
الخميس المقبل تعامد الشمس على مذابح كنيسة دير الملاك ميخائيل بالشرقية

إبراهيم العسيلي
في ظاهرة فلكية نادرة وفريدة من نوعها، تتعامد أشعة الشمس على "مذابح" كنيسة دير الملاك ميخائيل التي تقع بقرية كفر الدير الأثرية بمدينة منيا القمح بمحافظة الشرقية 3 مرات سنوياً، وهى قرية صغيرة من أقدم قرى المحافظة.
وكنيسة كفر الدير المقدسة الأثرية شيدت فى القرن الرابع الميلادى على الطراز البيزنطى، بالطوب والحجارة المتمإسكان بمادة صلبة تشبه الطين، تسمى "القصر ملى" وتتكون “رمل وجير وحمرة”، وتشبه الكنيسة التي لم يستخدم فى بنائها الحديد أو الخشب وليس لها سقف، أديرة وادي النطرون وغيرها من الأديرة الأثرية من حيث القباب المرتفعة جداً على شكل صليب متساوى الأضلاع.
وتتميز كنيسة كفر الدير عن غيرها بظاهرة فلكية، وهى تعامد أشعة الشمس على مذابح الملائكة "ميخائيل، مارجرجس، والسيدة العذارء" فى عيدهم، وهى ظاهرة تشبه ظاهرة تعامد الشمس سنوياً على تمثال رمسيس الثانى بمعبد أبوسمبل بالأقصر، وتتعامد الشمس داخل كنيسة الدير فى أول مايو من كل عام على مذبح الشهيد مار جرجس، وفى 19 يونيو على مذبح رئيس الملائكة، وفى 23 أغسطس على مذبح القديسة العذراء، وذلك خلال القداس الذي يمتد لما يقرب الساعة.
وتذخر الكنيسة بالمخطوطات والأباريق والأيقونات والكتب المقدسة التي يبلغ عمرها ما يقرب من ألف عام، إضافة إلى بئر أثرى يصل عمقه إلى 20 متراً، وبها شجرة ضخمة عمرها مئات السنين، بالإضافة لعشرات الكنوز الأثرية، أبرزها الأيقونات الثلاث، وحجاب الهيكل الأوسط.
ويبلغ طول أيقونة الملاك ميخائيل بالإطار الخارجي 113 سم، وعرضها 93 سم، وهي مصنوعة من الخشب وإطارها خشبي أيضا، وتصور الملاك ميخائيل بجناحان وممسكاً الميزان بيده اليسرى وفى اليمنى سيف، وتحت قدميه الشيطان فى شكل آدمي، وفوق الصورة كتابة بالعربية: "الملاك الجليل ميخائيل".. وأسفل الأيقونة تقرأ: "عوض يا رب من له تعب".
وتحمل أيقونة مريم العذراء السيد المسيح، وهى مصنوعة من الخشب بإطار خشبى، وتصور السيدة العذراء تحمل السيد المسيح الطفل، وفوق رأس كل منهما تاج وحوله هاله، ويظهر فى ملابس السيدة العذراء بعض النجوم، وعلي الجانبين ملاكين بينهما شعاع من نور، وعلى الجانب الأيسر من الصورة رسم الملاك ميخائيل، وكتب على اليمين الملاك غبريال ملاك البشارة.
ويتضح من أسلوب الرسم بأيقونة مارجرجس، شيوع استخدام اللون الأحمر والألوان الزاهية، وقام برسمها الفنان أنسطاسى المقدسى، وهى من الخشب، وتمثل القديس مارجرجس على صهوة جواده وخلفه صبى صغير بيده قدح وحول رأسه هاله يطعن التنين بالحربة، يعلوها الصليب وأمام القديس رسم قصر، وأمام التنين شخص واقف، وعلي يساره شخص أخر بيده إكليل، وفى الجهة اليسرى شعاع نور على مبنى بأعلاه يقف شخصان بيد أحدهما مفاتيح.
قال المهندس الاستشاري مجدي غبريال مؤسس فريق الترميم التطوعي لتراثنا الاسلامي والقبطي بمحافظة الشرقية، في عام 2012 استدعيت كمهندس استشاري مدني لزياره الكنيسة القديمة لعمل معاينة وتقديم الاستشاره لتوصيف المواد المناسبة لأعمال الترميم لها.
وعند وصولي للمعاينه فوجئت أنني أمام أثر قديم ذو طراز معماري بيزنطي نادر، جدرانه من الحوائط الحامله من الطوب الاحمر حرقم ، وفي صحن المبني دعامات من الطوب الأحمر، كما أن السقف عباره عن قباب وقبوات من الطوب الاحمر أسفلها حوائط يصل ارتفاعها الكلي لأكثر من 12 مترا تنقل هذه الأحمال من خلال عقود أيضا من الطوب لتحملها الدعامات الي الأساسات، ولكن مع جمال عمارة المبني افزعتني الحاله الانشائيه المترديه جدا وكثره الشروخ الخطيرة التي تنذر بسرعه انهياره وسقوطه خاصة مع تساقط الطوب من العقود الحامله لقباب وقبوات السقف بسبب كسر الطوبة "مفتاح العقد" في معظم هذه العقود، لذلك ولدرء الخطورة كان ينبغي أخذ القرار بالتدخل العاجل وسرعة صلب الأجزاء المتضرره من المبنى خوفا من انهياره وسقوطه ولحين بدء أعمال الترميم فيه.
أضاف: يتلخص موضوع التدخل العاجل لإنقاذ الدير لما عرفناه أثناء المعاينة، فسارعت بتكوين فريق تطوعي وصل عددنا الي 30 متخصصا وخبيرا وعالما وباحثا ومهندسين وأساتذة جامعات في جميع تخصصات العمارة الاسلامية والقبطية والتاريخ الاسلامي والقبطي والفلك والترميم والآثار والمخطوطات والايقونات وعلم هندسة المواد وتدعيم المنشآت الآيله للسقوط والسياحه وغيرهم اننفذ الأعمال بموجبها للحفاظ علي الأثر وارجاعه لأصله الذي بني عليه آنذاك.
وقمنا بترميم المبنى ترميما دقيقا بإعادته لأصله علي الطوب بعد إزالة كل مواد الترميم السابقة غير المناسبة، واكتشفنا بالصدفه البحتة من أحد باحثينا في الفريق ظاهرة تعامد الشمس حيث طلب منا فتح طاقات وفتحات القباب لأسقف الهياكل الثلاثة والمحشوة بالطين والخشب والحجاره منذ عشرات السنين والتي لا نعلم متى ولماذا اغلقت، واكتشفنا بأنها تخص ظاهره تعامد الشمس في أعياد القديسين المسماة أسماء هياكل الكنيسة بأسمائهم. وكانت المفاجأة بدخول الشمس الي مذابح الكنيسة والتعامد فوق محور مائدة المذبح.
عرضنا الرسومات والخرائط التي سجلنا فيها حركه تحرك شعاع الشمس حتى لحظة التعامد علي علماء الفلك فتشكلت لجنه علميه من علماء الفلك من معهد البحوث الفلكيه بوزاره البحث العلمي برئاسه المرحوم الاستاذ الدكتور مسلم شلتوت استاذ بحوث الشمس والفضاء والاقمار الصناعيه بمعهد البحوث الفلكيه بحلوان ومرصدي القطاميه وحلوان الفلكيين وعضو وكاله ناسا الامريكيه للفضاء وحفيد فضيله الشيخ محمود شلتوت شيخ الجامع الأزهر الأسبق رحمه الله والتي قامت بأعمال القياسات والرصد الفلكي للتحقق من صحة ثبوت الظاهره والتي أصدرت شهاده التوثيق بثبوت صحه حدوثها.
أكد غبريال، منذ اكتشافنا في عام 2012 للظاهره الفلكية الفريدة والنادرة على مستوى كنائس العالم أجمع لتعامد الشمس المتوارثة عن أجدادنا المصريين القدماء والتي تثبت براعة المهندس المصري القبطي في القرن الرابع الميلادي الذي بني هذه الكنيسة متوارثا علم الفلك عن أجداده القدماء، لذلك نحتفل في كفر الدير بهذه الفعاليات، وندعو لهذه المناسبة جميع المصريين المحبين لتراث وتاريخ وحضارة بلدهم ليشاركونا الاحتفالات، ونتمنى أن يتم وضع المكان لأهميته علي خارطه السياحة العالمية.