
صندوق النقد: التوترات التجارية وحالة عدم اليقين يضعفان النمو العالمي

أ ش أ
حذرت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغييفا، من أن الاقتصاد العالمي يواجه "اختباراً جديداً وكبيراً"، نتيجة التحولات الكبرى في السياسات التجارية التي تخلق حالة عالية من عدم اليقين، وظروفاً مالية أكثر تشدداً، وتقلبات في الأسواق.
جاء ذلك في مؤتمر صحفي، اليوم الخميس، أكدت فيه غورغييفا، أن الصندوق قام بتخفيض كبير في توقعاته للنمو العالمي، مشيرة إلى أن هذه التحديات تأتي في وقت استنزفت فيه أدوات الدعم السياسي جراء الصدمات الأخيرة، مما يتطلب تحركاً عاجلاً.
وحددت غورغييفا ثلاث أولويات رئيسية للتعامل مع الوضع الراهن، حيث شددت على ضرورة أن تعمل الدول بشكل بناء وسريع لحل التوترات التجارية والحفاظ على الانفتاح وإزالة حالة عدم اليقين.
وأكدت غورغييفا أن التوصل إلى تسوية بين اللاعبين الرئيسيين أمر جوهري، حيث أن عدم اليقين مكلف للغاية، فهو يثبط استثمارات الشركات وإنفاق الأسر، مما يزيد من إضعاف النمو.
ولمعالجة الاختلالات، دعت غورغييفا الصين إلى تعزيز الاستهلاك الخاص والتحول نحو الخدمات، والولايات المتحدة إلى خفض العجز المالي، وأوروبا إلى استكمال السوق الموحدة والاتحاد المصرفي واتحاد أسواق رأس المال، كما حثت جميع الدول على خفض الحواجز التجارية، سواء التعريفية أو غير التعريفية.
وأكدت مديرة صندوق النقد الدولي، أن معظم الدول بحاجة إلى إعادة بناء الهوامش المالية وضمان استدامة الدين من خلال مسارات تعديل ذات مصداقية وتدريجية، مع حماية الاستثمارات الرئيسية وتعظيم كفاءة الإنفاق.
واعتبرت تعبئة الموارد المحلية أمراً بالغ الأهمية، خاصة بالنسبة للدول منخفضة الدخل التي تواجه ضغوطاً مالية وتباطؤاً في النمو، مشيرة إلى أن نسبة الضرائب إلى الناتج المحلي الإجمالي التي تقل عن 15% تجعل عمل الدولة صعباً.
وفيما يتعلق بالبنوك المركزية، أوضحت غورغييفا أنها تواجه ظروفاً مختلفة، ويجب أن تكون سياساتها معتمدة على البيانات، مع مراقبة التضخم والتوقعات عن كثب.
ويتعين عليها الموازنة بين دعم النمو واحتواء التضخم، مع الاعتماد على المصداقية التي تعتبر استقلالية البنك المركزي أمراً حيوياً لتحقيقها.
ونصحت مديرة صندوق النقد الدولي الاقتصادات المفتوحة، وخاصة الأسواق الناشئة، بالحفاظ على مرونة سعر الصرف كأداة لامتصاص الصدمات، ويمكنها استخدام إطار السياسات المتكامل لصندوق النقد الدولي للحصول على إرشادات بشأن تقلبات العملة.
وقالت غورغييفا إنه حتى قبل الصدمات الأخيرة، كان العالم يواجه نمواً منخفضاً وديوناً مرتفعة. وأكدت أن الوقت قد حان للإصلاحات التي غالباً ما يتم تأجيلها، مثل خلق بيئة أعمال جيدة، وتعزيز ريادة الأعمال، وإصلاح أسواق العمل، وتمكين الابتكار، والتكيف مع التطورات التكنولوجية.
وأكدت غورغييفا أن الصندوق سيواصل دعم أعضائه من خلال المراقبة والتشخيص وتقديم المشورة بشأن السياسات والدعم المالي لضمان الاستقرار، ومعالجة قضايا ميزان المدفوعات وبناء مؤسسات قوية.
وأضافت أن الصندوق يعمل على ضمان شبكة أمان مالي عالمية قوية، وتعزيز التعاون مع ترتيبات التمويل الإقليمية والبنوك المركزية الرئيسية التي توفر خطوط المبادلة، كما يعزز الحلول التعاونية لإعادة التوازن العالمي ومعالجة نقاط الضعف المتعلقة بالديون، وهو ما أبرزته موافقة المائدة المستديرة العالمية للديون السيادية على دليل إرشادي لإعادة هيكلة الديون بشكل يمكن التنبؤ به. ودعت إلى استمرار التعاون من أجل اقتصاد عالمي متعدد الأقطاب أكثر توازناً ومرونة.
وأوضحت غورغييفا أن الصندوق يركز على استقرار الاقتصاد الكلي والمالي من أجل النمو والتوظيف، ويقوم الصندوق بتحليل المخاطر التي تواجه موازين مدفوعات الدول الأعضاء - بما في ذلك تلك الناجمة عن تغير المناخ حيثما كانت ذات صلة باستقرار الاقتصاد الكلي - ويقدم المشورة بشأن المرونة باستخدام أدوات المالية العامة والسياسة النقدية والقطاع المالي. وأكدت أن الصندوق ليس خبراء في المناخ، بل خبراء في الاقتصاد الكلي والمالي يعالجون المخاطر ذات الصلة.
وأشارت إلى أن الصندوق مؤسسة صغيرة ومنضبطة مالياً، ويجب أن تستخدم مواردها بفعالية بناءً على توجيهات الأعضاء، وذكرت أن تمويل "الصلابة والاستدامة" يمثل جزءاً صغيراً من محفظة القروض ولكنه يوفر مشورة ودعماً حاسمين في مجال سياسات الاقتصاد الكلي للدول الأكثر عرضة لصدمات محددة مثل تغير المناخ.
وثمنت المديرة العامة صوت الولايات المتحدة بصفتها المساهم الأكبر في الصندوق، وتطلعت إلى مناقشة الأولويات في إطار مراجعات السياسات الجارية.
فيما يتعلق بمخاطر الركود، أشارت غورغييفا إلى أنها زادت بالنسبة للولايات المتحدة إلى 37% وعلى الصعيد العالمي إلى 30% - مع تعريف النمو بأقل من 2%.
وأكدت غورغييفا، أن البيانات لا تشير بعد إلى ركود كسيناريو أساسي، ولا يزال الاقتصاد الأمريكي، على الرغم من تخفيض التوقعات بشأنه، يظهر زخماً إلى الأمام.
وأكدت أن القضية الرئيسية التي تسمعها من الدول الأعضاء ليست مجرد التعريفات الجمركية، بل عدم اليقين الذي تخلقه، وأشارت إلى أن الحد من هذا عدم اليقين أمر بالغ الأهمية.
وتطرقت مديرة صندوق النقد الدولي إلى الأوضاع في مناطق مختلفة، مشيرة إلى تأثر آسيا بشكل كبير بالتوترات التجارية، وتخفيض توقعات النمو في الصين مع ضرورة إعادة التوازن نحو الاستهلاك المحلي ومعالجة قضايا قطاع العقارات، وبالنسبة لدول "الآسيان"، دعت إلى تعميق التعاون التجاري الإقليمي.
وفي أفريقيا، أشارت إلى تأثر القارة بالصدمات، وخاصة التباطؤ العالمي وانخفاض أسعار النفط لبعض المصدرين، ودعت الدول الأفريقية إلى تعزيز الأساسيات، وخاصة الهوامش المالية من خلال تحسين أنظمة الضرائب، وتكييف السياسة النقدية مع الظروف المحلية، وتحسين صورة القارة بشكل عام، وتعميق التجارة والتعاون الإقليميين.
وفيما يتعلق بالأرجنتين، أشادت غورغييفا بحسم البلاد في تنفيذ الإصلاحات، والانتقال من عجز كبير إلى فائض، وخفض التضخم بشكل كبير، وتقليل الفقر. وأشارت إلى الدعم الدولي للأرجنتين، محذرة من مخاطر بيئة عالمية متدهورة وضغوط سياسية داخلية محتملة.
أما منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فقد شهدت تخفيضاً كبيراً في توقعات النمو إلى 2.6%، ويرجع ذلك أساساً إلى الآثار غير المباشرة للتباطؤ العالمي وانخفاض أسعار النفط.
وأشادت بدول مجلس التعاون الخليجي لإصلاحاتها، وتحدثت عن التحديات التي تواجه دولاً أخرى مثل الأردن ومصر، مشيرة إلى دعم الصندوق لها، وأكدت على زيادة الاهتمام بالدول منخفضة الدخل والمتأثرة بالنزاعات.
اختتمت غورغييفا بالتأكيد على وجود قلق بين الدول الأعضاء بسبب ضعف آفاق النمو، ولكن أيضاً إدراك للحاجة إلى نظام عالمي قائم على القواعد ودعم قوي لدور الصندوق.
وكانت الدعوة الرئيسية هي للتحرك بسرعة وتقليل حالة عدم اليقين لتعزيز اقتصاد عالمي أكثر استقراراً ومرونة.