عاجل
الأحد 18 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
لا يوجد سفير لهم هنا.. والسردية الدينية لإسرائيل.. قراءة ثقافية

لا يوجد سفير لهم هنا.. والسردية الدينية لإسرائيل.. قراءة ثقافية

د. نبيل عبد الفتاح الكاتب المصري النبيل له في حياته اليومية قدر من الخصوصية والاختلاف جعلني أحب شخصه الذي يتصرف كالشعراء والمبدعين، ولا يمارس تحفظ الكتاب السياسين، مكنته دراسته العميقة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية مع إجادته الفرنسية أن يكون أيضا صاحب ملاحظة منفردة لعدد من الشوارد في الحياة العامة، وإذ هو يتابع الشأن السياسي برؤية ثقافية فقد شارك على صفحته الشخصية بتطبيق فيس بوك على وسائل التواصل الاجتماعي في الثالث عشر من مايو 2025 منشوراً للمخرج الإسرائيلي إيال سيفان المتعاطف مع القضية الفلسطينية، وفيه ملاحظة عابرة لكنها مهمة عن عدد من مثقفي النخبة الفرنسية، إذ استنكر إيال سيفان Eyal Sivan بيانا صدر عن مجموعة أطلق عليها كريمة المثقفين الفرنسيين.



ورغم أن البيان لا يدين الجرائم الإنسانية ولا الإبادة الجماعية في غزة، لكنه يشير إلى نتنياهو وحكومته اليمينية إشارة ثقافية سياسية، إذ يرى أنها تهدد الديموقراطية في دولة الاحتلال وتحمل تعصبا يمينيا دينيا يضر بما أسماه البيان وما أسماه هو "بروح إسرائيل" التي يجب أن تقيم الدولة الفلسطينية حرصا على جوهر وجودها.

وقد أثار المنشور اهتمامي فبحثت عن الصحيفة الفرنسية التي نشرته وهي صحيفة لاتريبون دي ريمانس وفيها تم نشر ذلك البيان، والذي يخالف السياسة الرسمية الفرنسية التي ترفض الإبادة الجماعية والجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية في غزة، فوجدت أنها صحيفة تهتم بالأمور المالية، وتلك النخبة التي تم وصفها بأنها من صفوة المثقفين الفرنسيين إختارت أن تصدر بيانها من إحدى الصحف المتصلة بدوائر المال، وهي دوائر ذات صلة بالإعلام الغربي في معظمه.

إذ وقع على بيان بالصحيفة ستة وأربعين مثقفا فرنسيا، لم يقم أحدهم بالإدانة.

 

وربما يأتي ذلك البيان طبيعياً لأن هؤلاء الموقعين عليه من المثقفين المعروفين بدعمهم لإسرائيل، فليس عالم الثقافة والإبداع الغربي جميعه داعما لفلسطين كما قد توحي كثرة التظاهرات الفنية وإحتجاجات الجامعات وحفلات توزيع الجوائز الفنية الكبرى، بل يأتي من قائمة الموقعين الجزائري الفرنسي كمال داودد، إن البيان أعرب عن قلقه على روح إسرائيل التي تتهددها دوامة الحرب الجهنمية التي بدأت في السابع من أكتوبر، كما يتهددها نتياهو ووزراؤه اليمينيون المتطرفون الذين يعتدون على الديموقراطية الإسرائيلية دولة القانون، كما وصفها البيان، كما أنهم يطالبون فيها أوروبا وبريطانيا وأميركا بالتدخل لإنقاذ "روح إسرائيل"، حسب تعبيرهم، وذلك من خلال العمل من أجل السلام والتعاون بين إسرائيل وفلسطيــــــن.

ولعل هذا النوع من المثقفين الأوربيين والغربيين يجد لدى دولة الاحتلال أثــــــــراً.

لأنه حقا يدرك أن مصلحتها ليست الإبادة الجماعية والانقلاب التام على كل اتفاقيات ومعاهدات السلام، والتي تعهدت فيها دولة الاحتلال بإقامة دولة فلسطينية وإحلال السلام مع الفلسطينيين.

إن حكومة إسرائيل الحالية هي التي تقوم بتأجيج الطابع الديني للصراع، وهي التي تخرجه من قواعد السياسة الدولية ومعاهداتها واتفاقاتها الملزمة، وتحاول أن تعلن الصراع ممتدا من جديد، وهو الصراع القائم على قوة النار والقتل والعدوان الغاشم المستمر، وهي القراءة العميقة لبيان المثقفين الفرنسيين الآخير، رغم صمته الغريب تجاه إدانة الإبادة الجماعية وقتل الأطفال.

مما يدعو إلى تأمل جاد لمستقبل الصراع العربي الإسرائيلي، والذي تبقى فيه مصر قادرة ومتوازنة وقوية، لا تستخدم لغة الخطابة السياسية، وتسعى عبر مواقفها الواضحة ومنها إعلان عدم رغبة مصر في الحديث مع الولايات المتحدة الأمريكية عن أمن الملاحة في البحر الأحمر إلا بعد انتهاء العمليات العسكرية في فلسطين وسوريا ولبنان واليمن، وهو الموقف السياسي بالغ الخشونة والاحترام للرئيس عبد الفتاح السيسي، أنها الخشونة الصامتة بلا ضجيج، وهي عميقة وذات تأثير عملي على أرض الواقع.

وهي دلالة واضحة على الموقف المصري الصلب الذي يصدر عن مصر القــــــادرة.

قلب الأمة العربية القادر على تحديد اتجاهات المسار القادم بالقدرة العسكرية المستعدة للدفاع عن حدود الوطن وسلامة أراضيه، وموقفها السياسي المتكامل وإدارتها لعلاقاتها الدولية، وبحرصها الدائم على إكتمال مسارات السلام العادل وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة.

وفي إطار هذا الموقف الواضح دون ضجيج إعلامي أو صياغة عالية الصوت، وإذ تدرك القاهرة اللحظة الاستثنائية التي تعيشها مصر، والتغيرات المفصلية في العالم العربي ومحيطه الإقليمي فهي تعبر عن نفسها بالأفعال، وفي هذا الإطار صرح الإعلام العبري في أكثر من مصدر على مدار الأسبوع الماضي عن حدوث واقع دبلوماسي جديد، وهو الموقف الذي لم تعلنه الصحافة ودوائر الإعلام المصرية، في إطار مسلك دبلوماسي قوى وبالغ الأناقة معا، فليس في مصر الآن سفير لإسرائيل، ولم ترسل مصر سفيراً لتل أبيب.

إنه الأداء السياسي المعبر عن عمق السياسة المصرية دون اللجوء للصياغات الحادة، أو السعي فى اتجاه حصد الرضا الشعبوي، إنه عمق الثقة والحضور التاريخي لدور مصر القيادي والمحوري في المنطقة العربية والمحيط الإقليمي.

وهذا الأداء المصري يعبر عن صياغة ثقافية تدرك البعد الديني المتطرف للحكومة الإسرائيلية، والتي تدفع في اتجاه التوتر العربي والإقليمي المستمر، إذا أنه لا استقرار حقا في هذا الجزء الهام من عالمنا المعاصر دون حل عادل للقضية الفلسطينية.

وهذا هو البعد الثقافي الإنساني الذي يعرف حقا مستقبل الصراع والطريق الوحيد لحله، وهو ما أعلنته الدولة المصرية واضحا كأساس مبدئي لسياستها العامة، كما جاء على لسان وزير الخارجية المصرية:

"لا استقرار في المنطقة دون حل عادل للقضية الفلسطينية".

إنها رسالة مصر للعالم، إنها أفعال مصر الدبلوماسية التي تؤكد صحة أقوالهــــــا.

أداء جديد فاعل دون ضجيج للدبلوماسي المصري رفيع المستوى د. بدر عبدالعاطي.

فهل يصبح الصمت الدبلوماسي سلاحاً مصرياً يجب التأكيد عليه على الصعيد العربي والإسلامي، كطريق ممكن للضغط في اتجاه الحق العادل للقضية الفلسطينيـــة؟

وهل أصبح أمر تجميد عملية السلام العربية الإسرائيلية حقاً ضرورة يجب أن يلتزم بها الإجماع العربي، كي تعود دولة الكيان الصهيوني لرشدها السياسي الواقعي بعيداً عن الاشتعال الديني المتطرف وأوهام إسرائيل الكبرى؟

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز