
محمود كرم يكتب: العاشر من رمضان.. يوم فاجأ العرب إسرائيل

نحتفل بذكرى انتصار العاشر من رمضان، الذي يُمثل ختامًا لمعركة كبرى استعادة فيها قواتنا المسلحة الباسلة، أرض سيناء الغالية، يوم السادس من أكتوبر عام 1973.
تتجلى أهمية هذه المعركة، في الأبعاد القومية التي حملتها، وكيف توحد العرب تحت راية واحدة لمواجهة التحديات التي واجهتهم، فهذه الحرب لم تكن مجرد صراع عسكري بين مصر وسوريا فحسب، بل تعدت ذلك لتكون معركة العرب أجمعين، حيث كانت موسيقى التضحية تُعزف من بغداد إلى الرباط، ومن الأردن إلى الرياض.
فعندما اندلعت الحرب، كانت الساحات قد أُعدت بعناية، وتجمعت فيها قوى عربية مختلفة تحت هدف مُحدد، وهو استرداد الأراضي العربية المحتلة. وتظل المواقف البطولية لدولة الجزائر حاضرة بقوة في هذه الاحتفالات، حيث كان الرئيس هواري بومدين، الذي عُرف بشغفه القوي بالقضايا العربية، يعتبر الحرب معركة مصيرية ليس فقط من أجل مصر وسوريا، بل من أجل الأمة العربية بأسرها، فعندما تم تحديد موعد الهجوم، أرسلت الجزائر الجنود للمشاركة في الحرب، بإلاضافة إلى تعزيزات عسكرية ضخمة، حيث أرسلت نحو 96 دبابة و32 آلية مجنزرة، و12 مدفع ميدان و16 مدفعاً مضاداً للطيران، وما يتجاوز 50 طائرة حديثة. وقد أشاد الفريق الشاذلي، بالقوات الجزائرية في مذكراته، مؤكدًا أنهم كانوا الأكثر حماسة بين الجيوش العربية. أيضا عندما رفض الاتحاد السوفييتي، تزويد مصر بالمعدات العسكرية، سافر الرئيس الجزائري إلى روسيا لإقناعها وقام بدفع ثمن السلاح، هذا فضلًا عن قيامها بحظر البترول عن الدول الداعمة لإسرائيل. لم يكن الدور الجزائري وحده هو ما يستحق الإشادة، بل كان هناك أيضًا دور كبير جدا ومؤثر للسعودية، حيث خاضت معركة سياسية واقتصادية جبارة خلال هذه الحرب، فقد تبرعت بمبلغ 200 مليون دولار، وقررت حظر البترول عن الدول الداعمة لإسرائيل، كان ذلك بمثابة ضربة قوية للعدو، مما أدى إلى فتح الطريق للنصر العظيم. أيضا شاركت القوات السعودية في الجبهة السورية، حيث خاضت معارك طاحنة ضد الوحدات الإسرائيلية، كما أنشأت جسرًا جويًا لإرسال 20 ألف جندي إلى الجبهة السورية، بالإضافة إلى أنها أرسلت أمراء ووزراء، لتفقد القوات المصرية على جبهة القتال وتقديم الدعم لهم. أيضا الدور المحوري للعراق، فرغم الظروف الصعبة التي كان يمر بها العراق في تلك الفترة، حيث كان هناك تهديد إيراني لحدوده، بالإضافة إلى أزماته الداخلية مع الأكراد، لم يتوان عن تقديم الدعم، فقد أرسل قوات إلى الجبهتين السورية والمصرية، للمشاركة في القتال، وأحتلت هذه القوات، الترتيب الثالث بعد مصر وسوريا من حيث الكم والكيف، حيث زاد عددها عن 60 ألف مقاتل و700 دبابة، بالإضافة إلى مئات العربات المدرعة وآلاف سيارات النقل و12 كتيبة مدفعية. كما لعب سلاح الجو العراقي، دورًا مهما في المعركة، إذ شارك الطيران العراقي بجانب الطيران المصري في الضربة الأولى، حيث تمكن من تدمير أهداف محددة، وقد أشاد الفريق الشاذلي بالسرب العراقي والطيارين العراقيين. إلى جانب العراق، كان للدور الليبي تأثير كبير أيضًا، فقد قدمت ليبيا دعماً مالياً وعسكرياً كبيراً خلال هذه الحرب، حيث تبرعت بمبلغ مليار دولار لشراء أسلحة، بالإضافة إلى 40 مليون دولار و4 ملايين طن من البترول، كما أرسلت قوات تضم سربًا من طائرات الميراج، ولواء مدرع، للمشاركة في المعركة. أيضا الدور القوي للكويت، حيث أرسلت قوات مع معدات عسكرية إلى الجبهتين المصرية والسورية، للمشاركة في القتال، وكانت الكتائب الكويتية ضمن الكتائب التي عبرت قناة السويس، بالإضافة إلى دعمها الاقتصادي، فضلا عن مشاركتها في حظر تصدير البترول للدول الغربية الداعمة لإسرائيل. أيضا اتخذت الأمارات عندما بدأ القتال، موقفًا ثابتًا ومؤيدًا، فقامت بحظر البترول عن الغرب، حيث قال الشيخ زايد، جملته الشهيرة (ليس النفط أغلى من الدم العربي). كما قدمت الإمارات، دعمًا ماليًا للجهود الحربية، كما أسهمت في توفير الإمدادات الغذائية والطبية للجنود. أيضًا السودان لعب دورًا بارزا في هذه الحرب، حيث قام بإرسال لواء مشاة، للجبهة المصرية، كما أنه لم يتردد في نقل الكليات العسكرية إلى أراضيها. أيضًا كان للمغرب دورًا في هذه المعركة، حيث أرسلت قوات ومعدات عسكرية، للمشاركة في القتال على الجبهة السورية. أيضا تونس شاركت في الحرب على الجبهة المصرية، بإرسال كتيبة تتآلف من ١٢٠٠ جندي انتشرت في منطقة الدلتا، كما تم نقل مقر الكلية الجوية إليها. أيضا الأردن شاركت في القتال على الجبهة السورية، أيضًا الموقف المشرف للبحرين وتقديمها الدعم المادي والمعنوي، بإلإضافة إلى إلغاء اتفاقاتها مع امريكا، كذلك الموقف العماني، أيضًا اليمن قامت بغلق مضيق باب المندب على إسرائيل، كذلك قامت قوات المقاومة الفلسطينة، بشغل العدو عن المخابرات المصرية عبر عمل كمائن وزرع الألغام وشن الغارات. لم يكتفي العرب بالدعم العسكري والمالي فحسب، بل خاضوا أيضا معركة دبلوماسية وسياسية جبارة في المحافل الدولية خلال الحرب، حيث استطاعوا إقناع المجتمع الدولي بأحقية مصر وسوريا في استراد أراضيهم المحتلة، على أثر ذلك قامت عدد من الدول بقطع علاقاتها مع إسرائيل. أيضًا لم يقتصر الدعم على الحكومات فقط، بل امتد إلى الجماهير العربية، فقد أبدت شعوب الدول العربية تعبيرًا عن تضامنها مع الجيشين المصري والسوري، عبر المسيرات والتظاهرات، كان لتلك التحركات الشعبية أثر كبير في تعبئة الجهود وإظهار وحدة العرب أمام التحديات. أيضًا كان للإعلام العربي دور بارز في نقل الوقائع والتعبير عن الموقف العربي بشكل عام. خلاصة القول، إن تجربة حرب العاشر من رمضان، تظل علامة فارقة في تاريخ الأمة العربية، تذكّرهم بقوة الوحدة والتضامن في مجابهة التحديات الكبرى.