
سوق الأسهم تسجل أسوأ أداء خلال 100 يوم في ولاية رئاسية منذ نصف قرن

تسجيلي
سجلت سوق الأسهم الأمريكية خلال الأيام المئة الأولى من الولاية الرئاسية الثانية للرئيس "دونالد ترامب" واحدة من أسوأ الفترات في تاريخ السوق، حيث صنّف أداؤها ضمن أسوأ 100يوم منذ عام 1974 وهي الفترة التي شهدت بداية ولاية الرئيس "جيرالد فورد".
في البداية، استقبلت أسواق تداول الاسهم إعادة انتخاب ترامب في نوفمبر بحالة من التفاؤل، مدفوعة بآمال متزايدة في استمرار السياسات الاقتصادية الداعمة لقطاع الأعمال، إلا أن هذا الزخم سرعان ما تراجع، إذ تسببت التوترات المتصاعدة بشأن السياسات التجارية وخاصة الرسوم الجمركية، في تقلبات حادة وحالة من الغموض ألقت بظلالها على الأسواق العالمية، وفي مقدمتها وول ستريت.
وفي مذكرة صدرت يوم الاثنين (28 أبريل)، أشار نائب كبير الاقتصاديين في مؤسسة كابيتال ايكونوميكس "جوناس جولترمان" إلى أن: حالة عدم اليقين المستمرة حول اتجاه السياسة التجارية في الولايات المتحدة والتوقعات الاقتصادية الأوسع نطاقًا، تشكّل مصدر ضغط كبير على الأسواق، ومن المرجح أن تتزايد التحديات في المرحلة المقبلة.
ورغم بعض المؤشرات الإيجابية في الآونة الأخيرة، إلا أن خسائر الأسواق المالية لا تزال واضحة على المستوى العام، فقد حقق مؤشر داو جونز مكاسب لستة أيام متتالية مغلقًا يوم الثلاثاء (29 أبريل) بارتفاع قدره 300نقطة (أي بنسبة 0.75%)، كما صعد مؤشر ستاندرد آند بورز 500بنسبة 0.58% وحقق مؤشر ناسداك المركب مكاسب بنسبة 0.55%، ولكن هذه المكاسب المؤقتة لم تعوض التراجع الكبير منذ بداية ولاية ترامب الثانية، فحتى تاريخه، انخفض مؤشر ستاندرد آند بورز 500بنسبة 7.27% منذ يوم تنصيب ترامب في 20يناير ما أدى إلى خسارة سوقية تُقدر بنحو 3.66 تريليون دولار، وفقًا لما ذكره كبير محللي المؤشرات في ستاندرد آند بورز داو جونز اندسيز "هوارد سيلفر بلات".
وفي تطور لافت، قال وزير التجارة الأمريكي "هوارد لوتنيك" لقناة CNBC بأن الولايات المتحدة أبرمت صفقة تجارية جديدة، لكنه امتنع عن الإفصاح عن هوية الدولة الطرف في الاتفاق، مما أبقى المستثمرين في حالة ترقب وحذر.
وبمقارنة الأداء التاريخي، يُصنّف أداء مؤشر ستاندرد آند بورز 500خلال أول 100يوم من الولاية الثانية لترامب كثالث أسوأ أداء رئاسي في التاريخ الأمريكي خلال هذه الفترة، بعد كل من الرئيسين ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد.
وفي هذا السياق، صرّح كبير استراتيجيي الأسهم في وحدة إدارة الثروات لدى بنك US "تيري ساندفين" قائلاً: تُهيمن السياسة على حركة السوق حاليًا متجاوزة العوامل الأساسية التقليدية مثل أرباح الشركات أو المؤشرات الاقتصادية، نحن ندخل مرحلة تتسم بالضبابية ومن المرجح أن تستمر التقلبات حتى تتضح معالم السياسات التجارية، وعلى وجه الخصوص، مصير الرسوم الجمركية".
وعلى الرغم من وجود بوادر تعافٍ جزئي في السوق، إلا أن حالة عدم اليقين التي تحيط بالتوجهات الاقتصادية والتجارية للإدارة الأمريكية تواصل الضغط على الأسواق، ما يستدعي متابعة حثيثة من المستثمرين وصناع القرار لتطورات المرحلة المقبلة.
تقلبات حادة في سوق الأسهم تحت ضغط السياسات الجمركية المتقلبة
مرّ سوق الأسهم الأمريكي خلال هذا العام بفترات من التقلب الشديد، نتيجة لتصريحات وقرارات مفاجئة من قبل إدارة الرئيس "دونالد ترامب" لاسيما تلك المتعلقة بسياسة الرسوم الجمركية، والتي أربكت المستثمرين وأثارت حالة من عدم الاستقرار في الأسواق المالية.
ففي شهر فبراير، سجل مؤشر ستاندرد آند بورز 500مستوىً قياسيًا جديدًا مما عزز الآمال بانتعاش اقتصادي قوي إلا أن هذا الاتجاه الصعودي لم يدم طويلاً، فمع بداية شهر مارس بدأ المؤشر في التراجع، مدفوعًا بإعلان الرئيس ترامب عن خطته لفرض رسوم جمركية جديدة ليدخل المؤشر في مرحلة تصحيح، مما يعني انخفاضه بنسبة تفوق 10% من أعلى مستوياته، وهو ما يعكس حجم القلق في الأسواق تجاه تلك السياسات.
وفي أوائل أبريل، تزايدت حدة التراجعات عندما أعلن ترامب عن فرض رسوم جمركية جديدة أطلق عليها اسم "رسوم يوم التحرير"، والتي وُصفت بأنها إجراءات تصعيدية في الحرب التجارية، أدى ذلك إلى تراجع المؤشر إلى أدنى مستوياته خلال العام وبالتحديد في 8أبريل، حيث اقترب السوق من الدخول في مرحلة "السوق الهابطة"، والتي تُعرّف بانخفاض يزيد عن 20% من الذروة.
ورغم أن السوق تمكّن من تعويض بعض خسائره منذ ذلك الحين، فإن المؤشر لا يزال متراجعًا بنسبة 1.94% مقارنة بمستواه في الثاني من أبريل، وهو التاريخ الذي أعلن فيه ترامب عن "التعريفات التبادلية"، التي اعتُبرت ردًا مباشراً على السياسات التجارية للدول الأخرى.
وفي تعليقه على هذه الأوضاع، يقول أحد خبراء السوق البارزين:لا أستطيع أن أتذكر وقتًا سابقًا شهدنا فيه سياسة اقتصادية موجهة بشكل مباشر نحو أهداف واضحة، ومع ذلك قوبلت بهذا القدر من التشاؤم من قِبل المستثمرين، وأضاف: نحن نمر بفترة غير مسبوقة من عدم اليقين فيما يتعلق بتوقعات أرباح الشركات ونموها، وكل ذلك يعود إلى إجراءات وتصريحات اتخذتها الإدارة الأمريكية نفسها، دون إشارات واضحة على وجود خطة اقتصادية متماسكة.
إن التقلبات الأخيرة في السوق تعكس هشاشة ثقة المستثمرين في ظل بيئة سياسية وتجارية متقلبة، إذ يبدو أن أي إعلان غير متوقع من الإدارة يمكن أن يعيد تشكيل مسار السوق في لحظات، وهو ما يُبرز الحاجة إلى سياسات اقتصادية أكثر استقرارًا وشفافية.
تراجع حاد في أسهم التكنولوجيا الكبرى وسط تغيّرات سياسية وتجارية
شهدت أسهم شركات التكنولوجيا الرائدة (والتي عُرفت بـ"السبعة الرائعة" نظرًا لدورها المحوري في دفع السوق نحو مستويات قياسية خلال عام 2024) تراجعًا ملحوظًا منذ بداية العام الحالي، مما ساهم في حالة من الضعف العام في الأسواق الأمريكية.
فقد انخفض سهم شركة آبل بنسبة 15.66% منذ بداية العام، في حين سجلت أسهم انفيديا إحدى أبرز شركات الذكاء الاصطناعي والرقائق الإلكترونية تراجعًا أكبر بنسبة 18.8%، أما شركة تسلا فقد تكبدت خسائر فادحة حيث هبط سهمها بنسبة 27.7% في ظل استمرار الضغوط المتعلقة بالمنافسة والتوترات التنظيمية وتقلبات الطلب العالمي على السيارات الكهربائية.
ولم تكن أمازون بمنأى عن هذه الخسائر حيث تراجعت أسهمها بنسبة 14.6% خلال الفترة ذاتها، كما أن الشركة واجهت ضغوطًا إضافية بعد أن نشرت صحيفة بانشبول نيوز تقريرًا أفاد بأن أمازون تخطط لتمرير تكاليف الرسوم الجمركية الجديدة إلى المستهلكين من خلال تضمينها في سعر المنتج، وقد أثار هذا الإعلان ردود فعل سياسية حادة، حيث وصفت المتحدثة باسم البيت الأبيض "كارولين ليفيت" هذه الخطوة بأنها عدائية وسياسية.
وفي توضيح رسمي، صرح متحدث باسم أمازون بأن "هذه السياسة لم تكن قيد التنفيذ على الموقع الرئيسي لأمازون، ولا يوجد أي تغيير فعلي على أي من مواقع الشركة حتى الآن".
وقد أكّد مسؤولان رفيعا المستوى في البيت الأبيض أن الرئيس ترامب تواصل شخصيًا مع مؤسس أمازون "جيف بيزوس" معبرًا عن استيائه، ولكن في وقت لاحق، وصف ترامب تعامل بيزوس مع الموقف بأنه كان سريعًا وفعّالًا.
وفي مقابل الأداء السلبي لأسهم التكنولوجيا، برزت قطاعات أخرى كأكبر المستفيدين في السوق خلال هذا العام مثل الذهب والتبغ، فقد قادت أسهم شركة نيومونت وهي شركة تعدين الذهب المكاسب بصعود بلغ 42.3% منذ بداية العام مستفيدة من الطلب المتزايد على الذهب كملاذ آمن، كما سجلت أسهم شركة فيليب موريس وهي إحدى كبرى شركات التبغ ارتفاعًا بنسبة 41.47% في ظل توجه المستثمرين نحو الأسهم الدفاعية.
وفي قطاع التكنولوجيا المتقدمة، برز سهم شركة بالانتير المتخصصة في الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات كأفضل الأسهم أداءً ضمن مؤشر ستاندرد آند بورز 500، حيث قفز بنسبة 53.48% منذ بداية العام، مواصلًا زخمًا صعوديًا بدأ في 2024حين حقق السهم مكاسب تخطت 340% في العام الماضي.
رغم هذه المؤشرات الإيجابية المحدودة، لا تزال المؤشرات الرئيسية في المنطقة الحمراء، فقد تراجع مؤشر ناسداك المركب الذي دخل رسميًا في سوق هابطة بتاريخ 4أبريل بنسبة 11% منذ تنصيب الرئيس ترامب، أما مؤشر داو جونز فقد سجل تراجعًا بلغت نسبته 6.8% خلال نفس الفترة، ما يعكس تأثيرًا سلبيًا عامًا على ثقة المستثمرين في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية المتقلبة.
وتعكس هذه التحركات الحادة في أسواق الأسهم لا سيما في قطاع التكنولوجيا حالة من القلق المتنامي تجاه السياسات الاقتصادية والإشارات المختلطة من الإدارة الأمريكية، بينما يسعى المستثمرون لإعادة تموضع محافظهم وسط بيئة تزداد فيها التقلبات والتوترات الجيوسياسية.
سندات الخزانة الأمريكية تتخلى عن مكانتها كملاذ آمن وسط اضطرابات السوق
في الوقت الذي هيمنت فيه التقلبات على أسواق الأسهم خلال أول 100يوم من الولاية الرئاسية الثانية لدونالد ترامب، لم تكن سندات الخزانة الأمريكية بمنأى عن التأثر، بل كانت من بين أبرز الخاسرين في المشهد المالي العام، في تناقض لافت مع دورها التقليدي كملاذ آمن للمستثمرين.
تقليديًا، يتجه المستثمرون إلى سندات الخزانة الأمريكية في أوقات التوتر وعدم اليقين الاقتصادي، نظرًا لكونها أصولًا مدعومة بشكل كامل من الحكومة الأمريكية ما يمنحها درجة عالية من الأمان والمصداقية، إلا أن هذا النمط تغير بشكل غير متوقع في أبريل، عندما شهدت الأسواق العالمية تراجعًا حادًا في أسواق الأسهم، وهو ما كان من المفترض أن يدفع المستثمرين نحو السندات السيادية الأمريكية.
لكن المفاجأة جاءت عندما قرر المستثمرون، بدلًا من اللجوء إلى الأمان، التخلي عن سندات الخزانة الأمريكية وبيعها بشكل جماعي، مما أدى إلى تراجع الطلب وطرح تساؤلات جوهرية حول ما إذا كانت السندات الأمريكية لا تزال تُعد الخيار الأول كملاذ آمن في أوقات الأزمات المالية والجيوسياسية.
وقد انعكس هذا السلوك غير المعتاد في حركة العائدات، حيث تراجعت عوائد سندات الخزانة لآجل عشر سنوات إلى 4.176% بعد تسجيلها ارتفاعًا ملحوظًا في أوائل أبريل، وبالرغم من هذا التراجع في العائد، الذي عادةً ما يشير إلى ارتفاع الطلب، فإن التذبذبات الأخيرة أظهرت أن السوق يمر بحالة من التردد والقلق بشأن استقرار أدوات الدين الأمريكية.
وفي هذا السياق، علّق كبير استراتيجيي الاقتصاد في بنك مورغان ستانلي "فيشواناث تيروباتور" في مذكرة تحليلية قائلاً: لقد كان موضوع تقليص المستثمرين الأجانب لحيازاتهم من الأصول الأمريكية، لا سيما سندات الخزانة، مثار نقاشات موسعة في السوق خلال الأسابيع الأخيرة، ويعكس هذا التوجه تنامي الشكوك حول قدرة سندات الخزانة الأمريكية على الحفاظ على مكانتها كأداة استثمارية مفضلة وقت الأزمات.
إن تراجع الثقة النسبية في سندات الخزانة الأمريكية يشير إلى تغير في سلوك المستثمرين العالميين، الذين باتوا يتطلعون إلى خيارات بديلة أكثر استقرارًا في ظل سياسة تجارية غير واضحة وتزايد التوترات الاقتصادية، وهو ما قد يفرض تحديات إضافية على قدرة الحكومة الأمريكية على تمويل عجزها مستقبلاً بكلفة منخفضة.
تسجيلي