمس حروب في خمسة وعشرين عاما - مع إسرائيل كانت هي دائما الطرف البادئ والمعتدى، ولو كانت إسرائيل لم تتأثر بتلك الحروب المتكررة، فإن ذلك يرجع في المقام الأول إلى سخاء المساعدات الأمريكية اقتصاديا وعسكريا، بينما نحن على الجانب الآخر كنا ندفع من لحم الحي - كما يقول التعبير المصري الدارج - دفعنا أولا من هذا اللحم الحي لنواجه العدوان، ودفعنا ثانيا لإعادة البناء بادئين من حرف الألف شبكات المياه والصرف الصحي.. وكل مكونات البنية الأساسية التي وصلت إلى حد الصفر بسبب حروب إسرائيل التي استهدفتنا وحدنا في المقام الأول، ولكننا مثل القديسين وأبطال الأساطير استطعنا أن تصمد وأن نقف وحدنا في وجه هذه الاعتداءات المديرة والمتكررة.. نعم صمدنا وصمتنا ثم انتصرنا أخيرا وحررنا كامل أراضينا من هذا العدوان السافر .. الذي مازلنا إلى يومنا هذا تعالج آثاره!!

 

إن كبرياءنا - وتلك طبيعتنا التي لا تستطيع التخلص منها - يمنعنا من الشكوى والاسترسال في سرد تاريخ طويل من الانتهاكات الصارخة لحقوقنا في الوجود وفي الحياة، كذلك فإن عقولنا التي لم نفقدها بعد.

 

رغم تاريخ طويل من الانتهاكات ومن المؤامرات القاتلة تمنعنا من رفض الأحلام والتطلعات بشأن شرق أوسط جديد كما جاء في دعوة كونداليزا رايس والتي لم تنس الإشارة إلى الإمكانيات الهائلة للمنطقة وكونها مهد الحضارات والأديان السماوية الثلاثة. والعلم والتقدم والتسامح .. إلخ.

 

لم تنس كونداليزا كل هذه الحقائق ، لكنها نسبت شيئا أساسيا واحدا.

 

وهو أنه لن يكون هناك شرق أوسط جديد ولا حتى شرق أوسط قديم مادامت سياسات إسرائيل العدوانية مستمرة.

 

ومادامت شهوتها التي لا تقاوم في الاحتفاظ بأراضي الآخرين وزرعها بالمستعمرات التي مازالوا يخدعون العالم كله بتسميتها مستوطنات مستمرة، ومادام إحساس الإسرائيليين بالتعالى على الآخرين وأنهم سوبرمان العالم والجنس البشرى بأكمله مستمرا ومادام - وهذا هو الأهم - الانحياز الأمريكي الصارخ لجانب إسرائيل مستمرا.

 

ولا نبالغ إذا ما قلنا أن انتهاء هذا الانحياز وحده كفيل بإعادة الأمور إلى نصابها .. وخلق شرق أوسط جديد.

 

- نشر في مجلة روز اليوسف بتاريخ 2003/8/15 العدد رقم (٣٩٢٢)

 
 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز