"أسوشيتيد برس": صدمة أوكرانية من مقترح سلام أمريكي يتضمن الاعتراف بالسيادة الروسية على القرم
أصيب مسؤولون وخبراء أوكرانيون بالذهول إزاء مقترح سلام قدمته إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يتضمن الاعتراف بالسيادة الروسية على شبه جزيرة القرم، وأكدوا رفضهم القاطع لأي تنازل رسمي عن القرم، رغم توقعاتهم بخسارتها مؤقتًا لصالح الكرملين.
وأكد خبراء - في لقاء أجروه مع وكالة أنباء "أسوشيتيد برس" الأمريكية نُشر اليوم الأحد - أن التخلي عن الأراضي التي ضمتها روسيا بشكل غير قانوني في عام 2014 يعد أمرًا مستحيلاً سياسيًا وقانونيًا، حيث يتطلب تعديل الدستور وإجراء استفتاء شعبي، فضلاً عن أنه قد يُعتبر خيانة عظمى في نظر الرأي العام.
وقال أولكسندر ميريجكو، وهو نائب في حزب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي: "هذا لا يعني شيئًا، لن نعترف أبدًا بالقرم كجزء من روسيا".. وبخلاف التنازل عن الأراضي، فإن الاستسلام الرسمي يعني التخلي نهائيًا عن شبه جزيرة القرم ويقطع الأمل في استعادة أوكرانيا لها مستقبلًا.
ومع ذلك، ذكرت "أسوشيتيد برس" أن الشعب الأوكراني يدرك إلى حد كبير ضرورة التنازل عن الأراضي كجزء من أي هدنة، إذ لا سبيل لاستعادتها عسكريًا، وتشير استطلاعات الرأي إلى تزايد نسبة السكان الذين يقبلون مثل هذه المقايضة. لكن الكثير من الرسائل العامة حول التنازلات عن الأراضي أشارت إلى أنها ليست بالضرورة دائمة، كما حدث عندما صرّح عمدة كييف، فيتالي كليتشكو، لـ"بي بي سي" مؤخرًا بأن أوكرانيا قد تضطر إلى التنازل مؤقتًا عن الأراضي كجزء من اتفاق سلام.
وأضافت الوكالة أن الإعلان عن غير ذلك يعني اعترافًا بالهزيمة، وهي خطوة لا تحظى بقبول شعبي على الإطلاق، خاصة بالنسبة للأوكرانيين الذين يعيشون تحت وطأة الاحتلال الروسي ويأملون في التحرر ولمّ شملهم مع عائلاتهم يومًا ما، كما أنه سيُثير التساؤلات حول التضحيات التي قدمها عشرات الآلاف من أفراد الجيش الأوكراني الذين قُتلوا أو جُرحوا.
أما في واشنطن، فأكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على مقترح شبه جزيرة القرم في مقابلة نُشرت يوم أمس الأول في مجلة "تايم"، وقال: "ستبقى القرم جزءًا من روسيا.. زيلينسكي يُدرك ذلك، والجميع يُدرك أنها كانت معهم منذ زمن طويل".
وبحسب "أسوشيتيد برس"، فإن تصريحات ترامب الأخيرة تمثل أحدث مثال على ضغط ترامب على أوكرانيا لتقديم تنازلات لإنهاء الحرب تجنبًا للحصار، كما اتهم ترامب زيلينسكي بإطالة أمد الحرب بمعارضته المفاوضات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
واستولت روسيا على شبه جزيرة القرم، وهي شبه جزيرة استراتيجية تقع على البحر الأسود بجنوب أوكرانيا، قبل سنوات من العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا والتي بدأت عام 2022، وجاء هذا الاستيلاء الروسي في أعقاب احتجاجات واسعة النطاق أطاحت بالرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش، الذي رفض توقيع اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي.
وفي الفترة التي سبقت محادثات السلام، صرّح مسؤولون أوكرانيون لوكالة "أسوشيتد برس" بأنهم يتوقعون أن تكون شبه جزيرة القرم وغيرها من الأراضي الأوكرانية التي تسيطر عليها روسيا من بين تنازلات كييف في حال التوصل إلى أي اتفاق، لكن زيلينسكي صرّح في مناسبات عديدة بأن التنازل الرسمي عن الأرض كان دائمًا خطًا أحمر.
ووفقًا لمسؤول أوروبي كبير تحدث إلى الوكالة بشرط عدم الكشف عن هويته لمناقشة قضية دبلوماسية حساسة، فإن عناصر مقترح ترامب للسلام يتضمن اعتراف الولايات المتحدة رسميًا بشبه جزيرة القرم كأرض روسية وقبولًا فعليًا بحكم موسكو للأراضي الأوكرانية المحتلة.
ورغم أن زيلينسكي لا يملك قرار اعتراف الولايات المتحدة رسميًا بشبه جزيرة القرم كأرض روسية، إلا أن هناك العديد من العقبات التي تمنع الرئيس الأوكراني من القيام بذلك من بين ذلك حقيقة تعرضه لضغط هائل، ويقول خبراء إنه لا يمكنه التوقيع منفردًا على أي مقترح من هذا القبيل خوفًا أيضًا من أن تُوبّخه الحكومات المستقبلية لمجرد محاولته ذلك.
وبدأت أوكرانيا تتقبل فكرة أنها لن تستعيد أراضيها المفقودة بعد فشل هجومها المضاد الذي شنته في صيف عام 2023، ومنذ ذلك الحين، ركّز الجيش الأوكراني على الدفاع عن الأراضي التي لا يزال يسيطر عليها.
وأبرزت الوكالة مطالب أوكرانيا، حتى تقتنع بتقديم تنازلات إقليمية، حيث تريد كييف ضمانات أمنية قوية تشمل في الوضع الأمثل عضوية حلف شمال الأطلسي "الناتو" أو خططًا ملموسة لتسليح وتدريب قواتها ضد أي عملية عسكرية روسية مستقبلية بدعم من الحلفاء، وكان أحد السيناريوهات يتوخى وجود قوات أوروبية على الأرض، وهو ما ترفضه روسيا.
وصرح زيلينسكي بأن المفاوضات بشأن الأراضي الأوكرانية المحتلة ستطول وقد لا تُعقد على الأرجح إلا بعد وقف إطلاق النار، وأكد، في أواخر مارس الماضي، للصحفيين بعد مكالمة هاتفية مع ترامب بأن الرئيس الأمريكي "يدرك بوضوح أننا قانونيًا لن نعترف بأي أراضٍ".. وقال إن التخلي عن الأراضي سيكون "المسألة الأصعب وتحديًا كبيرًا لنا".
علاوة على ذلك، أكدت الوكالة الأمريكية أن الاعتراف الرسمي بشبه جزيرة القرم سيكون بمثابة انتحار سياسي لزيلينسكي، وقد يعرضه ذلك لإجراءات قانونية في المستقبل، وفقًا لتيموفي ميلوفانوف، رئيس كلية كييف للاقتصاد ووزير الاقتصاد السابق.
وقال - في تصريح خاص للأسوشيتيد برس- إن توقيع وثيقة على ذلك قد يكون غير دستوريًا وقد يُفسر على أنه خيانة عظمى .. مشيرًا إلى أن الحكومة الأوكرانية ليس لديها أي وسيلة دستورية لقبول انتهاك سلامتها الإقليمية!.



