
قناة السويس تقود التحول نحو الممرات الخضراء
دراسة حديثة: مصر لديها مقومات الريادة فى تبنى مبادرات الأخضر على مستوى إفريقيا

سلوى عثمان
أكدت دراسة حديثة أعدها الراحل دكتور مهندس أحمد سلطان، رئيس لجنة الطاقة بنقابة مهندسى القاهرة، الباحث فى المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية سابقًا، أن مصر كانت من أوائل الدول التي استجابت للمناشدات الدولية بشأن الإجراءات المتعلقة بالحد من التغيرات المناخية، وذلك لتأثرها الكبير بتداعيات هذه التغيرات على مختلف القطاعات التنموية، وعندما اتجهت الدول نحو مبادرات الممرات الخضراء، شجعت مصر هذه الإجراءات التي تستهدف تحسين المناخ والبيئة، ولم يقتصر الأمر على التأييد، بل اتخذت عددًا من التدابير فى هذا الشأن.
ذكرت الدراسة أن أهم هذه التدابير توقيع هيئة قناة السويس عقودًا خاصةً مع شركة ميرسك العالمية لبدء تزويد السفن بالميثانول الأخضر على امتداد خطّ ميرسك الملاحى العالمى، حيث أعلنت مصر عن نجاحها الفعلى فى تزويد سفينة حاويات بالوقود الأخضر فى ميناء شرق بورسعيد، وهو ما يمثّل الخطوة الأولى نحو التحول صوب إنشاء الممرات الخضراء.
وجاء فى الدراسة أن مصر اتخذت خطوات ملموسة نحو تبنى مبادرة الممرات الخضراء، إذ وافق مجلس إدارة الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس على توقيع مذكرة تفاهم مع ميناء روتردام الهولندى بشأن هذا الموضوع، موضحًا أن محاور المذكرة تشمل استحداث ممر أخضر لتموين السفن بالوقود الأخضر يمتد من سنغافورة إلى روتردام، مرورًا بموانئ المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وبذلك سيصبح هذا الممر الأخضر الأول من نوعه الذي يربط بين آسيا وأفريقيا وأوروبا لتزويد السفن بالوقود الأخضر.
كما تضمنت المذكرة، تعزيز التعاون فى مجالات الوقود الأخضر عبر إنشاء ممر مخصص للوقود الأخضر المنتج داخل المنطقة الاقتصادية، بحيث يتجه إلى ميناء روتردام ليصبح مركزًا للانطلاق نحو الأسواق الأوروبية، إذ تعد هذه الخطوة بمثابة إشارة واضحة إلى التزام مصر بتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتعزيز دورها فى دعم الجهود العالمية للحد من الانبعاثات الكربونية فى قطاع النقل البحرى.
وتبنت هيئة قناة السويس، استراتيجية شاملة لتحويل القناة إلى ممر أخضر، تشمل مجموعة من الإجراءات والمبادرات الطموحة، بدأت بتطوير 16 محطة إرشاد على طول المجرى الملاحى، لتحويلها للعمل بالطاقة الهجينة المتجددة “الشمسية والرياح” بدلًا من الطاقة التقليدية، كما تعمل الهيئة على تحويل أسطول سياراتها للعمل بالغاز الطبيعى كبديل أنظف للوقود الأحفورى، وتسعى أيضًا إلى إبرام اتفاقية مع شركة عالمية متخصصة فى إدارة النفايات، بهدف جمع وتدوير المخلفات الصلبة والسائلة من السفن العابرة لقناة السويس.
وكشفت الدراسة، أن هذه الإجراءات أسفرت عن نتائج ملموسة، إذ انخفضت الانبعاثات الكربونية فى القناة بنحو 31 مليون طن خلال عام 2021 مقارنة بالمسارات البديلة، وتم توفير 10.3 مليون طن من الوقود، كما ساهمت قناة السويس الجديدة فى توفير 53 مليون طن مكافئ لثانى أكسيد الكربون، وتعكس هذه الجهود التزام هيئة قناة السويس بتحقيق أهداف التنمية المستدامة، والمساهمة بفعالية فى الجهود العالمية للحد من الانبعاثات الكربونية فى قطاع النقل البحرى، وبشكل عام تواجه مشروعات التحول إلى ممرات خضراء والسعى نحو اتخاذ إجراءات فعلية للتخفيف والتكيف مع القضايا المرتبطة بالمناخ،
وذكرت الدراسة مجموعة من التحديات، منها: “ارتفاع تكلفة التحول من الممرات التقليدية إلى ممرات خضراء لاسيما ممرات الشحن والوقود الأخضر، فضلًا عن مقاومة قطاعات كبيرة من شركات الشحن والنقل الدولية وشركات البترول والوقود التقليدى لفكرة الممرات الخضراء، بسبب ارتفاع تكلفة التحول اللوجستى للوقود الأخضر، مما قد يؤدى إلى ارتفاع تكلفة سلاسل الإمداد فى حال التحول، إضافة إلى تأثر القطاعات النفطية، مما قد ينعكس سلبًا على العاملين بها، بالإضافة إلى الحاجة إلى قدرات تقنية لدى العمالة فى القطاعات التقليدية تستوجب تدريبهم على تكنولوجيات التحول اللوجستى الأخضر، فالجزء الفنى المرتبط بعمل السفن والسكك الحديدية والطرقات بالوقود الأخضر يتطلب المعرفة والتدريب المكثف على تقنيات التحول الى الوقود الأنظف”.
وتطرقت الدراسة، إلى مشروع الممر الأخضر أفريقيا ودور مصر، إذ أكدت أن مصر ستلعب دورًا هامًا ورئيسيًا فى مشروع ممر الطاقة الخضراء “Green Corridor” بأفريقيا، ويشمل المشروع تنفيذ مشروعات لاستغلال الطاقات المتجددة بالدول الأفريقية، وربط هذه المشروعات بشبكة للربط الكهربائى بهدف تبادل الطاقة المنتجة، وتتطلع مصر لإنجاز مشروع ممر الطاقة الخضراء بما فيه صالح جميع الدول الأفريقية.
ولا شك أن مشروعات الممرات الخضراء تواجه بعض التحديات، إلا أن هذا لا يعنى غياب الفرص، بل على العكس، تمتلك مصر من الموارد والقدرات والمكانة ما يؤهلها لتدشين هذه المشروعات بنجاح، مما سينعكس إيجابًا على وضعها الاقتصادى والبيئى على حد سواء.