عاجل
الخميس 17 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البنك الاهلي

"إيكاروس ومستقبل العلم".. كيف تحققت تصورات الفيلسوف برتراند راسل لمستقبل العلم؟

الفيلسوف برتراند رسل
الفيلسوف برتراند رسل

هل سبق لك أن فكرت في المستقبل وكيف سيؤثر العلم في حياتنا؟ في كتابه "ديدالوس"، تخيل العالِم البريطاني "هالدين" أن اكتشافات العلم ستفتح أمام البشرية أبوابًا جديدة للسعادة والرفاهية. وكان يعتقد أن العلم سيحل الكثير من المشاكل، ويجعل الحياة أفضل بكثير..



 لكن الفيلسوف البريطاني الشهير برتراند راسل كان له رأي مختلف، حيث كان يحذر من أن هذا التفاؤل قد يكون مبالغًا فيه. بالنسبة له، كان العلم بالفعل يحمل إمكانيات كبيرة، ولكن هناك أيضًا تحديات قد تجعل هذه الإمكانيات تُستخدم بطرق قد لا تكون لصالح الجميع.

كان راسل يدرك جيدًا أن العلم لا يعمل في فراغ، بل في ظل بيئة سياسية واقتصادية معقدة، ورغم أن العلم يمكن أن يُحسن حياتنا بطرق عديدة، إلا أن هناك أيضًا خطرًا في أن يُستغل بطرق تخدم مصالح قوى اقتصادية معينة دون أن تعود بالنفع على الجميع.

 

كيف مات "إيكاروس" بعد التحليق في السماء دون تقدير مخاطر العلم؟

في الأساطير اليونانية، تروي قصة إيكاروس ووالده دايدالوس اللذان صمما جناحين مصنوعين من الريش والشمع لكي يهربا من متاهة في جزيرة كريت.

 كان إيكاروس متحمسًا للغاية وأراد الطيران عاليًا في السماء، فحلّق فوق المسافات المشرقة.  لكن، وبسبب غروره، اقترب من الشمس، مما أدى إلى ذوبان الشمع في جناحيه. نتيجة لذلك، سقط إيكاروس ومات.

هذه القصة تعكس التحذير من تجاوز الحدود والاستخدام المفرط للقوى التي لا نفهم تمامًا تبعاتها، مثلما تحطمت طموحات إيكاروس بسبب الجشع البشري وعدم تقدير المخاطر، يمكن أن يضرنا التقدم العلمي والتكنولوجي إذا تم استخدامه بشكل مفرط أو غير مسؤول.

 

 

العلوم بين التقدم والتحكم أو "الاستخدام الواعي"

يُصنف راسل العلوم إلى ثلاثة أنواع رئيسية: الفيزيائية، البيولوجية، والأنثروبولوجية.

 بينما نعرف جميعًا أن الإنجازات العلمية في مجالات مثل الفيزياء والكيمياء قد غيرت العالم بشكل جذري، نجد أن للعلوم البيولوجية والأنثروبولوجية تأثيرًا أعمق على حياتنا اليومية.

 فعلى سبيل المثال، يمكن للعلوم البيولوجية أن تُحسن من جودة حياتنا بشكل كبير، مثل اكتشاف علاجات جديدة للأمراض أو تحسين المحاصيل الزراعية، ولكنها قد تخلق أيضًا تحديات أخلاقية وتثير أسئلة عن كيفية استخدامها.

وبالنسبة للعلوم الفيزيائية، فإن تأثيرها على الثورة الصناعية كان واضحًا؛ فقد ساهمت هذه العلوم في تطور التقنيات التي زادت من القدرة الإنتاجية بشكل غير مسبوق.

 ومع ذلك، كان راسل يشير إلى أن هذا التقدم العلمي قد لا يكون دائمًا لصالح الجميع.

 ففي ظل الهيمنة الاقتصادية القائمة، قد يُستخدم هذا التقدم فقط لتعزيز القوة الاقتصادية لبعض الدول والشركات الكبرى، مما يزيد من التفاوتات الاجتماعية بدلًا من تحسين رفاهية الإنسان بشكل عام.

 

تأثير التكنولوجيا على حياتنا في عالمنا المعاصر

اليوم، تحققت العديد من الأفكار التي حذر منها برتراند راسل، حيث نجد التكنولوجيا الحديثة أصبحت قوة دافعة قوية وراء التغيرات الاجتماعية والاقتصادية.

 من الهواتف الذكية إلى الذكاء الاصطناعي، أصبحت حياتنا تعتمد بشكل متزايد على التكنولوجيا، وفي الوقت ذاته، جعلت هذه التكنولوجيا من السهل الوصول إلى المعلومات والتواصل مع الآخرين، لكنها تسببت أيضًا في آثار جانبية.

 فعلى الرغم من أن التكنولوجيا قد أتاحت لنا إمكانية التواصل على نطاق واسع، إلا أنها قد تكون قد أثرت سلبًا على الروابط الاجتماعية التقليدية. بدلًا من الاجتماع وجهًا لوجه، أصبحنا أكثر عزلة ونكتفي بالتواصل عبر الشاشات.

كما أشار راسل في أعماله، فإن التقدم التكنولوجي قد يعزز من الفروق بين الأفراد ويخلق انقسامات عميقة في المجتمع.

صحيح أن العلم والتكنولوجيا يمكن أن يساعدا في تحقيق بعض أشكال العدالة الاجتماعية من خلال تحسين الصحة والتعليم، إلا أن الاعتماد الكبير على التكنولوجيا قد يؤدي إلى فقدان التواصل الحقيقي بين الأفراد، وبالتالي يضعف الترابط الاجتماعي.

 فالتكنولوجيا قد تعزلنا، مما يؤدي إلى ظواهر مثل الانعزال الاجتماعي، حيث يفضل الناس التفاعل مع الآلات والشاشات بدلاً من التفاعل مع بعضهم البعض في الحياة الواقعية.

 

كيف أدت وسائل الاتصال إلي تحول في الترابط الاجتماعي

قبل اختراع الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، كانت العلاقات الاجتماعية تتم بشكل طبيعي في المجتمع، وكان الناس يلتقون في أماكن عامة، ويتبادلون الآراء والأفكار شخصيًا، بينما مع ظهور منصات مثل فيسبوك وتويتر، بدأنا نرى تغيرًا في طريقة تفأعلنا، وبالرغم من أن هذه الوسائل قد ساعدت في توسيع دائرة المعرفة والتفاعل، إلا أنها أسهمت أيضًا في العزلة الاجتماعية.

كما باتت الكثير من المحادثات سطحية وغير حقيقية، حيث يتواصل الناس مع بعضهم عبر الرسائل النصية أو التعليقات، بعيدًا عن الاتصال الحقيقي. كما أن الخوارزميات التي تتحكم في هذه الوسائل تساهم في ترويج الأخبار المضللة والمحتويات التي تعزز الانقسامات الاجتماعية، مما يؤدي إلى ضعف الترابط الاجتماعي الذي كان سائدًا في السابق.

 

مخاطر واستخدامات العلم

رغم كل ما تحقق من تقدم علمي في القرن العشرين، كان راسل دائمًا يذكر أن هذا التقدم يجب أن يُستخدم بحذر. فالعلم لا ينبغي أن يُستخدم فقط لزيادة القوة العسكرية أو الهيمنة الاقتصادية، بل يجب أن يكون أداة لتحسين حياة البشر بشكل عادل. يجب أن نحرص على أن يساهم العلم في تحقيق العدالة الاجتماعية وتقليص الفوارق بين الناس، وليس توسيعها.

يجب أن نعرف أنه لا شك أن العلم يحمل إمكانيات هائلة لتحسين حياة البشر. ولكن، كما يشير راسل، يجب أن نكون واعين بكيفية استخدام هذه الإمكانيات، لأن العلم يمكن أن يكون قوة إيجابية تغيّر العالم نحو الأفضل، لكن بشرط أن يتم توجيهه في خدمة الإنسان ومصلحته العامة، بعيدًا عن الهيمنة الاقتصادية أو الاستغلال السياسي.

التحدي الأكبر أمامنا اليوم هو أن نتأكد من أن التقدم العلمي يُستخدم لصالح الجميع، وأن لا يصبح أداةً في يد قلةٍ لزيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء. فمستقبل العلم لا يتوقف عند اكتشافات جديدة، بل يتوقف على كيفية استخدامنا لهذه الاكتشافات في تحسين حياتنا بشكل عادل ومستدام.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز