عاجل
الجمعة 13 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
باقي علي افتتاح المتحف الكبير
  • يوم
  • ساعة
  • دقيقة
  • ثانية
البنك الاهلي

محمد درويش يكتب: القرآن الكريم وعباقرة القانون

محمد درويش
محمد درويش

لا يزال هذا الكتاب المعجز لا تنقضي عجائبه ولا تنفد معجزاته ولا غرو في ذلك فهو القول الثقيل المنزل على فؤاد خير خلق الله علما وعملا وخلقا.



هذا الكتاب الخالد الذي حمل بين دفتيه النور الحق ودستور عمل عباد الله الصالحين دنيا وآخرة فمن أخذ به علي فهمه الصحيح سعد دنيا وآخرة.

قال صل الله عليه وسلم (من أراد الدنيا فعليه بالقرآن ومن أراد الآخرة فعليه بالقرآن ومن أرادهما معا فعليه بالقرآن).

فلمريد الدنيا والاخرة على نهجيها المستقيمين ان ينهل من هذا العطاء الرباني والمدد الالهي حتى تستقيما له على النحو الصحيح.

ولا شك ان اهل القانون وهي مهنة البحث عن العدالة والحق هم أشد الناس احتياجا لهذا المنهل الصافي فقهاوعلما وبلاغة..

يقول الحق جل وعلا (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) آل عمران ١٠٤.

أهل القانون ورجاله لا بد أن يكون لهم جذر متين من البلاغة واتقان فن الكلمة وفصاحة البيان ولذلك استأذن نبي الله موسى الحق جل وعلا أن يعينه بأخيه هارون عليه السلام الافصح منه لسانا مخافة التكذيب..

(قال رب إني أخاف أن يكذبون ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فأرسل إلى هارون) الشعراء ١٢و١٣.

ولم يتحرج كليم الله موسى من الإقرار بأن هارون أفصح منه لسانا وأقوى حجة وتأثيرا وكفيل أن يشد أزره.

(وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون قال سنشد عضدك بأخيك) القصص ٣٤ و٣٥.

فكما ان لكل صنعة أهل لها فاللكلمة أهل يجيدون تراكيبها ومفرداتها ويحسنون إبراز الحقيقة في بيان واقناع وروعة.

والملاحظ على مر تاريخ المحاماة وفي ساحات القضاء أن حفظة القرآن الكريم بفهم ودراية قد وصلوا إلى أعلى القمم في مجال القانون وأصبحوا مدارس قانونية يأتم الكافة بأستاذيتهم وتمكنهم في إبراز الحق والحقيقة.

 

فاللغة هي لسان وعي الآدمي ووعاء أفكاره وخواطره وآداة تعبيره وبيانه هذه اللغه هي حياة رجل القانون كون أن مهنته تعتمد علي الكلمه فهي جسره في مخاطبة العقل والوجدان وفي جلاء الفكر وصياغه الحجة.

يقول الجاحظ في البيان والتبيين (ينبغي للمتكلم أن يعرف أقدار المعاني ويوازن بينها وبين أقدار المستمعين وبين أقدار الحالات فيجعل لكل طبقة من ذلك كلاما ولكل حالة من ذلك مقاما حتى يقسم أقدار الكلام علي أقدار المعاني ويقسم أقدار المعاني على أقدار المقامات واقدار المستمعين على أقدار تلك الحالات).

ولا يوجد كتاب على وجه الأرض يستطيع أن يوازن بين أقدار المعاني وأقدار المستمعين وأقدار حالاتهم الا القرآن الكريم فتجد الرجل البسيط العامي يستطيع أن يفهم القرآن الكريم بسهوله ويسر رغم جزالة ألفاظه وفخامة تراكيبه اللغوية وذلك سر من أسرار القرآن المعجزة.

لذلك فطن رجال القانون لذلك وانكبوا على حفظ القرآن الكريم ومدارسته فحظوا بأماكن سامقة في سماء القانون نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر في تاريخنا الحديث عبد العزيز بك فهمي أول رئيس لمحكمة النقض لدى إنشائها وأحد الثلاثة الذين قابلوا المعتمد البريطاني يطالبون باستقلال مصر الذين فجروا ثورة ١٩١٩ كان قطبا في القضاء وقطبا في المحاماة وقطبا في السياسة الوطنية وقطبا في الفكر والثقافة والأدب قال عنه أبو القانون المصري الدكتور عبد الرزاق السنهوري في حفل تأبينه ان الرجل الذي نؤبنه كان يمثل جيلا كاملا بما ينطوي عليه هذا الجيل من علم ووطنية وأدب وثقافة وتفكير!

هذا الرجل بالرغم انه كان ينادي لليبرالية كان دائما يعترف أن تفوقه في تلك المجالات كان يرجع لحفظه ومعاهدته لكتاب الله الكريم.

أما عن مكرم عبيد المحامي القبطي الوطني الحر والوزير الفذ وأحد رجال الوطنية ورفيق سعد زغلول في المنفى الرجل الذي كان يتفاخر دوما بحفظه للقرآن الكريم ويعتبره مدرسة الفصاحة والبلاغة والادب وكان في كتاباته ومرافعاته يستشهد بآيات من القرآن الكريم كما كان يفعل البابا شنودة الحافظ للقرآن الكريم في عظاته الأسبوعية ويكفي تأكيدا لعبقرية هذا الرجل مقولته البليغة (اللهم يا رب المسلمين والنصارى اجعلنا نحن المسلمين لك وللوطن أنصارا واجعلنا نحن نصارى لك وللوطن مسلمين).

وهناك المحامي المصري اليهودي الديانة زكي العريبي الذي كان حافظا للقرآن ويترافع به فارتفعت مكانته كان عضوا للوفد المصري في مباحثات إلغاء الامتيازات الأجنبية وعضو لجنة صياغة الدستور سنة ١٩٥٦ بتكليف من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، هذا نزر يسير من رجال القانون المصريين الذين تأثروا بالقرآن تأثرا شديدا فرفعهم القرآن مكانا عليا بين الخلق فبالرغم من أن القرآن به مدد روحاني وفيض إلهي منقطع النظير فهو يحمل ترتيب منطقي للأحداث لذلك كانت المرافعات المتأثرة بالقرآن الكريم تحمل ترتيبا متسلسلا يأسر العقل الحصيف والقلب النابض.

 

وفي قصة سيدنا يوسف عليه السلام الأسوة الحسنة في سرد الوقائع وتمحيص أقوال الشهود وبيان صحتها من عدمها وكأنك أمام تحقيق جنائي عملي بمايؤكد المنطق القضائي الذي تحدثنا عنه.

يقول الحق جل وعلا (واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قد من دبر فكذب وهو من الصادقين فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين) يوسف ٢٥_٢٩.

أي جلال وأي جمال في تصوير الواقعة بأقل الكلمات وكأنك في قلب الحدث مع جزالة اللفظ وفخامة المعنى لذلك فلا تتعجب من اعتماد رجال القانون في مرافاعتهم على القرآن الكريم فأكسبها جلال وجمالا ووقارا.

 

إن كتاب الله العزيز به من الأسرار والأنوار ما تجعل المستمسك به يصل إلى ما يرنو إليه دنيا وآخرة وأن هذا الاستمساك لن يأتي إلا بالعمل به فيكتب لصاحبه الفلاح دنيا وآخرة واختم بما قاله أحد كبار المشركين عن وصف القرآن فالحق دوما وأبدا ماشهدت به الأعداء قال (إنه له لحلاوة وإنه عليه لطلاوة وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله وإنه ليحطم ما تحته وإنه ليعلو وما يعلى عليه).

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز