
عاجل.. 61 عامًا على رحيل عملاق لا يموت

عادل عبدالمحسن
تحل اليوم الأربعاء، ذكرى الـ 61 لوفاة أحد الأعلام البارزة في الأدب العربيّ، الكاتب والشاعر والناقد العبقري عباس محمود العقاد، الذي وافته المنية يوم 12 مارس 1964، رحل تاركًا خلفه إرثاً أدبيّاً يُحيي ذِكراه.

ولد العقاد الذي كان فيلسوفًا، سياسيًا، صحفيًا، ومُؤرِّخًا أيضا في 28 يونيو 1889، في مدينة أسوان، وكان أجداده يمتهنون صنعة الحرير فاكتسبوا لقب "العقاد"، لكن والده كان موظفًا بسيطًا في إدارة المحفوظات.
تعلق العقاد بالقراءة والأدب منذ الطفولة لتردده مع والده لمجالس العلم للشيخ والأديب أحمد الجداوي، وهو ممّن كانوا يأخذون العلم من السّيد جمال الدّين الأفغانيّ، ممّا جعل العقّاد مُطالعاً للكُتب الأدبيّة والكُتب القديمة الثّمينة، وعكَفَ على القراءة وثقَّفَ نفسَه بنفسِه؛ حيث احتوت مكتبتُه أكثرَ من ثلاثين ألف كتاب، واهتم أيضا بالشعر فذهب إلى نظمه وكان يطلع على المُصنّفات العربيّة والأجنبية، فأصبحت مداركه أوسع وأعمق، فأصدر مجلّة بخطّ يده لكثرة اطّلاعه على العديد من المجلّات والصُّحف المختلفة، مثل: مجلّة التّنكيت والتّبكيت، وأتقن اللغة الإنجليزية من مخالطته للأجانب من السائحين المتوافدين لمحافظته.
حصل العقاد على الابتدائية عام 1903، وعين موظفًا عام 1904 بوظائف حكومية كثيرة في المديريات ومصلحة التلغراف ومصلحة السكة الحديد وديوان الأوقاف. لكنه استقال منها واحدة تلو الأخرى.
وحين كتب العقاد مقالته الشهيرة "الاستخدام رق القرن العشرين" عام 1907، كان على أهبة الاستعفاء من وظائف الحكومة والعمل بالصحافة مستعينًا بثقافته وسعة اطلاعه، فاشترك مع محمد فريد وجدي في إصدار صحيفة الدستور.
وكان إصدار هذه الصحيفة فرصة لكي يتعرف العقاد بسعد زغلول ويؤمن بمبادئه. وتوقفت الصحيفة عن الصدور بعد فترة. كما أصدَرَ جريدةَ "الضياء"، وتنقل بين عده صحف: "الأهالي"، "الأهرام" ،"أخبار اليوم"، "البلاغ"، و"الأساس" ومن أشهر أقواله: "من السوابق التي أغتبط بها وأحمد الله عليها أنني كنت – فيما أرجح - أول موظف مصري استقال من وظيفة حكومية بمحض اختياره، يوم كانت الاستقالة من الوظيفة والانتحار في طبقة واحدة من الغرابة وخطل الرأي عند الأكثرين..، لكنني كنت أؤمن كل الإيمان بأن الموظف رقيق القرن العشرين".
اتجه العقاد إلى تأليف الكثيرمن الكتب في موضوعات مختلفة، فكتب في الأدب ،التاريخ ،الاجتماع ،السّياسة ،حقوق المرأة، و فى أمور الدّين، فأضاف للمكتبة العربية أكثر من مائة كتاب في مختلف المجالات ومن أشهر مؤلفاته: سلسلة العبقريات، أفيون الشعوب، رواية سارة، أشتات مجتمعات فى اللغة والأدب، وساعات بين الكتب.
وأنشأ العقّاد صالونًا أدبيًا في بيته في أوائل الخمسينيّات، وكان يعقد المجلسُ كلّ يوم جُمعة بحضور مجموعة من المُفكِّرين، والفنانين من أصحاب الأدب البارز، وطُرح في مجلسه العديد من المواضيع منها: الأدب، والعلوم، والتّاريخ وغيرها، وكانت أكثر المواضيع إثارة للنقاش والجدل في مجلسه هي المواضيع التي تُعنى بدور المرأة في المجتمع، وكتب العقاد ثلاثة كُتب في هذا الموضوع، وأشار إلى أهميّة حصول المرأة على حقّها في المشاركة في المجُتمع. اشتهر العقاد بمعاركهِ الأدبية والفكرية ؛ ففي الأدب اصطدَمَ بكبار الشعراء والأدباء، ودارت معركةٌ حاميةُ بينه وبين أمير الشعراء أحمد شوقي في كتابه "الديوان في الأدب والنقد" كما أسَّسَ "مدرسة الديوان" مع عبد القادر المازني وعبد الرحمن شكري؛ حيث دعا إلى تجديد الخيال والصورة الشعرية والتزام الوحدة العضوية في البناء الشعري. كما هاجم الكثيرَ من الأدباء والشعراء، مثل مصطفى صادق الرافعي. وكانت له معاركُ فكريةٌ أيضا مع طه حسين ،زكي مبارك ،مصطفى جواد ،وعائشة عبد الرحمن "بنت الشاطئ".
كما شارَكَ العقاد بقوةٍ في مُعترَك الحياة السياسية؛ فانضمَّ لحزب الوفد، ودافَعَ ببسالةٍ عن سعد زغلول، ولكنه استقال من الحزب عام ١٩٣٣ إثرَ خلافٍ مع مصطفى النحاس. واُنْتخب عضوًا بمجلس النواب ثم الشيوخ وهاجم الملكَ أثناء إعداد الدستور؛ فسُجِن تسعة أشهر، كما اعترض على معاهدة ١٩٣٦.
كُرِّم العقاد كثيرًا؛ فنال عضويةَ "مَجمع اللغة العربية" بالقاهرة، وكان عضوًا مراسِلًا ﻟ "مَجمع اللغة العربية" بدمشق ومَثيلِه ببغداد، وفي 1956 أصبح عضوًا بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، وحصل على جائزة الدّولة التقديريّة في الآداب عام 1960 ،و كرمته محافظته "أسوان" فأقامت له متحفًا خاصًا يضم مقتنياته الشخصية من ملابس وكتب وصور ومخطوطات بخط يده، وأطلقت كلية اللغة العربية بالأزهر اسم العقاد على إحدى قاعات محاضراتها، وسمي باسمه أحد أشهر شوارع القاهرة ، كما أنتج مسلسلًا بعنوان العملاق يحكي قصة حياته.