

د. عادل القليعي
أيها الغرب.. لا لائمة عليكم!
مقالتي قد تثير شجونا عند كل من هو مهموم بأمتنا العربية والإسلامية وقضاياها ومشكلاتها التي لا تتوقف ولا تنقطع، لكن السؤال الذي يطرح نفسه أو يطرحه فقه الواقع، من الذي وضعنا في هذه المشكلات.
الإجابة واضحة بذاتها بأيدينا نحن لا بأيدي الآخرين، نحن من وضعنا أنفسنا في هذه المآزق، ولا سبيل إلى الخروج منها إلا من خلالنا نحن، فما حك جلودنا مثل أظافرنا لكن كيف، هيا لنرى.
ما نراه اليوم من مستجدات وأمور مستحدثة طرأت على أمتنا العربية والإسلامية لأمر يثير العجب العجاب لماذا؟ا. لأننا كنا خير أمة أخرجت للناس تحسدنا جميع الأمم ولا سيما الأمم الغربية التي كانت تعيث في ظلام دامس فترة العصور الوسطى.
ثم ومع بدايات القرن السادس عشر عصر النهضة الأوروبية وعصر الثورة الصناعية والتحرر من قيود السلطة الدينية التي استغلتها السلطة السياسية أسوأ استغلال، بدأت تلملم شعثها وأخذت في النهوض والتقدم بل وأحدثت أنواع من الصحوة العلمية.
ونحن أمة المعصوم ﷺ أخذنا في العود القهقرى إلى الخلف، أمة في ما يقارب المئة عام وضعت قدما في الأندلس والأخرى في الصين، أمة فاقت جميع الأمم، وتقدمت في كل مناحي العلوم في الطب والفلك والكيمياء والطب والفلسفة والتاريخ والجغرافيا والفنون والعمارة والزخارف.
ثم تقهقرنا إلى الخلف وبدأنا في الانهيار على كل المستويات الثقافية والحضارية والعلمية بل وصرنا ناقلين مقلدين فبعد أن كان الجميع يتعلم منا صرنا نقلد تقليدا أعمي للموضة وقصات الشعر وفساتين السهرات، وغيرها من الأمور التي ما أنزل الله بها من سلطان.
وكما أقول لا نلقي باللائمة على أحد لا نقول الغرب أرادنا كذلك لا أنت بوعي أو بغير وعي الذي أردت ذلك وقفت منبهرا أمام التقنيات الحديثة-ولا نرفض التقنية الحديثة وثورة المعلومات -ولكن الذي نرفضه الانقياد الأعمى دون روية أو تؤدة.
الغرب يغازلنا بمغرياته المادية ونحن نتغزل فيما يغازلنا به بل ونرقص معه حيث يرقص، فحدث ما حدث فقدان للوعي الثقافي وفقدان للهوية العربية وأصبحنا متفرنجين في حياتنا وفي لغتنا وفي عاداتنا وتقاليدنا.
استبدلنا لغتنا الأصيلة بلغة البيبسي والكوكاكولا والبرجر، والحجة المواكبة والمعاصرة، هذه ليست مدنية حديثة ولا معاصرة بل انسحاق قيمي وحضاري وفقدان للشخصانية وذوبانها فى الآخر الذي لا يتشبه بك ولا يقلدك وإذا ما فعل قلدك فى ما هو نافع ومفيد.
وهذا ما كان يحلم به الغرب أن يضعك في غربة عن ذاتك في حين أنه يعلم ذاته تمام العلم. ولعل سائل يسألنا لماذا كل هذا وما السبيل إلى عودتنا سيرتنا الأولى؟!
أقول ثم أيديولوجيات للعودة دونما إفراط أو تفريط، بمعنى دونما انغماس بالكلية فى الماضي والتقوقع والتمركز حوله، أو الانغماس بالكلية في الحداثة والمعاصرة ولكن عن طريق المواءمة والتوفيق بينهما.
أقول كل إنسان يحب وطنه ويحب عروبته ويحب دينه أيا كان هذا الدين لا بد أن يسأل نفسه هذا السؤال ويلح في السؤال، بل ويقف طويلا ويفكر في سيكلوجية هذا السؤال، لماذا وكيف صرنا وكيف الخلاص من هذا الوهن والضعف.
وأي ضعف لما تنظر وتري رؤوس الشياطين شياطين الإنس يخططون للاستيلاء على مقدراتنا وعلى أراضينا وعلى قدسنا ومقدسنا الحبيب، والكل خانع راكع وأقف متفرجا وحتى إذا عبّر عن رفضه يرفض من طرف خفي.
يخشى أن تصيبه لعنة أو تنزل عليه لعنات الرب الذي هناك، ما لكم كيف تحكمون مالكم ماذا تقولون لله حينما تقفون أمامه، ما لكم كيف تنظرون في وجه المعصوم ﷺ ويسألكم ماذا فعلتم في أمانتي هل حافظتم عليها ماذا ستقولون لعمربن الخطاب فاتح القدس الشريف في عزة وقوة.
وهو يسألكم عن أمانة القدس الشريف، ماذا ستقولون لصلاح الدين الأيوبي الفاتح، حالنا يرثى له والله حالنا يرثى له.
يا أبناء عروبتي يا أبناء أوطاننا الفرصة لا تزال موجودة ولم تضع بعد طالما أننا موجودون ارفعوا الحجاب عن أبصاركم وبصائركم واستعصموا واستمسكوا بحبل الله المتين (واعتصموا بحبل الله جميعا).
استمسكوا بالعروة الوثقى لا انفصام لها، لا أحد يستطيع أن يفك هده العروة لأن عراها متينة وحياكتها معمولة بإتقان (ولا تفرقوا) ولا تتشرذموا ولا تكونوا كالذين تفرقوا من بعد ما جاءتهم البينة.
والبينة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، دين الله القيم، لا تتحزبوا ولا تكونوا كل حزب بما لديهم فرحون، وإنما اجعلوا تحزبكم لحزب واحد وتوجه واحد هو رأب الصدع ولملمة بعضنا بعضنا في صف واحد نسبح تسبيحة واحدة تدوي وتصل إلى أعنان السماء ونصلي صلاة واحدة هي صلاة العودة إلى سيرتنا الأولى. ونبتهل للإله أن يجمع تشتتنا وتفرقنا وتشرذمنا وأن يوحد كلمتنا ضد من يريد أن يغتصب مقدراتنا ومقدساتنا وأراضينا.
فوالله لا تأكل الذئاب إلا من الغنم الشاردة القاصية، ولا يجتمع لئام القوم علينا إلا إذا صرنا لئام والحمد لله نحن لسنا خبثاء ولا لئاما. أروا الله منكم خيرا كل في مجاله.
الطبيب، المهندس، الفلاح، المفكر الفيلسوف الضابط، كل يشمر ساعد الجد للنهوض بأمته ببلده بوطنه بدينه بفكره بثقافته، بعلمه ولا تكونوا كغثاء السيل تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها، فنحن كثير ونتمنيطى ألا نكون كغثاء السيل.
هذه ليست معضلة المهم يكون لدينا العزم والنية لفعل ذلك لا أن ننتظر من سيأخذ الخطوة، كل يبدأ بنفسه ويأخذ بيد أخيه للوقوف صفا واحدا متحدين مقبلين غير مدبرين، هل هذا صعب، (فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا واطيعوا) سورة التغابن من الآية 16.
أستاذ بآداب حلوان