
عندما يتحول الشغف إلى أذى
عاجل| "التنمر" يطارد نجوم قطبي كرة القدم.. الأهلي والزمالك

محمد يحيى - شريف مدحت
في شوارع مصر، وعلى المقاهي، وفي بيوت العائلات، لا صوت يعلو فوق صوت كرة القدم. هي المتنفس الأكبر للملايين، ومصدر فرحهم وألمهم.
الأهلي والزمالك، قطبا الكرة المصرية، يمثلان أكثر من مجرد ناديين؛ هما كيانان يختزلان في داخلهما الانتماء، والهوية، وحتى الولاء. لكن في السنوات الأخيرة، وفي خضم هذا العشق الجارف، تحوّل الكثير من هذا الشغف إلى تنمر إلكتروني وعدائي ممنهج، ليس ضد الفرق فقط، بل ضد اللاعبين أنفسهم، من كلا المعسكرين.
من خلف الشاشات.. تبدأ القسوة
لم يعد اللاعب اليوم فقط مطالبًا بالتألق داخل الملعب، بل بات مضطرًا لتحمل سيل من الإهانات والسخرية والسباب على منصات التواصل الاجتماعي، وأحيانًا على أرض الواقع.
أي هفوة بسيطة أو تراجع في المستوى كفيل بتحويله إلى مادة دسمة لـ"الترند" و"الكوميكس".
ما بين اتهامات بالتخاذل، وتلميحات بالخيانة، تنهال عبارات لا تمت بصلة إلى النقد الرياضي، بل تغرق في الإسفاف والإساءة الشخصية.
فهناك مواقف تثور الجماهير خلالها على اللاعبين، ومن أبرزها:
اللاعب يسقط في مباراة؟
من أبرز المواقف التي لاقت تنمرا على اللاعبين عندما يسقط احد اللاعبين في مباراة، فتثور الجماهير: "كارتة"، "ما يستاهلش القميص"، "بيأكل عيش وخلاص".
يجدد عقده مع ناديه؟
كذلك من ابرز تلك المواقف عند تجديد اللاعب عقده، فتقول عنه الجماهير حال المماطلة أو الرفض: "خاين"، "باعنا"، "طماع"، "الفلوس غيرته".
الأهلي ليس استثناءً.. والزمالك كذلك
شهدت جماهير الأهلي حملات قاسية ضد بعض نجومهم، وعلى رأسهم:
- محمد شريف بعد تراجع مستواه.
- ياسر إبراهيم إثر بعض الأخطاء الدفاعية.
- محمود كهربا بعد أزمات متكررة خارج الملعب.
وبالمقابل، تعرض نجوم الزمالك لـهجوم شرس:
- أحمد سيد زيزو بعد أخبار انتقاله المحتمل للأهلي.
- عبد الله جمعة بعد تكرار إصاباته وخروجه من التشكيل الأساسي.
- محمد عبد الغني حين يتحمل مسؤولية هدف أو خسارة.
أمثلة بارزة للتنمر في الكرة المصرية
شيكابالا: قائد الزمالك وأحد أبرز لاعبيه تعرض لموجات تنمر عنصري مؤذية، وصلت لحد التشهير بأسرته، خاصة خلال مواجهات الزمالك مع الأهلي. إحدى الوقائع البارزة كانت في السوبر المصري، حيث تم تداول إساءات عنصرية بحقه من جانب بعض الجماهير. رمضان صبحي: بعد انتقاله من الأهلي إلى بيراميدز، واجه رمضان حملة قاسية من جماهير الأهلي التي وصفته بـ"الخائن"، ما أثر على صورته العامة داخل الوسط الرياضي.
محمود كهربا: تعرض كهربا للتنمر المتكرر، أبرزها بعد انتقاله من الزمالك إلى الأهلي، مع أزماته خارج الملعب، ما جعله هدفًا دائمًا للتعليقات السلبية عبر مواقع التواصل
إمام عاشور: لاعب الزمالك الذي انتقل للأهلي تعرض لحملات تنمر خاصة بعد تصرفاته مع الجماهير وخارج المستطيل، ما زاد من حدة الانتقادات والمواقف العدائية تجاهه.
كرة القدم.. لعبة أم محكمة شعبية؟
في الماضي، كان النقد الرياضي يُمارس عبر التحليل الفني في الاستوديوهات. أام اليوم، فصارت كل صفحة على "فيسبوك"، وكل تغريدة على "إكس"، محكمة شعبية تُدين وتجلد وتحكم على اللاعبين بلا رحمة، ولا فرصة للدفاع عن النفس.
وتحولت مجموعات المشجعين "الأولتراس" أحيانًا إلى منصات للتعبئة ضد لاعب معين، أو حملات للتشهير به، ما أدى إلى انهيار نفسي لدى البعض، بل واعتزال آخرين بهدوء، تحت وطأة الضغط.
اللاعب بشر.. وليس آلة تسجيل أهداف
اللاعب قد يخطئ. قد يتراجع مستواه. وقد يُغريه عرض مادي أكبر. لكنه في النهاية بشر، له حياة، وله أهل، وله كرامة.
والكلمات الجارحة التي تُقال في لحظة انفعال، قد تبقى محفورة في ذاكرته لسنوات. وقد تقتل فيه الثقة، والطموح، والحب للعبة.
ما المطلوب؟
والمطلوب الآن لحل هذه الشكلة وتجاوزها، هو:
- أن نعود للروح الرياضية.
- أن نفرق بين النقد البنّاء والتنمر.
- أن نتذكر أن المنافسة لا تعني العداء، وأن كل لاعب يمثل مصر قبل أن يمثل فريقه.
- وأن ندرك أن كرة القدم، رغم كونها مصدرًا للشغف، ليست حربًا.
وأخيرًا يبقى الأمل أن تعود المدرجات إلى رونقها، والصراخ إلى ملاعبه، والتشجيع إلى صدقه، ويختفي هذا النوع من التنمر الرياضي الممنهج، الذي إن استمر، سيحرق القلوب قبل أن يُحرز أي هدف.