عاجل
السبت 22 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي

د. إيمان ضاهر تكتب: السلام هو القصة التي نود أن نسمعها اليوم وكل يوم

الحرب لم تعد تنتج النصر.. أليس الأمل في السلام اليوم هو المدينة الفاضلة؟ وهل السلام مهمة مستحيلة؟ قد نميل إلى تعريف التاريخ على أنه سلسلة من الصراعات. يقدم العالم السياسي برتراند بادي رؤية أخرى للتاريخ. "على مدى قرون، كان السلام مجرد غياب الحرب. في اللغة اليومية، نتحدث عن فترة ما بعد الحرب، وفترة ما قبل الحرب، وفترة ما بين الحربين، ولكننا لا نتحدث أبدًا عن فترة ما قبل السلام، على سبيل المثال". وفقًا لعالم السياسة، هذا التعريف للتاريخ له أصوله في إنشاء الدول القومية في العالم خلال عصر النهضة. ثم بدا أن الحرب وظيفية بالنسبة للدول، سلام، وفي الشؤون الدولية،  اليست فترة من الخداع بين فترتين من القتال؟. "لقد تم بناء تاريخنا حول فكرة أن الدولة سيتم تعزيزها وتطويرها من خلال الحرب، وهذه الحرب سوف تجد في الدولة الموارد اللازمة لاستدامتها. لقد نجح الأمر: حصل الفائز على مزايا كبيرة.".لكن اليست التهديدات والخسائر الفادحة  أكبر بكثير من تلك التي يشكلها الفوز بالغنائم؟.. تغير المناخ، القتل والدمار والابادة، والفقر والجوع والحرمان من المأوى والتهديدات الصحية إلخ.. فويلات الحرب تكلف أكثر فأكثر، وتصبح أقل فائدة. اليس السلام أغنية، والحرب باتت عواء طويل بين الصرخات؟.. منذ عام 1945، لاحظ المتخصص ابعاد الحقيقة: فالحرب، هذه الحرباء المدمرة، ألا تحول أي سلام إلى حلم معلق؟ لم تعد تنتج انتصارات إنما ويلات ومصائب تهدد  استقرار البشرية بأجمعها، إن الانتصارات العسكرية النادرة، لم تسفر قط عن انتصارات سياسية ويفسر هذا الانعكاس في الاتجاه من خلال تمزقين رئيسيين: إنهاء الاستعمار والعولمة. لقد سمح إنهاء الاستعمار بانتصار الضعفاء على الأقوياء، مع فوز الانفصاليين سياسيا في نهاية المطاف حتى لو تعرضوا للهزيمة عسكريا. هذا الانعكاس للظروف قلل من قيمة السلطة. فقد حولت العولمة الحرب، التي كانت في السابق بين الجيران، إلى نظام من الترابط المعمم بين الدول والمجتمعات والشعوب، وهو ما يؤدي إلى تضخيم العواقب المترتبة على الصراعات.  كيف يتم تحقيق السلام العادل؟ السلام الحقيقي هو شيء آخر غير غياب الصراعات، إنه سيادة العدالة في كل مكان لا يطأ به اقدام قتلة وطغاة. تحقيق السلام يتم من خلال إشباع الاحتياجات الأساسية واتباع التفكير العقلاني من استراتيجية  الحرب إلى استراتيجية السلام، كما يؤكد العالم السياسي، الذي يعرفه بأنه "إنجاز الإنسان"، السلام ليس غياب الحرب. لقد عرّفه أرسطو بأنه التعايش بين أفراد مختلفين، وعرّفه القديس أوغسطين بأنه قدرة الجميع على شرب الماء النقي. وأليس السلام  هو "الإنجاز الكامل للإنسانية".



لقد تم محو هذا المثل الأعلى لصالح اللعبة السياسية، التي تبدو أكثر ربحية على مايبدو. أليس تاريخ السلام يتطلب إشباع الحاجات الحيوية، وتلبية هذه الاحتياجات من خلال الحوكمة العالمية من شأنه يقود إلى بناء السلام الحقيقي؟. ألا يتوجب على الدول أن تتبنى طريقة التفكير الجديدة هذه؟ ألا تواجه البشرية تحديات عالمية؟ ويخلص برتراند بادي إلى أنه "أصبح من الضروري الآن مساعدة الآخرين على تلبية احتياجاتهم الأساسية وإنهاء سياسات احتلال الدول لبعضها للبعض والكف عن قبول هيمنة وبربرية القوي على الضعيف، ونهج الاذلال والاستبداد الذي نعيشه  اليوم من همجية اعداء الانسان. بالنسبة لبرتراند بادي، يأتي هذا الشعور بالإهانة من عدم الاعتراف بالاحتياجات الأساسية للإنسانية: عدم الاحترام والازدراء والاعتراف بحقوق الآخرين الشرعي والإنساني في ارضهم التاريخية المقدسة. "إذا تعرض الآخر لسوء المعاملة، سأكون أنا الضحية، لأن غضب الآخر سينتهي بتدميري." وهل السلام يزدهر تحت القنابل؟ والجواب لا، لابد من بناء جسور الاعتراف الصامدة والتفاهم والوفاق للوصول الى السلام. أليس السلام ما زال وسيبقى حلما معلقا؟ بالنسبة لبرتراند بادي، المشكلة الحقيقية أن السلام سيبقى وهما على الإطلاق، ويستشهد بالسياسة التي تنتهجها إسرائيل كمثال: "ليس لدى إسرائيل سياسة سلام بل سياسة هيمنة. و تزعم أن السبيل الوحيد لضمان ذلك هو التحكم والقوة" أن السلام لن يرى النور على مايبدو". إنما القوة، لكن هذه القوة لا تنتج الأمن ولا السلام، بل تولد المزيد والمزيد من الاستياء والكراهية والعنف الذي لامثيل له في عصرنا الحديث. والحل، بحسب عالم السياسة، هو القطيعة مع منطق القوة هذا لتبني سياسة السلام. ويظل العنصر الوحيد القابل للتطبيق هو حل الدولتين، حيث يتم إضفاء الطابع المؤسسي على التعايش بين الشعبين. وإلا سندرك مع الشاعر الفرنسي مقولته في كتابه ازمة الروح ولنردد بعد رؤية الابادة للانسان والارض في غزة: "نحن الحضارات نعرف الآن إننا فانون أطلق فاليري، أحد أكثر العقول وضوحًا في ذلك الوقت، صرخة الإنذار هذه، لعودة السلام: «لقد سمعنا عن عوالم بأكملها تختفي، عن إمبراطوريات غرقت بكل رجالها ومعداتهم؛  لقد نزلوا إلى أعماق القرون غير القابلة  للاستكشاف مع آلهتهم وقوانينهم ، وأكاديمياتهم وعلومهم . لكن حطام السفن هذه، في نهاية المطاف، لم يكن من شأننا. عيلام ونينوى وبابل كانت أسماء جميلة غامضة ونحن الآن نرى أن الهاوية التاريخية واسعة بما يكفي للجميع، لان الحضارة    لها نفس هشاشة الحياة. وأخيرا، سيأتي يوم لن تقاتلوا فيه بعضكم البعض.. أيها السادة،  ستظل لديكم خلافات يجب تسويتها، ومصالح يجب مناقشتها، ونزاعات يجب حلها، ولكن هل تعرفون ما الذي سنصنعه بدلاً من اسلحة الدمار؟ هل تتصورون ماذا سنضع مكان  المدافع، والصقور، والرماح، والحراب، والسيوف؟ سنضع صندوقا صغيرا اسمه صندوق العدالة، ومن هذا الصندوق ماذا سينبع؟ التجمع والتضامن، الوئام والاحترام والاعتراف بحق العيش بالمساواة الانسانية! مجلس سلام ستشعرون فيه جميعًا بالحياة، مجلس سيكون مثل روحكم جميعًا، مجلس سيادي وشعبي سيقرر  كل شيء في القانون، والذي سيجعل الطائرات المسيرة تسقط  لترتفع كل الأيدي والعدالة في كل القلوب، التي ستقول لكل معتدي: هنا ينتهي حقك، وهنا يبدأ واجبك. اخفضوا أيديكم! تعيش بسلام!" يأتي يوم لن يكون هناك ساحة معركة، سوى الامم المنفتحة على التطور، والعقول المنفتحة على الأفكار. سيأتي يوم تُستبدل فيه قذائف المدفعية والقنابل بالأصوات، بالاعتراف بحرية وكرامة الشعب المقهور والسلام المريض. سيأتي يوم نعرض فيه المدافع في المتاحف كما نعرضها اليوم أداة تعذيب، ونفاجأ أنه كان من  الممكن أن يكون كذلك!

ونهاية، نحن حضارة تعرف كيف تصنع الحرب، لكنها لم تعد تعرف كيف تصنع السلام. اليوم، في ظلام العالم وفي الأمل، أؤكد إيماني بمستقبل البشرية. أنا أرفض الاعتقاد بأن الظروف الحالية تجعل البشر غير قادرين على خلق أرض أفضل للامة الفلسطينية. أرفض أن أشارك رأي  أولئك الذين يزعمون أن الإنسان الفلسطيني الرائع أسير في الليل لدرجة أن فجر السلام والأخوة لا يمكن أن يصبح حقيقة. أعتقد أن الحقيقة والحب، دون شروط، سيكون لهما الكلمة الأخيرة. الحياة، حتى لو هُزمت مؤقتًا، تظل دائمًا أقوى من الموت. أعتقد اعتقادًا راسخًا أنه لا يزال هناك أمل في صباح مشرق لكل شعب فلسطين البطل، وأعتقد أن اللطف السلمي سيصبح يومًا ما قانونًا لايتحول يستطيع كل فلسطيني  أن يجلس تحت تينته، ​​في كرمه، ولن  يكون هناك سبب للخوف بعد الآن. هل سيبقى حلم السلام معلقا؟ "حمامة السلام، بعد مافعلناه بها، دعونا نفهم انها " مترددة في العودة – سلام عليها وعلى حاملي  رسائلها ومن يستحقون ارتداء عبائتها" ولكن، سنبقى نقرأ قصة السلام دوما، ونصغي اليها اليوم وكل يوم.

أستاذة متخصصة في الأدب الفرنسي واللغات والفن الدرامي، من جامعات السوربون في باريس

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز