
سماء زيدان تكتب: الحب.. الماسة الصفراء

"ده العمر هو الحب وبس..".. تقولها أم كلثوم في تكرار لا يشبه بعضه بعضًا، تمتد السنوات بالفلاسفة والأطباء حتى ينطقوا بالكلمتين متلاصقتين في سلاسة مثلها.. كأنها تعرف كل شيء، تختصر تجربة ألف عاشق، كأنها عاشت كل التجارب قبلنا.. تغني، فنصدق، ونمضي خلف صوتها كأنه الحقيقة الوحيدة في هذا العالم.
الحب حادث سعيد، ومضة خاطفة، لحظة من صنع القدر أجمل من أي حقيقة.. يمنحك في لحظة كل شيء، وقد يسلب منك كل شيء في اللحظة التالية، كما لو أنك تتذوق الفاكهة الحلوة إلى جوار الفلفل الحار، خليط متناقض لا يد لك فيه. "ماذا عليّ أن أقدم أكثر؟".. سؤال يطرق القلوب المنهكة، يتردد في العيون التي أحبت ولم تجد الاكتفاء. لماذا لم يعد يكفي أي تعبير عن الحب؟ لماذا مهما كان ما نحصل عليه، نشعر أنه أقل مما نحتاج؟ لماذا نشكو جميعًا رغم أن الحب يفيض في القلوب؟ نحن نقع في الحب أولًا، ثم نختاره، ثم نقرر أن نبقى فيه. هو قرار يومي بالاستمرار رغم العيوب، بالقتال من أجل العلاقة لا بالهرب منها. الحب أن ترى من تحب في أسوأ حالاته ولا تهرب منه، أن تعرف نقاط ضعفه ولا تستغلها، أن تملك فرصة المغادرة لكنك تبقى.. الحب لا يُقال بالكلمات، بل يُترجم بالأفعال، في التفاصيل الصغيرة التي لا يلاحظها أحد لكنها تصنع الفرق: أن تتذكر الأشياء البسيطة التي تسعده، أن تكون في ظهره حين ينهار العالم من حوله، أن تهمس دون كلام: "أنا هنا.. ولن أذهب". الحب ليس ملاكًا كما تصوره الأساطير، ليس كيوبيد الطفل المجنح اللطيف، الملائكة أكثر رحمة، أما كيوبيد فيسكنه هوس التلاعب بالقلوب. الحب ليس وردة تُهدى في عيد العشاق، ليس كلمة تُقال حين يكون المزاج جيدًا، ليس شغفًا مؤقتًا ينطفئ فور تحقيق الرغبة. الحب أعمق وأعقد وأقسى وأجمل من ذلك كله. فإذا ضاعت فرصتك، إن ضاع منك الحب مرة، فابحث من جديد، كطائر ظمآن لا يستسلم للحرمان.. واطلب الحب من الله فالحب مثل المطر رزق. الحب ببساطة هو أن تجد شخصًا يرى فوضاك، ويقرر أن يحبك رغمها، وربما بسببها. الحب الحقيقي نادر كندرة الماسة الصفراء، جوهرة لا تُصنع بل تُكتشف، تحتاج إلى الزمن، إلى الضغط، إلى ظروف خاصة كي تولد بريقها الخاص. لا تجده كل يوم، لا يلمع في كل عين، ليس متاحًا للجميع، بل استثناء. إن وجدت الماسة الصفراء، فأنت محظوظ، وإن وجدت الحب الحقيقي، فأنت الأكثر حظًا على الإطلاق.. فهل عثرت على ماساتك الصفراء؟