الأحد 21 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

"ترامب" بين الشعبوية والانهيار.. عندما تتحول أمريكا إلى شركة خاصة

بوابة روز اليوسف

دخلت الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على عشرات الدول حيز التنفيذ، بما في ذلك رسوم جمركية بنسبة 104% على السلع الصينية، مما يؤدي إلى تعميق حربه التجارية العالمية، بحسب الوكالات.

وتأتي جولة الرسوم الجمركية المتبادلة على الواردات إلى الولايات المتحدة- في الوقت الذي هزت فيه الرسوم العقابية التي فرضها الرئيس الأمريكي النظام التجاري العالمي الذي استمر لعقود من الزمن، وأثارت مخاوف من الركود ودفعت الأسهم العالمية إلى الانخفاض بشكل حاد.

 

وأغلق مؤشر ستاندرد آند بورز 500 دون مستوى 5000 نقطة لأول مرة، وفقًا لتقارير رويترز، حيث خسرت شركات المؤشر ما قيمته 5.8 تريليون دولار من قيمتها السوقية منذ أن كشف ترامب عن الرسوم الجمركية الأربعاء الماضي.

 

وكان ترامب قد ضاعف الرسوم الجمركية على الواردات الصيني، والتي كانت مُحددة بنسبة 54% الأسبوع الماضي، ردًا على الرسوم الجمركية المضادة التي أعلنتها بكين الأسبوع الماضي، وتعهدت الصين بالقتال حتى النهاية في مواجهة ما تعتبره ابتزازًا.

 

ترامب بين الشعبوية والانهيار: عندما تتحول أمريكا إلى شركة خاصة

 

في محاولة لفهم كيف يفكر دونالد ترامب، لا يمكننا فصل رؤيته السياسية عن خلفيته كرجل أعمال اعتاد على قواعد السوق لا قواعد الدبلوماسية. تلك الرؤية التي يبدو أنها استمدت روحها من مسلسل الواقع “The Apprentice”، حيث لُقِّن ترامب ثلاث قواعد "للنجاح" في الحياة العامة: هاجم، لا تعترف، وادعِ النصر دائماً. هذه القواعد لم تكن يوماً مرجعًا في علم إدارة الدول، لكنها للأسف أصبحت بوصلة لترامب في السياسة الدولية.

 

يعتمد ترامب في سياساته، خاصة الاقتصادية، على شعار واضح: "أمريكا أولاً"، لكن الترجمة الواقعية لذلك الشعار كانت "أمريكا وحدها". لقد أعلن حربًا تجارية عالمية تحت غطاء فرض رسوم جمركية لحماية الاقتصاد المحلي، ظناً منه أن الدول الأخرى ستصمت أو تستسلم. إلا أن النتائج جاءت عكسية تماماً، فقراراته جمّعت خصومه السياسيين والاقتصاديين، بل ووحّدت أوروبا، والصين، واليابان، وكوريا الجنوبية في جبهة موحدة ضده، على الرغم من خلافاتهم التاريخية.

 

ترامب، الذي يعتقد أن أكثر من نصف الشعب الأمريكي لا يحمل جواز سفر، قرر أن يتعامل مع العالم على هذا الأساس؛ وكأن الجهل بالشأن الخارجي أصبح مبررًا للعزلة والانغلاق. لكن السياسة الدولية لا تحتمل العفوية ولا العنترية، بل تُبنى على معادلات دقيقة من التوازن بين المصالح، والتحالفات، والأمن القومي.

 

السياسة بالمنطق التجاري: وصفة للكارثة

 

يكمن الخطأ الأكبر في خلط ترامب بين إدارة شركة وإدارة دولة. فالرئيس الذي تعوّد على توقيع الصفقات وملاحقة الأرباح، حاول أن يطبق نفس العقلية على توازنات دولية معقّدة. فرفع الرسوم الجمركية كأنه يرفع أسعار منتجات منافسيه في السوق، متناسيًا أن خصومه هنا دول عظمى تمتلك أدوات ردع سياسي واقتصادي، بل وإعلامي أيضًا.

 

التداعيات لم تتأخر، فقد خسرت الأسواق الأمريكية تريليونات الدولارات، وانخفضت المؤشرات، واضطربت الأسواق العالمية. حتى البورصات الآسيوية تأثرت سلبًا، باستثناء خجول لبورصة شنغهاي. قرارات ترامب، التي وصفها في أحد خطاباته بأنها "أسطورية"، كانت كارثية بكل المقاييس، فاقتصاد بلاده تلقى ضربات مباشرة، وسوق المال الأميركي فقد ما يقرب من 5.8 تريليون دولار من قيمته السوقية.

 

ترامب في السياسة الخارجية: بين بوتن ونتنياهو

 

بعيدًا عن الاقتصاد، تكشف تحركات ترامب الخارجية عن انحيازات شخصية واضحة، لا تنبع من مصالح أمريكية بقدر ما تعكس مزاجه الشخصي وعلاقاته الخاصة، خصوصًا مع نتنياهو وبوتين. دعم غير محدود لإسرائيل، واحتقار متكرر للمؤسسات الغربية، وتجاهل متعمد لحلفاء الولايات المتحدة التقليديين، مقابل مغازلة الخصوم، كل ذلك يشير إلى نمط خطير من الإدارة السياسية يعتمد على الأهواء أكثر من الاستراتيجيات.

 

ليس سرًا أن ترامب في ولايته الأولى قد تبنى رؤية “القنفذ الفولاذي” التي تهدف إلى تمكين إسرائيل لتكون القوة المطلقة في الشرق الأوسط، حتى لو كان الثمن هو تصفية القضية الفلسطينية بشكل كامل، وهو ما يتضح في طرحه لترحيل الفلسطينيين من غزة إلى مصر والأردن، وتهديده المباشر لقناة السويس كممر عالمي.

 

النتيجة: انكشاف الغطاء

 

ترامب، الذي حاول خداع الناخب الأمريكي بأنه المدافع عن الطبقة الوسطى، ظهر في صورته الحقيقية: زعيم انتهازي، ديكتاتوري النزعة، يضحي بمستقبل بلاده من أجل مكاسب آنية أو انتصارات سياسية وهمية. سياساته جعلت العالم يعيد النظر في مركزية الدولار كعملة للتجارة العالمية، وفتحت شهية القوى الدولية على تقليص الاعتماد على أمريكا.

 

الولايات المتحدة، بقيادة ترامب، لم تكن مجرد قوة تتراجع، بل تحوّلت إلى عبء على النظام العالمي، وتهديد له، في وقت يبحث فيه العالم عن التعددية والاستقرار. واليوم، وبعد كل ما جرى، لم يعد السؤال هو: هل ترامب على حق؟ بل أصبح: كم من الوقت يمكن لأمريكا أن تتحمل عبث رجل لا يؤمن إلا بنفسه؟

 

 

 

تم نسخ الرابط