عاجل
السبت 31 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
باقي علي افتتاح المتحف الكبير
  • يوم
  • ساعة
  • دقيقة
  • ثانية
البنك الاهلي

شحاتة زكريا يكتب: حين تتصالح السماء مع الأرض.. من طهران إلى الرياض ومصر تكتب السطر الأخير

ما كان ليحدث في الظل.. خرج إلى النور.. وما ظل لعقود يُدار عبر وسطاء.. وقعته العواصم بثقة الكبار. السعودية وإيران تتصافحان في طهران، والتاريخ يُفتح على صفحة جديدة.. لكن ما لا يُقال في البيانات هو ما يصنع الفارق حقا: كانت مصر هناك منذ اللحظة الأولى.



 

هذا الاتفاق الذي وُقّع في طهران بعد سنوات من التوتر ليس مجرد تسوية سياسية ولا هو نهاية لصراع إقليمي طويل. إنه إعادة ترسيم للمشهد برمّته. لحظة تجاوزت الحواجز المذهبية والشكوك القديمة وانتصرت فيها الحكمة على الهوى. ووسط كل ذلك كان صوت القاهرة حاضرا، لا يعلو، لكنه يُسمَع جيدا.

 

 

الرئيس عبد الفتاح السيسي لم يكن مراقبًا بل فاعلًا بصمت. مارس دور العاقل الذي لا يبحث عن الأضواء بل النتائج. مدّ الجسور حين أغلقت الطرق وربط بين الرؤى حين تعثرت المصالح. لا أمام الكاميرات ، بل في الغرف المغلقة ، وفي هوامش القمم وفي اللحظات التي لا توثقها الكاميرات ، كانت الدبلوماسية المصرية تشتغل.

المصالحة ليست هدية بل شجاعة. والسعودية – بقيادتها الجديدة الجريئة – اتخذت قرارًا صعبًا برؤية ثاقبة: أن التوازن لا يصنعه السلاح بل التفاهم ولا تبنيه الجدران بل النوافذ. وإيران رغم حساباتها المعقدة ، أدركت أن الزمن تغير وأن الباب المفتوح إلى الرياض أثمن من ألف مناورة في المضيق.

 

 

لكن هنا يبرز السؤال: من الذي أعدّ الأرض لهذا اللقاء؟ من الذي مهد الطريق لعقلانية تتجاوز الثأر؟ كانت مصر بحكمتها وثقلها، تمارس ما تجيده: إدارة التناقضات وصناعة الممكن من قلب المستحيل.

ليس جديدا على مصر أن تلعب هذا الدور. لكنها هذه المرة لم تستخدمه لتجميل صورتها، بل لتثبيت معادلة أكثر إنصافا للمنطقة. ولعل المفارقة أن ما بدأ في بكين وما استكمل في بغداد وصل إلى اكتماله في طهران.. لكنه لم يكن ليبدأ أصلا دون القاهرة.

 

إنها لحظة نادرة في الإقليم: السعودية وإيران وجها لوجه ، لا برعاية قوى كبرى ، بل بإرادة نابعة من الداخل العربي والإسلامي. ومصر بدلا من أن تتصدر الصورة اختارت أن تضمن استقرارها. ليس لأنّها تبتعد بل لأنها تعرف متى تتقدم ومتى تترك للآخرين أن يجنوا ثمار ما ساعدت في زرعه.

 

في هذه اللحظة نحتاج إلى من يروي القصة كاملة. لا عن اتفاق وقع بل عن شرق أوسط يولد من جديد. عن مصر التي لا تصرخ بل توجّه. وعن رئيس يفهم أن السلام الحقيقي لا يُصنع في خطب الحشود بل في صمت الغرف المغلقة.

هذه بداية فصل جديد لا أقل. فصل لا يكتبه المنتصرون ولا الخاسرون بل أولئك الذين تعبوا من التصنيف وآمنوا أن الأوطان لا تعيش بالخوف بل بالثقة المتبادلة. وطهران ليست النهاية بل بداية لحوار طويل.. والقاهرة حاضرة دائما عند المنعطفات.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز