عاجل
الخميس 13 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي

تخفيف الضغط على المنشآت الطبية والتعليمية ورفع العبء عن الحضانات ووحدات الرعاية المركزة

مصــــــــر تكتب فصلًا جديدًا فى تاريخها السكانى

نجحت الجهود الحكومية والتوعوية المتواصلة، فى كتابة فصل جديد فى تاريخ مصر السكاني، لأول مرة منذ 17 عامًا، بتسجيل انخفاض فى معدل المواليد السنوى إلى أقل من 2 مليون مولود بعد أن كان يصل إلى ٢.٥ مليون طفل سنويًا، وهو تطور لافت فى المشهد السكانى، الذي ظل لعقود يشهد معدلات إنجاب مرتفعة، ما يمثل نقطة تحول فى جهود الدولة لضبط النمو السكانى، بما يتماشى مع رؤية «مصر 2030» لتحقيق تنمية مستدامة وتحسين جودة الحياة للمواطنين.



 

تؤثر الزيادة السكانية على الخدمات الصحية  والتعليمية بشكل كبير لالتهامها التنمية الاقتصادية، بما ينعكس سلبًا على باقى عوامل التنمية التي تتطلب وجود ثروة بشرية مؤهلة ومدربة وقادرة على قيادة سفينة الوطن للمستقبل، وبما يحقق الرفاه والرخاء، لذا أعلن مؤخرًا الدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس الوزراء وزير الصحة، انخفاض معدل الإنجاب الكلى لأقل حد منذ 17 عامًا.

 

هذا الانخفاض ينعكس بالتبعية على جميع مقدرات الوطن، ومنها الخدمات الصحية، وجودة الخدمة، وإنجاز المشروعات، وانخفاض التردد على المستشفيات ونسب الإشغال بها، والطلب على الحضانات، والرعايات المركزة، والعمليات الجراحية، واستهلاك الدواء، وعلى كل تفاصيل المنظومة الصحية.

 

خالد عبدالغفار
خالد عبدالغفار

 

 

مشروعات ومبادرات قومية

 

أكدت الدكتورة علياء عبدالرؤوف عامر، الخبير الديموجرافى فى دراسات النوع الاجتماعى، ممثلة دول شمال أفريقيا فى الاتحاد الأفريقى للدراسات السكانية، أن الخدمات الصحية تلعب دورًا أساسيًا فى خفض وفيات الأمهات والأطفال حديثى الولادة، مشيرة إلى أن معدل الإنجاب الكلى سينخفض بفضل المشروعات والمبادرات القومية، ومنها تنمية الأسرة، وحياة كريمة، والتوعية الإعلامية، ووسائل الاتصال، وتوفير الخدمات الصحية، ما يؤدى إلى تراجع معدلات الإنجاب.

 

وأوضحت أن معدل الإنجاب الكلى فى مصر بلغ 2.41 طفل لكل سيدة، بينما شهد عام 2024 ولادة 1.968 مليون طفل، وهذا لايزال دون مستوى الإحلال المأمول، الذي يبلغ 2.1 طفل لكل سيدة، ويمكن ان تصل مصر إلى هذا المعدل بحلول عام 2027، ما يعكس توجه الدولة نحو تحقيق نمو سكانى منضبط.

 

وشددت على أن تقليل معدلات الإنجاب يؤدى إلى تخفيف الضغط على الخدمات الصحية، والحضانات، ووحدات الرعاية المركزة، ويؤثر إيجابيًا على خفض معدلات وفيات الأطفال وحديثى الولادة، بالإضافة إلى تقليل وفيات الأمهات الناتجة عن مضاعفات الحمل والولادة.

 

وأشارت إلى أن انخفاض معدل الإنجاب الكلى، ينعكس إيجابيًا أيضًا على الاقتصاد الصحي، إذ يؤدى إلى توفير الموارد، وتحسين جودة الخدمات الصحية، كما أثنت على جهود الدولة فى مواصلة مشروعات التنمية، التي تستهدف تحسين جودة حياة المواطن، وسيسهم فى تقليل الضغط على الخدمات الطبية، خاصة مع الجهود الضخمة التي تبذلها الجهات المعنية بالقضية السكانية فى رعاية الأسرة ومن داخلها الأمهات والأطفال، مما يدعم أهداف التنمية المستدامة، ويساهم فى تحقيق رؤية مصر 2030، واستراتيجية أفريقيا 2063.

 

خطط ناجحة

 

ونجحت الجهود الوطنية، بحسب ما أعلنه مؤخرًا، الدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة والسكان، فى تحقيق انخفاض ملحوظ بمعدلات النمو السكانى، تمثل فى عدم تجاوز أعداد المواليد حاجز الـ2 مليون مولود سنويًا، لأول مرة منذ عام 2007، وفقًا لإحصاءات، الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، مؤكدًا مواصلة دور وزارة الصحة فى وضع وتنفيذ السياسات الصحية والسكانية، واستجابتها للتحديات السكانية المتزايدة، بما يضمن تحقيق التوازن بين النمو السكانى والنمو الاقتصادى.

 

حسام عبدالغفار
حسام عبدالغفار

 

 

وقال وزير الصحة: نتبع استراتيجية شاملة تستهدف تعزيز صحة المرأة والطفل، وتحسين جودة خدمات الصحة الإنجابية، ونشر التوعية الصحية، ما ساهم فى خفض معدل الوفيات من 6 حالات وفاة لكل 1000 نسمة عام 2014 إلى 5.7 حالة عام 2024، وانخفضت أعداد المواليد خلال عام 2024، إلى 1.968 مليون مولود، مقارنة بـ 2.045 مليون مولود فى 2023، بمعدل انخفاض قدره 77 ألف مولود بنسبة 3.8%، وهو أقل معدل إنجاب منذ عام 2007، إذ انخفض معدل الإنجاب الكلى عام 2024 إلى 2.41 مولود لكل سيدة، مقارنة بـ2.54 مولود فى 2023.

 

زيادة طبيعية

 

وبلغت الزيادة الطبيعية 1.359 مليون عام 2024، مقارنة بـ1.462 عام 2023، بانخفاض قدره 103 آلاف، الأمر الذي يكشف نجاح السياسات الصحية فى ضبط معدلات النمو السكانى غير المنضبط، ووفقًا لبيانات الإحصاءات الحيوية «مواليد - وفيات» خلال الفترة من 2014 إلى 2024، فإن معدل المواليد فى مصر انخفض من 30.7 لكل 1000 نسمة عام 2014 إلى 18.5 لكل ألف نسمة عام 2024، ما يعنى انخفاض عدد المواليد من 2.720 مليون نسمة عام 2014 إلى 1.968 مليون نسمة عام 2024، كما انخفض معدل الإنجاب الكلى من 3.5 طفل لكل سيدة عام 2014 إلى 2.41 طفل لكل سيدة عام 2024.

 

آليات حكومية

 

وحسب الدكتور حسام عبدالغفار، المتحدث الرسمي لوزارة الصحة، تبنت الوزارة استراتيجية لتعزيز صحة المرأة والطفل، وتحسين جودة خدمات الصحة الإنجابية، ونشر التوعية الصحية، من خلال تطوير خدمات تنظيم الأسرة وتعزيز الصحة الإنجابية، مع التركيز على المناطق الريفية والنائية، كذلك زيادة معدلات استخدام وسائل الصحة الإنجابية، وتقليل الحاجة غير الملباة، وتفعيل نظام الإحالة بين المستشفيات ووحدات الصحة الانجابية، وربط السيدات بالخدمات الصحية المناسبة لاحتياجاتهن، وتفعيل خدمات المشورة وفحص ما قبل الزواج.

 

تمكين المرأة

 

وأثبتت دراسة إحصاء سكانى، أعدها الدكتور طارق توفيق، نائب وزير الصحة السابق لشؤون السكان، وجود ارتباط وثيق بين تمكين المرأة وإدماجها فى سوق العمل، وانخفاض معدل الإنجاب الكلى لدى السيدات فى عمر الإنجاب، وبالتالى انخفاض أعداد المواليد، لأن المرأة العاملة تكون لديها اهتمامات أخرى بخلاف البيت، ومسؤوليات ملقاة على عاتقها، ولا بد من تشجيعهن للانخراط فى المشروعات الصغيرة.

 

الأمية والتسرب من التعليم

 

كما أن العلاقة الطردية بين نسبة الأمية ومعدل الإنجاب، هى أساس خفض النمو السكانى، فتقليل نسبة الأمية تخفض معدل الانجاب الكلى وعدد المواليد، وهناك حاجة إلى التركيز على محو الآمية فى عدد من المحافظات، إذ أشارت الدراسة السكانية، إلى أن الأمية ضلع أساسى فى زيادة معدل المواليد، كذا الإعالة الصغرى، وقلة الوعى بأهمية الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة، ولها ارتباط وثيق بعدد من الظواهر المجتمعية السلبية والمهمة، وهى الزواج المبكر، والتسرب من التعليم، والفقر، وعمالة الأطفال، لذلك لا بد من محو الأمية والوصول إلى الصفر الافتراضى «7%» أمية فقط.

 

وكلما زادت كثافة الفصول بالمدارس، كلما زادت نسبة التسرب من التعليم, كذلك زاد معدل الزواج المبكر ونسبة الأمية، لذا يؤدى التسرب من التعليم فى المرحلة الإعدادية، إلى زيادة نسبة الزواج المبكر، وارتفاع نسبة المواليد، وهناك حاجة إلى الاهتمام بتقليل نسبة التسرب فى عدد من المحافظات.

 

تنظيم الأسرة

 

طبقًا للمسح السكانى الأخير، توجد 11 محافظة فقط، بها معدل الاستخدام لوسائل تنظيم الأسرة الحديثة، وهناك أسباب لعدم أو انخفاض مستوى استخدام الوسائل فى عدد من المحافظات، منها تأثير التيارات الدينية والمفاهيم المغلوطة المبنية على بعض الأحاديث الضعيفة، كذلك رواج منطق العزوة كمبرر للإنجاب وزيادة حجم الأسرة ومفهوم القبلية، إضافة إلى المعلومات المغلوطة الخاصة باستخدام تنظيم الأسرة «اللولب والعلاقة الجنسية»، وانخفاض أعداد مقدمى الخدمة وحرمان بعض الأماكن منها.

 

علياء عبد الرؤوف
علياء عبد الرؤوف

 

 

كما توجد نصف المحافظات على الأقل بها نسب حاجة غير ملباة لتنظيم الأسرة، أى النساء فى سن الإنجاب «15 – 49 سنة»، اللائى لم يستخدمن وسائل تنظيم الأسرة، لكنهن يرغبن فى تأجيل الطفل التالى «المباعدة بين الولادات»، أو إيقاف الإنجاب كليًا.

 

دروس مستفادة

 

خلصت الدراسة السكانية، إلى أن هناك دروسًا مستفادة من أخطاء الخطط السكانية السابقة، أولها: ضرورة الاهتمام بقضايا النوع والتمكين، التي تضم التسرب من التعليم، وزيادة الوعى لدى الإناث بأهمية الصحة الانجابية فى المراحل التعليمية «إعدادي»، ودراسة قضية الزواج المبكر وأبعاده المجتمعية والتشريعات المرتبطة به، وإدماج المرأة فى سوق العمل.

 

وثانى الدروس المستفادة من أخطاء الخطط السكانية السابقة: التشديد على تطبيق مقومات الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة، والحاجة غير الملباة فى وسائل تنظيم الأسرة، وإشراك القطاع الخاص فى المنظومة، ومواجهة الزواج المبكر، وكذلك بدور الرجال فى تنظيم الأسرة.

 

وثالثها: عدم ربط السكان بالتنمية، خاصة فى الريف المصري، فيما يتعلق بحجم الأسرة وتأثيره على الدخل وأثره على الاقتصاد الوطني والنمو، وتأهيل وإعادة التأهيل المهنى والحرفى وربطه بالمشروعات، وآخرها: ضرورة التغلب على غياب المؤشرات وكيفية القياس لبعض الأهداف والمخرجات، وعدم التركيز على الشمولية فقط، بمعنى أن هناك غيابا للخطط المعنية بالوضع السكانى بكل إقليم ومحافظة، وقلة العناصر البشرية اللازمة المؤهلة للتنسيق والمتابعة والتقييم، وغياب دور البحث العلمى فى إدارة هذه المشكلة.

 

التحديات والحلول

 

هناك عدد من التحديات السكانية، وخفض معدل المواليد والإنجاب الكلى لدى السيدات، وتعمل الدولة على التغلب عليها على مدار السنوات الماضية والمقبلة، أهمها: «الدعم السياسي» عبر وضع القضية السكانية من أولويات الأجندة الوطنية، وعدم موسمية الاهتمام بالقضية السكانية تبعًا لاهتمام القيادة السياسية، لكن العمل بشكل مؤسسى، فى ضوء الرؤية السياسية والمستدامة للدولة.

 

وتعتبر «عوائق التنمية» تحديا آخر، من حيث تخطيط المدن ومنع تنامى العشوائيات، والهجرة من الريف للحضر، ما يؤثر على البنية التحتية والأمن الاجتماعى، ومحدودية الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص فى قطاع الإسكان، وتأثير ذلك على زيادة العشوائيات، واحتياجات الطبقات الوسطى والفقيرة.

 

كذلك، «البرامج السكانية» التي تحتاج لتطوير، خاصة المعنية بخفض معدلات المواليد دون اعتبار أهمية تنمية وتعليم العنصر البشرى، ناهيك عن استنزاف الموارد الطبيعية للدولة، والتأثير المباشر على استدامة الموارد الطبيعية من أراض زراعية ومياه.

 

أيضًا، الاستثمار فى مجال الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة، وتفعيل دور الرجل فى تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية، وتصحيح المفاهيم الخاطئة والمعتقدات المجتمعية المغلوطة حول هذا الملف، فكل 1 جنيه ينفق فى تنظيم الأسرة = 56 جنيها توفيرا فى قطاعات مثل التعليم «44%»، والصحة «21%»، والغذاء «12%»، وغيرها، إلى جانب التعليم والاتصال، فالتواصل والتوعية باستخدام رسائل إعلامية تحترم الطبيعة المجتمعية والدينية، تعمل على تغيير المفاهيم والمعتقدات المغلوطة.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز