عاجل
الأحد 16 فبراير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الأكاديمي ابن البلد

85 عاما صحافة 14

الأكاديمي ابن البلد

يا ابن البلد الوقت وقتك يا ولد يا قلب مصر ونبضها يا صبحها... يا ابن البلد يا ربحها.. يا ابن البلد يا قمحها.. يا ابن البلد يا رمحها يا نور سماها وأرضها كأني بشيخ شعراء العامية عندنا، أحمد فؤاد نجم، نظم كلماته له، للدكتور حسن عماد مكاوي، ابن "حي الخليفة"و"السيدة زينب.



 

ولمن لا يعرف، ترجع تلك لمنطقة المتجذرة في التاريخ، إلى القرن العاشر، وتحديداً، إلى زمن "المعز" الفاطمي، مؤسس"القاهرة الفاطمية"، وفيها، مَعْلَمٌ آخر، "مقابر الخلفاء العباسيين"، الذين جاء منهم، من بغداد، سبعة عشر خليفة، حكموا، وتكبروا، وتجبروا، وماتوا، ودفنوا فيها، وأعطوا أسماء بعضهم الى شوارعها: "شارع الخليفة"، واحد، وآخر "شارع الأشراف"، تيمناً بأولياء الله المتعبدين الصالحين.

 

حسن عماد مكاوي، ولد، وشب، وترعرع في هذ الحي، الذي شاهد وحضن المشاهير، يخرجون منه، ينجحون، يتألقون، ويبهرون... واحد منهم يحيى حقي، صاحب "قنديل زينب"، فهو ولد في "درب الميضة"، خلف "مسجد السيدة زينب"؛ نور الشريف الذي فتح عينيه للنور في "درب المسدود"؛ والموسيقي سيد مكاوي مثله ابن الحارة ذاتها؛ عمر خيرت ابن "شارع خيرت"؛ نبيل الحلفاوي، ولد وتربى فيه؛ عادل إمام أمضى عمراً في بيت في ذلك الشارع؛ وكذا ، لا عب الكرة المعروف فاروق جعفر.

 

ولد حسن عماد مكاوي، في كنف أسرة متوسطة الحال، كان الثاني من ستة أبناء للمهندس عماد مكاوي، وكيل وزارة الإسكان والمرافق، وكان قبلاً "مفتشا في لقوات المسلحة".

أمه، انصرفت إلى بيتها وأولادها، تُربي، وتُعلم، وتحنو، وتسهر، وترى أولادها يشبون عن الطوق. كونت مع "أبي العيال"، بيئة صالحة، عمادها التقوى ومخافة الله، والمحبة، وحب الجار، وتقبل الآخرين، كل الآخرين، مهما اختلفت ميولهم، ومشاربهم.

 

ترك عماد مكاوي لأولاده الحرية في التفكير، وغرس فيهم حب الإطلاع واكتساب المعرفة، ونمى فيهم حب المطالعة، والكد، والجد، والمثايرة للوصول الى ما يحقق لهم النجاح... فلم يخيبوا أماله وأمانيه، فكانوا جميعهم من حملة الشهادات العالية.

 

وهب الله حسن عماد مكاوي، ذاكرة حفاظة، فأبلى في تحصيله العلمي، وكان  معروفاً بين أساتذته، وأترابه، بدقة الفهم، والمثابرة، والرغبة الملحاحة على الإطلاع.

 

مال حسن مكاوي الى الكتابة، وقد فتح له في اللغة، ما لم يفتح لسواه من جيله، ٍفامتلك عنان النثر، ورغب أن يدرس الإعلام، وعزم على دخول كلية الإعلام، وكان له ما أراد.. تتلمذ على  الدكتورة جيهان رشتي، (تولت في وقت لاحق عمادة الكلية)، التي كان لها الفضل العميم في تطوير مناهج دراسة الإعلام، ونقل ما اكتسبته في الولايات المتحدة، حيث صرفت سنوات في الدراسة المتعمقة لنظريات الاعلام، والإعلام الدولي، والكثير من النظم الإعلامية في عدد من البلاد الأجنبية، التي عرجت عليها، وأطلعت على ما فيها في مجالات الإعلام.

لذا، كان لها إسهامات كبير في الإعلام في مصر. وما اكتسبته جيهان ريشتي درسته، ولقنته، لتلاميذها، وحسن عماد مكاوي أبرزهم.

 

بعد تخرجه، عين معيداً في الكلية التي أحب. أجمع عارفوه، ومن تتلمذوا عليه، أنه يملك صفات المعلم الحق، فهو، أوتي جوامع الكلام، فلا يستغرب على حسن مكاوي، فصاحته، حسن التفهم لمشاكل طلابه، طويل الروح، على المبتدى والمنتهى.

 

سنة 1984 نال شهادة الدكتوراه، كان موضوع أطروحته "الفلسفة في الإعلام"، وسنة 1995 حصل على درجة "الأستاذية".

 

كان حسن مكاوي أول عميد لكلية الإعلام يتم انتخابه، وآخر من تولى العمادة بالانتخاب، حيث صارت تمنح بالتعيين.

 

خلال توليه المسؤولية في كلية الاعلام، كانت له وقفات جريئة، فحذر من الإسراف في زيادة عدد الطلاب في كليات الإعلام، وأصر على قبول 300 طالب فقط.. ووقف معاضاً، منافحاً، ورافضاً قرار رئيس جامعة القاهرة في زيادة عدد الطلاب إلى 700 طالب، فقد كان الدكتور مكاوي، وقتذاك، يري أن خريجي الكلية أكبر من احتياجات سوق العمل.

وأخذ برأيه.. ولأنه يؤمن يؤمن بأهمية التؤامة الأكاديمية والعلمية فكان، وهو عميد لكلية الاعلام، يسعى الى الشراكة،مع مؤسسات دولية، مثل "اليونسكو"، و"مؤسسة فريدريش تاومان الألمانية من أجل رفع قدر كلية الإعلام في جامعة القاهرة.

 

وراح الدكتور مكاوي يتقلب على المناصب، ويتنكب المسؤوليات، وكان في كل ما أتاه، متفوقاً: تولى عمادة كلية الإعلام وتكنولوجيا الاتصال في "جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، ثم، "وكيل المجلس الأعلى للصحافة"، ومقرر "لجنة الإعلام في "المجلس الأعلى للثقافة" منذ ديسمبر 2015، ورئيس مجلس إداراة "جمعية خريجي الإعلام"، و"عضو المجمع العلمي المصري" . 

 

وكان أن التقى، من سيهبها قلبه، وستهبه عمرها وأولاده. زواجه الدكتورة ليلى حسين السيد، أمن له الاستقرار، وغير حياته، (ليلى السيد، تعمل حاليًا أستاذ ورئيس قسم الإعلام في كلية الآداب في "جامعة حلوان"؛ وعضو اللجنة الدائمة لترقيات الأساتذة؛ والأساتذة المساعدين في "كلية الإعلام" في جامعة القاهرة؛ وعضو هيئة تدريس في كلية الدراسات العليا في أكاديمية الشرطة... ناقشت وأشرفت على العشرات من الرسائل الجامعيّة)،  وتكلل زواجهما ببنت وصبي: "رنا" بكرهما، المذيعة تليفزيونية في "قناة النيل" الثقافية، وهى قد أخذت عن أبيها الالتزام، واحترام المهنة، وأخلاقياتها، والأمانة في نقل المعلومة للمثقفين وتبسيطها للجمهور ، واحترام كل منزل تدخله  ببرامجها.

أما الصبي محمد، فهو قاضٍ  في مجلس الدولة، وكان حصل سنة 2024 على درجة الدكتوراة عن أطروحة كان موضوعها: "الحماية الجنائية لحق الخصوصية في مواجهة الإعلام الرقمي" من كلية الحقوق جامعة القاهرة، ولا غرابة فى اختيار موضوع الرسالة وعلاقتها بالإعلام فالأب دكتور عماد حسن مكاوي رائد الدراسات الإعلامية، وهو ابن خال رجل القانون وأحد اشهر المحامين في مصر والعالم العربي فريد الديب المحامي الكبير، رحم الله روحه.

 

فى حوار تليفزيوني لفتني ما قاله حسن عماد مكاوي: “يجب إعطاء دور أكبر لما يسمي التربية الإعلامية، والتي تعد شكلاً من أشكال التوعية، وتقوم على كيفية تكوين العقلية الناقدة لمتابعة العمل الإعلامي، فمن المفروض أن نتعلم كيفية التعرف معرفة القيم الايجابية، والسلبية، التي يتم بثها من خلال بعض الأعمال اثناء مشاهدة عمل دراميّ مثلاً، معرفة ماذا يضيف هذا العمل  نشوف إيه اللي هيضفلي في العمل دا وأنا بتفرج عليه، وإيه عوامل الحكم على العمل سواء جيد أم لا، فوسائل الإعلام منشرة فى كل مكان بالنسبة للنشء، والشباب، والأطفال، بدرجة كبيرة ،وانه ضد منع الأطفال مضيفا:

"دا هييجي من خلال رؤيتي للعناصر الجيدة والعناصر السيئة في محتوي العمل، وكيف يتعامل الأهل  مع هذه الوسائل".

 

 ويواصل: "الأم والأب لازم يشوفوا ما يشاهده الأطفال، فأنا ضد المنع، ولكن مع التوعية المنع هيخلي الأطفال يتفرجوا بطريقة أخرى ورغبة مشاهدة الممنوع هتزيد أكثر وأكثر، والمفروض نتفرج مع أولادنا وننصحهم، ونقدم بدايل أخرى أفضل ودا طبعا يحتاج نفقات مالية كبيرة جدا، ولكن تكوين عقلية الإنسان ووعيه ده أهم حاجة ويستحق أي مبالغ تنفق من أجله".

 

                                                                       

  ترك الدكتور مكاوي عشرات الكتب على أرفف المكتبة العربية، ومئات الأبحاث العلمية المنشورة محلياً ودولياً، إلا أنه يعتز بـ3 منها بشكل خاص، لما لها من إسهامات فى إثراء الحياة العلمية بخاصة فى مجال الإعلام وتكنولوجيا الاتصال.

 

شاركته زوجته الدكتورة ليلي حسين السيد في تأليف كتاب "الاتصال ونظرياته المعاصرة"، وهو يتناول "الاتصال" كأحد السمات الإنسانية البارزة، و يعرض نماذج الاتصال ونظرياته التي أفرزتها البحوث خلال القرن العشرين، وربطها بالأصول النفسية والاجتماعية التي أنتجتها العلوم الاجتماعية السابقة على علم الاتصال.. مثل: علم الاجتماع، وعلم النفس الاجتماعي، والعلوم السلوكية، وعلم اللغة، والإنثروبولوجي، وذلك من خلال طرح سبعة نماذج أساسية للاتصال، فضلاً عن أربعين نظرية تسعى إلى شرح وتقييم ظاهرة الاتصال في المجتمعات الحديثة. وهو محاولة علمية موضوعية لرصد خبرات البحوث السابقة، واستعراض أبرز الجهود العلمية في مجال نظريات الاتصال، والتي يمكن معها أن تسد فراغاً ملموساً في المكتبة العربية لهذا النوع من الإنتاج العلمي. 

 

ففي منتصف سنة 2024 احتفلت كلية الإعلام في جامعة القاهرة بحصول عميدها  الأسبق والأستاذ بقسم الإذاعة والتليفزيون، ورئيس مجلس إداراة جمعية خريجي الأعلام الدكتور حسن عماد مكاوي على جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية عن مجمل أعماله العلمية والاجتماعية على مدار مسيرته الحافلة بالأعمال على مستوى البحث العلمى وإسهاماته بالعديد من المؤلفات والأبحاث العلمية. 

 

ومع بداية هذا العام وفي تقدير مستحق، أصدر وزير التعليم العالي والبحث العلمي، الدكتور أيمن عاشور قراراً باختيار الأستاذ الدكتور حسن عماد مكاوي عميد كلية الإعلام جامعة القاهرة الأسبق رئيسا للجنة قطاع الدراسات الإعلامية، وذلك في دورتها 2025/2028.

 

‎ يعيش الدكتور حسن مكاوي حياته، في تواضع العلماء، وبساطة المفكرين، أكاديمي يكتب، ويتحدث، ويشرح، وينير الطريق ويعلم الأجيال. زاهد لا يطلب، متعفف لا يسعى.

 

جميل خصاله هذه، وعمق مبادئه، وحيادية تفكيره، وتقبله الآخر بسلام جعلت منه ابن بلد أصيل.

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز