
السلاح و القانون و الدبلوماسية
أوراق مصر الرابحة فى ملحمة استرداد الأرض

محمود محرم وأحمد زكريا وزينب ميزار
تحرير سيناء، ملحمة وطنية، فيها علّمت مصر العالم كيف تُسترد الأرض، حكاية تتردد عبر الأجيال وتُثبت أن فى مصر رجال، أفعال وأقوال، فاليد التي رفعت السلاح لتحارب أسست أرضًا صلبة ليقف عليها المُفاوض ليلقى بأوراقه ويستعيد أرض الفيروز كاملة.
القوة العسكرية، والدبلوماسية المُحكمة، والجهود القانونية المتكاملة، ثلاثية عزفت سيمفونية التحرير لتكلل نصر أكتوبر المجيد 1973، وتُسدل الستار على أطماع الاحتلال.
وفى استطلاع لآراء الخبراء أجرته “روزاليوسف”، أمدوا أن مصر قدمت نموذجًا عالميًا فى كيفية مواجهة التحديات عبر استراتيجية متعددة الأبعاد، وستظل تجربة تحرير سيناء مرجعًا حيويًّا فى كيفية استخدام القوة العسكرية والدبلوماسية والقانون لتحقيق النصر والسيادة.
قال اللواء الدكتور سمير فرج، الخبير العسكرى والاستراتيجي، إن تحرير سيناء يُعَدُّ من أنجح النماذج الوطنية فى التعامل مع التحديات الكبرى، موضحًا أن استعادة الأرض لم تتم بوسيلة واحدة، بل عبر توظيف أدوات القوة الشاملة فى مواجهة التحديات.
وأشار إلى أن المعركة الأولى كانت فى السادس من أكتوبر عام 1973، حين تمكنت القوات المسلحة المصرية من عبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف، وفرض واقع جديد على الأرض، بعد أن كانت القضية مجمدة فى حالة “لاحرب ولا سلم” لمدة ست سنوات، حيث تم تحرير جزء من سيناء بعمق 15 كيلومترًا شرق القناة، وكانت هذه المعركة نقطة تحول أعادت القضية المصرية إلى طاولة المجتمع الدولي.
وأضاف لـ «روزاليوسف» أن المرحلة الثانية تمثلت فى المعركة السياسية والدبلوماسية، التي قادها الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وتُوِّجَت بزيارة القدس، ثم التوصل إلى اتفاقية كامب ديفيد، التي أعادت باقى أراضى سيناء إلى السيادة المصرية تدريجيًّا.
ولفت إلى أن المعركة الثالثة كانت قانونية بامتياز، وتمثلت فى معركة طابا، فبعد ثلاث سنوات من العمل الوثائقي، والبحث التاريخى العميق، واستحضار خرائط من العهد العثمانى والانتداب البريطاني، استطاعت مصر أن تكسب القضية، وتعود طابا إلى أحضان الوطن.
معركة الـ 22 عامًا
وقال اللواء حمدى بخيت، المحلل العسكرى والاستراتيجي، إن معركة تحرير سيناء لم تكن مجرد معركة عسكرية خاضها الجيش المصري فى حرب أكتوبر المجيدة عام 1973، بل كانت عملية استراتيجية متكاملة، استمرت 22 عامًا، منذ نكسة 1967 وحتى استرداد طابا عام 1989، واستخدمت خلالها الدولة المصرية كافة الأسلحة المتاحة.
وأشار إلى أن إسرائيل لا ترضخ إلا لمنطق القوة، وكانت القوة العسكرية هى الأساس الذي أتاح لمصر الدخول إلى المفاوضات من موقع قوة، مؤكدًا أن السلام الحقيقى لا يمكن أن يتحقق إلا إذا وُجِدَ جيش قوى قادر على حمايته، وهو ما جسدته الدولة المصرية خلال تلك الفترة.
ونوّه بخيت لـ «روزاليوسف» إلى أن نجاح هذه المعركة لم يكن وليد جهد فردي، بل كان ثمرة تكاتف وطني شارك فيه الجميع، من الجيش إلى السلك الدبلوماسي، ومن المتخصصين فى القانون الدولى إلى الخبراء فى الوثائق والخرائط، بما يعكس نموذجًا نادرًا فى التنسيق الوطني والتعاون الدولي، مشددًا على أن هذه التجربة يجب أن تُدرَس كنموذج فى كيفية إدارة التحديات الكبرى باستخدام أدوات متعددة.
ملحمة عسكرية
قال اللواء عادل العمدة، المستشار بالأكاديمية العسكرية للدراسات، إن تحرير سيناء من الناحية العسكرية بدأ بحرب أكتوبر عام1973، حيث تمكنت القوات المسلحة من الوصول إلى خط المضايق، وهو ما مهّد لبدء مرحلة المفاوضات السياسية التي تُوّجت بتحرير معظم الأراضى المصرية فى 25 أبريل 1982.
وأضاف العمدة لـ «روزاليوسف» إن معركة استعادة طابا كانت أحد أبرز محطات النضال الوطني، حيث بدأت المباحثات فور انتهاء المرحلة العسكرية، وتم تشكيل لجنة متكاملة للدفاع عن أحقية مصر فى طابا، وضمت هذه اللجنة عناصر قانونية ودبلوماسية وجغرافية وتاريخية، بالإضافة إلى عنصر من هيئة المساحة العسكرية، وهو ما شكّل منظومة متكاملة من الكفاءات والخبرات الوطنية.
وتابع: بالاعتماد على الأدلة والخرائط والمستندات التي تؤكد مصرية طابا، تم اللجوء إلى التحكيم الدولي، الذي أنصف مصر فى نوفمبر1989، حين صدر الحكم لصالح الدولة المصرية.
براعة دبلوماسية
قال السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن مصر قدّمت نموذجًا فريدًا فى تحرير سيناء، ليس فقط بالدماء والتضحيات العسكرية فى حرب أكتوبر المجيدة، بل أيضًا من خلال ملحمة دبلوماسية طويلة الأمد خاضتها بكل حكمة واقتدار، حتى استعادت آخر شبر من أرضها الغالية، بعد أن قدّمت الدولة المصرية كل الوثائق والمستندات التي تؤكد أحقيتها. بل استعانت مصر كذلك بروايات أجنبية من كتب تاريخية ومؤلفين بريطانيين لتثبت أحقية أراضيها.
وأكد السفير جمال بيومى لـ «روزاليوسف» أن هذا النموذج يعكس كيف تتعامل الدولة المصرية مع التحديات، حيث تنظر إلى كل قضية من كل الزوايا، وتستخدم كل الآليات المتاحة: القانونية، والسياسية، والإعلامية، والعلاقات الدولية، دون تفريط أو تنازل.
ولفت إلى أن تحرير سيناء لم يكن فقط رمزًا للانتصار، بل أصبح مجالًا واسعًا للتنمية والاستثمار، فى إطار جهود الدولة لتحقيق تنمية شاملة فى كل ربوع مصر، وأكد أن تجربة تحرير سيناء تمثل درسًا عظيمًا فى الوطنية، والعمل المتكامل، والقدرة على الصمود وتحقيق الإنجاز، مهما كانت التحديات.
ومن جانبه قال السفير طارق الوسيمي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن الدولة المصرية تمتلك مدرسة وطنية فى العمل التكاملى بين أدوات السياسة والخارجية والقانون الدولي، وتحرير سيناء يؤكد قدرة مصر على توظيف كل عناصر قوتها الشاملة؛ من قوة السلاح إلى براعة الدبلوماسية، ومن تماسك الجبهة الداخلية إلى التمسك بالحقوق التاريخية والقانونية.
وأشار إلى أن الدولة تواصل اليوم نفس النهج فى مواجهة التحديات، سواء كانت إرهابًا أو تهديدات اقتصادية أو محاولات للمساس بأمنها القومي، مؤكدًا أن كل أزمة تواجهها مصر يقابلها تحرك شامل، يبدأ بالرؤية السياسية، ويعتمد على الأدوات العسكرية عند الضرورة، دون أن يغفل سلاح الدبلوماسية والقانون الدولي.
ولفت الوسيمى إلى أن ما يحدث فى سيناء الآن من تنمية غير مسبوقة، وتكامل عمرانى واقتصادى وأمني، هو امتداد طبيعى لمعركة تحريرها، حيث لا يكفى أن تُسترد الأرض، بل يجب تعميرها وتثبيت أركان الحياة عليها، وهو ما تقوم به الدولة اليوم فى مشروعات تنموية عملاقة تجعل من سيناء نموذجًا حيًّا لتكامل الجهد الوطني.
من ناحيتها قالت السفيرة منى عمر، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن مصر تمتلك خبرات متراكمة فى التعامل مع التحديات الإقليمية والدولية، وتتبنّى رؤية واضحة تعتمد على الحكمة، والتمسك بالقانون الدولي، واستخدام أدوات دبلوماسية متنوعة لحل النزاعات، بما يحقق الاستقرار والتنمية لشعوب المنطقة.
وبيّنت أن تجربة تحرير سيناء تُعد نموذجًا فريدًا فى كيفية توظيف الآليات السلمية والسياسية فى استعادة الحقوق، وتحقيق السيادة الكاملة على الأرض المصرية دون اللجوء إلى نزاعات مفتوحة.
وأضافت السفيرة منى عمر لـ «روزاليوسف» أن الفريق المصري الذي تولّى مفاوضات تحرير سيناء بعد حرب أكتوبر 1973 كان يتمتع بدرجة عالية من الكفاءة والوعي، وتعامل بحذر وحكمة مع كافة التفاصيل، حيث تم تدقيق كل لفظ وكل بند فى الاتفاقيات الدولية.
واستعانت مصر بالقانون الدولى وقرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة، ما عزّز من موقفها التفاوضي، وأثبت أن استعادة الأرض يمكن أن تتم من خلال أدوات السياسة الرشيدة والمواقف الصلبة المدعومة بالشرعية الدولية.
وأشارت إلى أن نموذج تحرير سيناء يجب أن يبقى مرجعًا دائمًا فى كيفية استخدام أدوات القانون والسياسة لتحقيق أهداف كبرى دون إراقة الدماء.
بالقانون والأدلة
أكد الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي، أن استعادة مصر لأرض سيناء تمثل نموذجًا فريدًا فى التاريخ المعاصر للتكامل بين الجهود العسكرية والدبلوماسية والقانونية، ودرسًا مهمًّا فى كيفية تعامل الدول مع التحديات المصيرية التي تواجه سيادتها الوطنية.
وقال مهران لـ «روزاليوسف» إن ما يُميز تجربة تحرير سيناء أنها لم تعتمد على بُعد واحد فى مواجهة الاحتلال، بل مثّلت استراتيجية متكاملة جمعت بين قوة السلاح، وبراعة الدبلوماسية، وصلابة الموقف القانوني.
وأشار إلى أن التجربة المصرية فى تحرير سيناء تقدم نموذجًا فريدًا للدول التي تواجه احتلالًا لأراضيها، والدرس الأهم هو أن الحقوق لا تسقط بالتقادم، وأن الصبر الاستراتيجى المقترن بالعمل الجاد على كافة المستويات هو السبيل لاستعادة الحقوق المسلوبة.
بينما يرى الدكتور مصطفى البنان، المفكر القانوني، أن تجربة طابا تكشف عن كيفية تحويل القانون الدولى من مجرد نصوص أكاديمية إلى سلاح عملى لاستعادة الحقوق.
وتابع: التحدى لم يكن فى وجود الوثائق فقط، بل فى صياغتها قانونيًا ودمجها فى حُجّة متماسكة أمام هيئة تحكيم حيادية.
ولفت إلى أن جوهر النجاح المصري تمثل فى بناء “سردية قانونية” قوية، بدأت من خرائط الحقبة العثمانية، وانتهت بالشهادات المعاصرة، ما جعل ادعاءات إسرائيل تنهار تحت وطأة الحقائق المتراكمة.
واستطرد: لم يكتفِ الوفد المصري بالدفاع، بل بادر بوضع إسرائيل فى موضع التشكيك والتناقض، واعتمدت مصر على قوة المنهج والمنطق القانوني، وهذا النهج يجب أن يُدرس، لا فقط فى كليات القانون، بل فى مؤسسات صنع القرار العربي.
وقال الدكتور أبوبكر الضو، عضو مجلس نقابة المحامين، إن معركة استعادة الأرض لم تنتهِ بانتصار أكتوبر العسكري، بل كانت البداية لمسار طويل من الكفاح السياسى والقانوني. واستخدمت مصر حقها القانونى فى تحرير سيناء، مشيرًا إلى أن قضية طابا تمثل درسًا فى كيف يمكن استخدام القانون الدولى بفاعلية، بشرط الإعداد المحكم. وقد لعبت مصر بأوراقها القانونية بمهارة عالية، والنتيجة النهائية هى أن النصر لا يكتمل إلا إذا أُحسن استخدام جميع أدوات الدولة.