
"فورين بوليسي" تتساءل عن سبب نجاح التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس الآن؟

وكالات
مع إعلان مصر وقطر والولايات المتحدة الأمريكية توصل طرفي النزاع في غزة إلى اتفاق لتبادل الأسرى والمحتجزين والعودة إلى الهدوء المستدام بما يحقق وقفا دائما لإطلاق النار بين الطرفين، تساءلت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية عن سبب النجاح في التوصل إلى هذا الاتفاق الآن رغم أن بنوده مشابهة لتلك التي طرحت العام الماضي وعمل المفاوضون عليها لعدة أشهر؟
وذكرت المجلة أنه في 7 أكتوبر 2023، شنت حركة حماس هجوما على إسرائيل أسفر عن مقتل أكثر من 1200 إسرائيلي واحتجاز 250 آخرين كرهائن. بعد ذلك، شنت إسرائيل حملة عسكرية شرسة أسفرت عن مقتل أكثر من 46000 فلسطيني في قطاع غزة، ودمرت معظم القطاع.
وترددت كل من إسرائيل وحماس - وفقا للمجلة - في إنهاء الصراع، حتى مع تصاعد معاناة المدنيين في غزة، حيث كانت حماس تخشى أن يؤدي وقف مؤقت للقتال في مقابل إطلاق سراح الرهائن، بدلا من وقف إطلاق النار الدائم، إلى دفع إسرائيل ببساطة إلى مضاعفة حملتها بمجرد تأمين الرهائن، فيما عبرت إسرائيل عن رغبتها في تدمير الجماعة المسلحة بالكامل (حماس). وبصرف النظر عن هذا المطلب، أرادت إسرائيل كذلك العديد من المطالب الأخرى. وحاول المسؤولون الأمريكيون، إلى جانب المفاوضين من مصر وقطر، مرارا وتكرارا سد هذه الخلافات.
وأوضحت المجلة الأمريكية أنه من جانب حماس، فإن منطق وقف إطلاق النار (بالشروط الإسرائيلية)، واضح ومباشر، حيث يعني بالنسبة لها دمار المنظمة. فإسرائيل تزعم أنها قتلت 17000 مقاتل من حماس، ودمرت الكثير (وإن لم يكن أغلبها على الأرجح) من شبكة أنفاق حماس والبنية الأساسية الأخرى، وقتلت العديد من كبار قادة الحركة سواء في غزة أو خارجها. وبصرف النظر عن هذه الخسائر، فإن شعبية حماس هي الأخرى آخذة في الانخفاض. كما أن حليفها حزب الله انسحب من الحرب بعد أن عانى من خسائر مدمرة من الهجمات الإسرائيلية، فيما تعاني إيران من جراح خسائرها.
وبالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته، فإن مسألة إنهاء الحرب كانت تواجه صعوبات سياسية، مع تفضيل ائتلاف نتنياهو اليميني المتطرف اتباع سياسة صارمة تجاه حماس، سعيا إلى تدميرها بالكامل، وإن كانت الممارسات العملية لتحقيق هذا الهدف غير واضحة.
وبينت المجلة أن التأخير في إعلان الاتفاق كان مفيدا في مرحلة ما للجانبين، حيث ساهم في تجدد حركة حماس وإن كان ببطء، مع استعادة، على الأقل، بعض نفوذها في غزة. كما أن الصعوبات السياسية التي يواجهها نتنياهو ــ الذي يواجه المحاكمة بتهمة الفساد ــ تجعله في موقف ضعيف، حيث مع وقف إطلاق النار، سيتم محاسبته على إخفاقات السابع من أكتوبر، بما في ذلك الدور الذي لعبه في السماح لحماس ببناء قوتها وإعطاء الأولوية لمسارح أخرى على حساب غزة.
ولفتت "فورين بوليسي" إلى أن نقطة التحول تتمثل في أن إسرائيل نفسها –وقبل الإعلان عن اتفاق وقت إطلاق النار- كانت منهكة بسبب الحرب، إضافة إلى أن عمليات غزة، منذ عدة أشهر، لا تحقق النتائج المأمولة. ودللت المجلة على ذلك بالإشارة إلى اعتراف يوآف جالانت، وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، قبل أشهر، بأن إسرائيل لم تعد لديها أي مهمة عسكرية حقيقية في غزة. كما أن قتل زعيم آخر من القيادة الوسطى في حماس أو مجموعة من مقاتلي حماس لا يهم كثيرا من حيث قوة المنظمة. وقد يكون للغضب الدولي الذي واجهته إسرائيل، بما في ذلك تراجع الدعم بين الشباب والديمقراطيين في الولايات المتحدة، تكاليف طويلة الأجل على إسرائيل. فالرأي العام الإسرائيلي بلغ مرحلة يفضل فيها التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن، مع تخفيف الضغط عن الجيش، الذي يعتمد بشكل كبير على قوات الاحتياط، بعد أكثر من عام من القتال العنيف.
وترى المجلة الأمريكية أن إعلان الاتفاق الآن، رغم أن بنوده كانت مطروحة منذ فترة طويلة، من شأنه أيضا تمكين مسؤولي إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، أن يزعموا أن جهودهم أنهت حربا دموية شوهت إرث الرئيس المنتهية ولايته بين العديد من الديمقراطيين، رغم أن البعض قد ينسب الفضل إلى الرئيس المنتخب دونالد ترامب في ذلك.
واعتبرت المجلة أنه من الناحية السياسية، يمكن الاتفاق إسرائيل من تسجيل نقاط مع الإدارة الأمريكية الجديدة، التي وعدت بإنهاء الحرب عند توليها السلطة، خاصة وأن ترامب هدد بأن "الجحيم سوف يندلع في الشرق الأوسط" إذا لم تطلق حماس سراح الرهائن، وهو الأمر الذي بدا غير واضح، لكنه كان مخيفا بالتأكيد.
كما أن ترامب نفسه –وفقا لتقارير إعلامية إسرائيلية- مارس ضغوطا كبيرة على نتنياهو لقبول الاتفاق، وأنه (ترامب) سوف يستمتع بالإنجاز، معلنا أنه حقق على الفور ما لم يتمكن بايدن من تحقيقه في أكثر من عام.
ونبهت "فورين بوليسي" إلى بعض التحديات التي تواجه صمود اتفاق وقت إطلاق النار، ومن بينها: إذا بدأت حماس في استعادة السلطة في أجزاء من غزة، قد ينفذ القادة الإسرائيليون ضربات ضدها. وقد يخرقون أيضا وقف إطلاق النار لقتل زعيم مطلوب بشكل خاص. ومن جانبها، قد تشن حماس هجمات على القوات الإسرائيلية المتبقية في غزة أو على أي مجموعة تحاول تهجيرها. ولا يعني أي من هذا استئناف الحرب رسمياً، ولكن من شأنه أن يعيق منظمات الإغاثة والجهود الرامية إلى إعادة بناء قطاع غزة.
وأخيرا، بالنسبة للفلسطينيين الذين يعيشون في غزة، فإن وقف إطلاق النار لا يزال خبرا طيبا، ولكن ربما تظل الأوضاع هناك غير واضحة لسنوات عديدة قادمة.