عاجل
الإثنين 12 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي

شحاتة زكريا يكتب: ترامب.. المئة يوم الأولى بين الوعد والارتباك

لم تكن المئة يوم الأولى من ولاية دونالد ترامب الثانية سوى عرض مسرحي صاخب، يحاول فيه الممثل أن يعيد إحياء شخصية سبق أن أرهقت جمهورها. فقد دخل البيت الأبيض متسلحا بوعده القديم بـ"أمريكا أولًا"، محاطا بأغلبية جمهورية فى الكونجرس ومتوهجا بشعارات القوة والسلام والنصر الاقتصادي. لكن الواقع كعادته لا يُروّض بالشعارات ولا يستجيب للحناجر المرتفعة.



جاء ترامب هذه المرة أكثر ثقة وأقل صبرا. وعد بإنهاء الحرب في أوكرانيا فورا وبفرض السلام في غزة وبترويض الصين اقتصاديا. ومع مرور المئة يوم لم يتحقق وعد واحد من تلك الوعود. انسحب من أوكرانيا فعلا. لكن الحرب لم تتوقف بل تحولت إلى استنزاف أطول وعلاقات أمريكا مع شركائها الأوروبيين تدهورت بصورة لافتة. أما في غزة فالدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل فاق كل التوقعات وبدلا من السعي نحو حلول عادلة تبنى ترامب مشروع "التهجير الناعم" كأن فلسطين أرض بلا شعب.

على الصعيد الاقتصادي قرر ترامب أن يبدأ معركة الرسوم الجمركية بلا تمهيد ولا حلفاء. رفع التعريفات الجمركية على واردات صينية وأوروبية بنسب قياسية، ووجدت أمريكا نفسها في مواجهة مزدوجة: خصومها من الخارج وشركاتها ومستهلكوها من الداخل. قفزت الأسعار وتعطلت سلاسل الإمداد وبدأت ملامح الركود تلوح في الأفق، رغم كل محاولات التجميل اللفظي من البيت الأبيض. البنك الفيدرالي حذر من ارتفاع التضخم وسوق العمل لم يبدُ في حالة أفضل من ذي قبل. وعود خفض الضرائب ورفع الأجور باتت مؤجلة إلى إشعار آخر.

لكن الأخطر ربما هو ذلك السعي الحثيث لإعادة تشكيل مؤسسات الدولة الأمريكية لا بهدف الإصلاح بل لإقصاء المخالفين. يستهدف ترامب الجامعات بحجة محاربة الفكر اليساري ويطارد الإعلام غير الموالي ويشكك في كل ما هو "مؤسسي" و"مستقل". وكأن خصمه الحقيقي ليس الصين ولا روسيا بل روح الديمقراطية الأمريكية ذاتها.

ما يقلق أكثر هو تلك اللغة التصادمية التي باتت تغلف خطابات الإدارة الجديدة. خطاب لا يعترف بالاختلاف ولا يؤمن بالتفاوض، ولا يترك مساحة للمرونة. عالم اليوم لم يعد يحتمل زعامات منفردة تصنع الحروب في غرف الاجتماعات. العالم بات شبكة مصالح متداخلة، لا يمكن فك عقدها بالشعارات النارية وحدها.

ترامب الذي يعِد أنصاره بالولاية الثالثة لم يستوعب على ما يبدو أن الزمن تغيّر وأن "قوة أمريكا" لم تعد تكفي لإقناع الآخرين بل إن الأمريكيين أنفسهم بدأوا يشكّكون في روايته. فبحسب استطلاعات الرأي نسبة الرافضين لأدائه في تصاعد وحالة الانقسام الداخلي بلغت ذروتها.

المئة يوم الأولى كشفت عن خلل في الرؤية وتسرع في التنفيذ وغياب لأي مراجعة أو نقد ذاتي. لكن هل يستدرك ترامب ما فات؟ أم يواصل السير نحو مزيد من الصدامات والعزلة؟ الأرجح أن قطار الشعبوية لا يعود إلى الوراء بل يمضي بأقصى سرعة حتى لو كانت نهايته الارتطام بالجدار.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز