
24 عاما على رحيل سندريلا الشاشة العربية

سلمي السلنتي
في مثل هذا اليوم من عام 2001 ، غابت الفنانة سعاد حسني عن الحياة، لكن حضورها الفني لا يزال متوهجًا، بعد 24 عامًا على الرحيل.
وتُعد الراحلة سعاد حسنى واحدة من أبرز نجمات السينما المصرية والعربية.. وتميزت بإحساسها العالي وصوتها الدافئ في الأغاني الاستعراضية ، واستطاعت أن تلامس قلوب الجمهور من مختلف الشرائح، ما جعل منها فنانة استثنائية لا تُنسى.
وُلدت سعاد محمد حسني البابا في 26 يناير 1943 بحي بولاق في القاهرة، ونشأت في بيئة فنية أصيلة، حيث ينتمي والدها إلى عائلة تهتم بالفن، وكان جدها، حسني البابا، من أبرز الأصوات الغنائية في زمانه. وقد انتقلت عائلة والدها إلى القاهرة في عام 1912، ومنحها هذا المناخ العائلي فرصة الاختلاط بعالم الفن منذ سنواتها الأولى، ما دعم موهبتها الفطرية.
تُعد سعاد واحدة من بين ستة عشر ابنًا وبنتًا لوالدها، وكانت العاشرة من حيث الترتيب، ومعظمهم من غير الأشقاء، حرمتها ظروفها من التعليم النظامي، فتلقت أساسيات القراءة والكتابة في المنزل، بتشجيع من زوج والدتها.
كان من الطبيعي أن يعرف أبناء حسني طريقهم إلى الفن مبكرًا، خاصة مع وجود قدر من العُسر المادي، فبدأت سعاد المشاركة بالغناء بعد أن أتمّت الثالثة من عمرها، وذلك في البرنامج الإذاعي الشهير للأطفال “بابا شارو”، الذي كان يقدمه الإذاعي الكبير محمد محمود شعبان. واشتهرت سعاد في هذا البرنامج بغناء مجموعة من الأغنيات التي كُتبت لها خصيصًا، أشهرها تقول : “أنا سعاد اخت القمر .. بين العباد حسنى اشتهر”.
كان أول من تحمّس لرعاية موهبة السندريلا هو زوج والدتها، ففي بيته تعرّف عليها الأديب والمخرج والممثل عبد الرحمن الخميسي، الذي كان لقاؤه بها وكأنه موعد مع القدر. وكان عمرها لم يتجاوز الخامسة عشرة، فوجد فيها صورة وصوتًا مميزَين، وشعر أنه أمام موهبة فطرية تحتاج إلى رعاية فنية.
كان الخميسي في ذلك الوقت مهتمًا بكتابة مسلسل إذاعي عن القصة الشعبية "حسن ونعيمة"، ونجح المسلسل، وقدّمت دور نعيمة فيه الممثلة الإذاعية القديرة كريمة مختار.
أدرك الخميسي مدى شغف سعاد بالدور، فبدأ يطلب منها تمثيل مقاطع من الحلقات، ثم فكّر في تحويل القصة إلى فيلم سينمائي. وبعد نقاش طويل مع المخرج الكبير هنري بركات، اقتنع الأخير بالوجه الجديد، وكان شهر مارس 1959 شاهدًا على ميلادها كنجمة جديدة في السينما المصرية، وذلك عندما عرض فيلم "حسن ونعيمة" بطولتها والفنان محرم فؤاد.
عرفت سعاد معنى النجومية سريعًا، وتعلمت الكثير من أسرار الفن والحياة في سنواتها الأولى، وأُتيحت لها عشرات الفرص وفُتحت لها كل الأبواب، فقدمت خلال مشوارها الفني 92 عملًا تنوعت بين أفلام ومسلسلات ومسلسلات إذاعية، لتتحول بعد رحيلها إلى واحدة من أيقونات التمثيل في الوطن العربي.
من أشهر أفلامها : "حسن ونعيمة"، "إشاعة حب"، "البنات والصيف"، "مال ونساء"، "السبع بنات"، "عائلة زيزي"، "للرجال فقط"، "شباب مجنون جدًا"، "الزواج على الطريقة الحديثة"، "شفيقة ومتولي"، "المتوحشة"، "غريب في بيتي"، "خلي بالك من زوزو"، و"حب في الزنزانة".
وتألقت سعاد في تجارب خارج مصر، فشاركت في الفيلم العراقي "القادسية" عام 1981، وفيلم مصري سوفياتي بعنوان "الناس والنيل" والفيلم المغربي "أفغانستان لماذا؟".
كما قدمت بعض المسلسلات الإذاعية مثل : "لا شيء مهم"، و"نادية"، و"الحب الضائع"، و"أيام معه"، و"النورس"، و"من أنا ؟"، بالإضافة إلى المسلسل التليفزيوني الشهير: "هو وهي".
ساهمت سعاد حسني بتسعة أفلام ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في ذاكرة السينما المصرية، حسب استفتاء النقاد عام 1996، حصلت على العديد من الجوائز والتكريمات، منها جائزة أحسن ممثلة من المهرجان القومي الأول للأفلام الروائية عام 1971 عن فيلم "غروب وشروق"، وجوائز عن أفلام "شفيقة ومتولي"، "الكرنك"، "القاهرة 30"، "الزوجة الثانية"، "أين عقلي"، "حب في الزنزانة"، و"موعد على العشاء".
كما نالت جائزة مهرجان الإسكندرية عن "الراعي والنساء"، وجائزة أفضل ممثلة في عيد التليفزيون عام 1987 عن مسلسل "هو وهي"، وكرمها الرئيس الراحل أنور السادات عام 1979 في احتفالات عيد الفن.
كان صلاح جاهين هو كلمة السر في التطور الفني والشخصي لسعاد، فقد أكسبتها صداقته الكثير من النضج وغيرت مفاهيمها نحو الفن والحياة، ولهذا أصيبت باكتئاب شديد عقب وفاته في منتصف ثمانينيات القرن الماضي لم تحمل أفلامها الأخيرة "الدرجة الثالثة" و"الراعي والنساء" صدى يليق باسمها، فتعاظم اكتئابها، ومع رحيل صلاح جاهين، تدهورت حالتها الصحية شيئًا فشيئًا.. ثم سافرت إلى لندن لتلقي العلاج، وخلال تلك الفترة، لم تقدم أي أعمال فنية، واكتفت بتسجيل رباعيات صلاح جاهين لصالح هيئة الإذاعة البريطانية خلال عامي 1999 و2000 .
في عام 2000، قامت سعاد بتسجيل رسالة تطمئن فيها جمهورها عليها، معبرة عن شوقها للفن ورغبتها في العودة إلى مصر، لكنها كانت تنتظر التعافي أولاً.
وفي 21 يونيو 2001 ، تفاجأ جمهور سعاد حسنى بخبر سقوطها من شرفة شقتها في لندن، مما أثار لغزاً حول سبب وفاتها.. فقد تم تصنيف الحادث على أنه انتحار.
وبين فصول المجد والحزن، ظلت سعاد حسني وجهًا للفن، وصوتًا للفرح، وجرحًا في ذاكرة جيل لا يزال يبحث عن إجابة لسؤال رحيلها الغامض.