
د. إيمان ضاهر تكتب: نور البدر في ليلة القدر

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، المتفضل على عباده المؤمنين بمواسم الرحمة والمغفرة إلى يوم الدين.
وسميت بليلة القدر لأنه نزل فيها كتاب ذو قدر، على لسان ملك ذي قدر، على أمة لها قدر.
يا الله يا أقرب لي من نفسي، أبلغني ليلة القدر، يا الله يا خالق السماء والأرض والخضراء وحدائق الورد، قويني على نفسي نجيني من عذاب النار واغفر لي ذنبي يا غفار. يا خالق الهلال والبدر، اكرمني في ليلة القدر.
تزوّد لليلة القدر بنوم كافٍ، واغتسال وتطيب، ولبس أجمل الثياب، فقد تكون أعظم عيد يمر بك في حياتك، عيد يكتبك الله فيه من سكان الجنة. حيث النفس تصبح عروسا ..والحياة كلها ليلة القدر... ليلة القدر ، الرحمة المهداة ، والنعمة المسداة ، الحمدالله العليم الذي خلقنا ولم يتركنا سدى، وأنعم علينا بنعمة الوجود ودين الاسلام ثم بثراء الإيمان والهدى وأكرمنا بالرسول الكريم عليه الصلاة والسلام محمد المقتدى، سبحان من سواه، في الخلق جمله، سيدي محمد حبيب الله.
الحمد لله الذي أنعم علينا بليلة القدر، شغفنا بها حبا، وقلوبنا تحتفل بها استذكارا لليلة الوحي الأول على حبيبنا محمد المصطفى، الليلة المباركة، ليلة القدر "خير من الف شهر".
أليست هي مجيء الرسول محمد حبيب الله تعالى لاستقبال الكلمة الالهية للوحي والإلهام؟ خير الهدى، هدى محمد، إماراتها طلب الأجر والثواب ونعمة المغفرة، فمن احياها بالصلاة والصدقة "ومن قامها وابتغائها ثم وفقت له غفر له ما تقدم من ذنبه وتأخر".
أليست ليلة القدر عطية مباركة للمؤمن؟ أليست صلوات ليلة القدر نداء إلى الكون؟ ليلة القدر صلاة، قوة الصلاة اعظم مما يتصور البشر، الصلاة أخت الحب المرتعشة، صلوات تخترق السماء بالنقاء اساس الحق في القرآن. الحوار والتواصل الروحي مع الله عز وجل، الصلاة بقلب خاشع والصبر أعظم الدعاء، أن نصلي ولا نسأل، واليس هذا هو طموح الروح في هذه الليلة السحرية؟ ليلة روحية للحكم الفائقة، قوى الصلاة والطاقة الإيجابية لكي نشعر بندى هذه الليلة، حيث ترتفع روحنا إلى السماء "يتفحص المؤمنون السماء" إحياء القلب لغة الرجاء حتى يختفي اليأس بحرارة الصلاة.
ليلة القدر افضل الليالي أنزل الله عز وجل من علاه القرآن الكريم الى السماء الدنيا وقال جل جلاله: "إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر أليست سبيل التعظيم والتشويق لرؤيتها: "إنا أنزلناه في ليلة مباركة، إنا كنا منذرين" صدق الله العظيم. أليست أفضل ليالي العمر للمؤمن الصالح؟ في صمت نسيم الليل أعمق بحيرة على وجه الأرض تتلألا أسرارها، يخبرنا عنها، فيصبح النوم عجزا وموتا أمام المضي قدما في صلوات وسجود لاحدود لها (يرتعد الشيطان عندما يري المسلم ساجدا) ليظهر لنا علامات مسارها في قلب القلب، أضواء، نحاول مد اليدين بتضرع وإيمان لنلتقي بها، نفتش عن النور الإلهي لنصل اليها، ويبدأ نور الوجه من شمعة الروح، شعاع ينبع من كل صلاة من أعماق القلب الذي يعرف طريقها ترى أنها قريبة من روحنا. أليست الرحمة والعفو والحب؟ تأملوا الدنيا مفتونة بهذا الكمال الإلهي في كل لحظة يتردد نداء الحب من كل جانب، حب الامتنان لدرجة لم نعد نعرف ما نبوح لها.
ليلة القدر، ليلة عظيمة أنبأنا الله عز وجل يقيمة شرفها، سبحانه جل جلاله في كتابه العظيم، فيها تفرق كل امر حكيم" لايبدل ولا يغير، ما يكون فيها من الآجال والأرزاق وما يكون فيها إلى آخرها". قرائي المؤمنون والمحسنون، التمسوها في الأيام العشرة من شهر الصوم المبارك، لها ثواب ألف شهر من الطاعة والصبر والإيمان والتواضع والعمل الدوؤب أكثر من ثلاثة وثمانين سنة أليست هذه القيمة العظيمة لهذه الليلة الشريفة؟ من يؤمنون برفعتها وجلالتها هم "الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون" "يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين.." صدق الله العظيم. ماذا يحدث قي ليلة القدر؟ ولماذا هي مباركة؟ سعادة روحانية غنية بالخير والبركات. ليلة القدر، سعادة في الدنيا والآخرة، ملائكة تنزل والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر. تهبط بكثرة لتفرد جناحيها الطاهرة على كل مؤمن صادق وتقي والروح هنا هو جبريل عليه الصلاة والسلام، تنزل الملائكة حاملين معهم الخير والبركة، الرحمة والغفران، إن الله عز وجل أنزل فيها سورة تتلى إلى يوم القيامة. أليست ليلة القدر، ليلة الشرف والعظمة، وكذلك ليلة القدر والقضاء؟ اليست طمأنينة المؤمن من مخاوفه ونجاته من النار وعذابها؟ "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون"، "وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما وجدوا وكانوا بآياتنا يوقنون"، صدق الله العظبم. ليلة القدر، بلا شعاع، "إنها رحمة الله تعالى وشفعته لكثرة الملائكة الموجودة في هذه الليلة، في صعودهم ونزولهم إلى الأرض تحجب أشعتها بأجنحتهم وءجسادهم والله على كل شيء قدير". ما الحكمة في إخفاء هذه الليلة المباركة؟ ليلة القدر، تنثر ماءها الطاهر العذب على داخلنا المحترق، ولا ينقذنا إلا التعبد والاجتهاد في تحصيل أجرها العظيم وعلى المؤمن المتيقن استثمارها بما يرضي الله عز وجل وتعظيهما في النفس أبلغ وأشد تأثيرا علينا العبادة وعدم الاقتصار على التعبد في ليلة واحدة والمداومة على الطاعة والصلاة حتى مطلع الفجر "نقطة البداية عند الإنسان". قارئي المؤمن والتقي، إليك الدعاء المخلص للرسول عليه الصلاة والسلام: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك واللهم ثبت قلوبنا، فإنه أحاطت بنا الفتن واستحكم الجهل والضلال. اللهم اغفر ذنبي كله، دقه وجله، وآخره، وعلانيته وسره".
هو الدعاء الذي كان يكرره حبيب الله محمد عليه الصلاة والسلام أكثر من مرة ويوجب أن يكون حكمة ومسار كل مسلم مؤمن بهذا الدين الجميل، ربي اعني، اجعلني انتصر ولا تجعل الآخرون ينتصرون عليّ، أن تسير الأمور إلى صالحي وليس ضدي، اهدني الصراط المستقيم ويسر لي أمري، وحسن الخلق وانصرني على كل من ظلمني".
وعن الحبيب المصطفى: "من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر الله تعالى ذنوبه". إن الشيطان لا يخرج في هذه الليلة حتى يضيء فجرها. وأخيرا كيف يمكننا استكشاف نعمة هذه الليلة؟ لنصغى لحديث الرسول المصطفى؟. يمكن لنا استكشاف منزلة هذه الليلة من خلال مضاعفة الثواب والأجر لأي عمل يقوم به الإنسان فيها. فقد حدّث الرسول الكريم صلّى الله عليه وآله وسلّم عمّا جرى بين موسى عليه السلام وربّه عز وجل في مناجاة جليلة جاء فيها على لسان موسى عليه السلام: قال: إلهي أريد قربك فقال تعالى: يا موسى قربي لمن استيقظ ليلة القدر قال: أريد رحمتك قال تعالى: رحمتي لمن رحم المساكين في ليلة القدر، قال ليلة القدر قال: إلهي أريد الجواز على الصراط قال تعالى: ذلك لمن تصدّق ليلة القدر قال: إلهي أريد من أشجار الجنّة قال تعالى: ذلك لمن سبّح تسبيحة في ليلة القدر قال: إلهي أريد رضاك قال تعالى: رضاي لمن صلّى ركعتين في ليلة القدر. صدق الله العظيم. ونهاية، يرتدي الإنسان مصيره معلقا على رقبته قوانين القدر فوق كل حكمة، لننغمس في ليلة القدر، هذه الحقيقة التي تحول مصائبنا إلى مصدر رجاء وعزاء لنا. القدر يشاء، والقدر يقرر، والقدر يأمر. نرى مصيرنا من الأعلى. أليست ليلة القدر ابنة الليل، فاحذر أن تشكك فيها! ليلة القدر لا تقهر ، قارئي المؤمن، شد المئزر ولنجتهد جميعا بالصلاة والدعاء وتلاوة القرآن. واختم بدعاء ليلة القدر: "اللهمّ لك الحمد بكلّ نعمة أنعمت بها علينا، لك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالقرآن، ولك الحمد على ما يسّرت لنا من إتمام القرآن والتّوفيق للصّيام والقيام. لك الحمد كثيرا كما تنعم كثيرًا، ولك الشّكر كثيرًا كما تجزل كثيرًا لك الحمد على نعمك العظيمة وآلائك الجسيمة، لك الحمد بكلّ نعمك علينا يا ربّ العالمين، لك الحمد على ما أتممت علينا شهرنا، حيث أرسلت إلينا أفضل رسلك، وأنزلت إلينا أفضل كتبك، وشرعت لنا أفضل شرائعك، وجعلتنا من خير مّةٍ أخرجت للنّاس، وهديتنا لمعالم دينك التي ليس بها التباس. اللهم اجعلنا نخشاك حتى كأننا نراك، وأسعدنا بتقواك، ومتّعنا برؤياك، واجمعنا بنبيك ومصطفاك. اللهم طهّر قلوبنا، وأزل عيوبنا، واكشف كروبنا، وتولّنا بالحسنى، واجمع لنا خيريّ الدنيا والآخرة، اللهم اجعل القرآن لي في الدنيا قريناً، وفي القبر مؤنساً، وعلى الصراط نوراً، وفي القيامة شفيعاً، وإلى الجنة رفيقاً، وإلى الخيرات دليلاً وإماماً، بفضلك وكرمك يا أرحم الراحمين". وما على المسلم في ذلك إلا التصديق والتسليم للعزيز الحكيم، وألا يشغل فكره ولا يعمل عقله فيما لا طائل تحته. وليقل: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}. والحمد لله رب العالمين. أستاذة متخصصة في الأدب الفرنسي واللغات، والفن الدرامي من جامعات السوربون في باريس.