عاجل
الإثنين 7 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي

رقصة غيريول لقبائل ودابي الأفريقية بين الدلالة والرمزية" 

أرشيفية
أرشيفية

لكل مجتمع ما يميزه من عادات وتقاليد ذات مغزى ودلالة وتعبير عن هويته ففي قلب منطقة الساحل الأفريقي، وتحديدًا في النيجر وتشاد وشمال نيجيريا، تقيم قبائل ودابي (Wodaabe) البدوية المنحدرة من شعب الفولاني.  وتتميز هذه القبائل بطقوسها الثقافية الفريدة التي تمثل امتدادًا لميراث أفريقي غني، ومن أبرز هذه الطقوس رقصة "غيريول" (Gerewol).



 وهي طقس اجتماعي وفني يُمارس كمهرجان سنوي للمغازلة واختيار الشريك ، تشكل هذه الرقصة انعكاسًا معقدًا للهوية الجندرية، ومعايير الجمال، والديناميات الاجتماعية في مجتمع لا تزال المرأة فيه تمارس قدراً من حرية الاختيار اللافتة في إطار تقاليدها، من دلالات هذه الرقصة أنها أحد أنواع الغزل وتعكس مساحات من الحريات للمرأة في اختيار الزوج والتعبير عن الذات.

وعلى خلاف الصور النمطية عن الجمال كمفهوم أنثوي ووضع السيدات المساحيق وكل أدوات الزينة حتى يظهرن أكثر جمالاً، جعلت ثقافة ودابي الرجل في موضع العارض للجمال.

 

 يستعد الذكور لرقصة "غيريول" عبر تزيين وجوههم بمساحيق حمراء وصفراء، ويعمدون إلى إبراز ملامحهم عبر تكحيل العيون وتكشير الفم لإظهار الأسنان البيضاء التي تُعد معيارًا للجاذبية (Riesman, 1974, p. 49).  يتنافس الرجال من خلال رقصات طويلة تتميز بحركات متكررة وثابتة للعينين والفم والرقبة، مما يبرز اتزانهم البدني وقدرتهم على التحمل، كإشارة إلى القوة والجاذبية. وعلى الرجل أن يقدم كل ما لديه لإظهار جماله ومهاراته عله يلقى استحسان وقبول من الطرف الآخر وهن النساء .

ومن دلالات ورمزية رقصة  غيريول، انها تُمنح المرأة دورًا مركزيًا باعتبارها صاحبة القرار.

 تختار النساء من بين الراقصين من ترى فيه صفات الجمال والاتزان، دون تدخل مباشر من العائلة أو الجماعة، وهو ما يمثل مساحة من الاستقلالية العاطفية نادرة في المجتمعات البدوية   هذا الشكل "الاختيار الأنثوي" يعيد صياغة مفاهيم الزواج والارتباط في الثقافة الفولانية، حيث تُمنح الأنثى الحق في التعبير عن تفضيلها بشكل علني ضمن إطار احتفالي يشير الباحث نيكولاس رويز (Ruiz, 2016, p. 180) إلى أن هذا الدور للمرأة لا يُناقض النظام الأبوي الذي يحكم باقي نواحي الحياة اليومية في المجتمع، بل يُكمل صورة توازن تقليدي مستمر بين الجنسين ضمن أطر العرف،رقصة "غيريول" لا تقتصر على الوظيفة التزاوجية فقط، بل تُعد بمثابة مهرجان ثقافي يُعزز من تماسك الهوية الجماعية لقبائل ودابي.  يُشكّل التجمع الموسمي فرصة لتبادل الأغاني، وتجديد التحالفات العشائرية، وتأكيد الانتماء الجماعي .  

كما تمثل الرقصة ذاكرة جمعية تُنقل من جيل إلى آخر، وتحافظ على التقاليد البصرية واللغوية والفنية في ظل ضغوط التحديث والعولمة، ومن منظور أنثروبولوجي أعمق، فإن الرقصة تُجسّد مفاهيم الهوية القبلية والزمن الدائري، حيث تتكرر الطقوس سنويًا، مؤكدةً الاستمرارية التاريخية والروحية لجماعة ترى في الجمال والرقص جزءًا من تكوينها الاجتماعي العميق. 

إن رقصة غيريول تُعد أكثر من مجرد مهرجان للمغازلة؛ إنها نص بصريّ ثقافي يحمل في طياته دلالات الهوية، الجمال، والتوازن الاجتماعي.  تعكس هذه الرقصة قدرة الثقافة الفولانية، ممثلةً بقبائل ودابي، على التعبير عن تعقيداتها الداخلية عبر فن الأداء والطقس الجماعي.  وبينما تبدو من الخارج كاحتفال بسيط، فإنها تنطوي على بنية ثقافية عميقة تستحق مزيدًا من الدراسة الأنثروبولوجية والسوسيولوجية. 

 

أ.د إبراهيم محمد مرجونة
أ.د إبراهيم محمد مرجونة

 

أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز