متحدثا عن الحب والفن والحياة
يسري نصر الله: اختلفت مع "يوسف شاهين" كثيرا وأحمد زكي قال لي أنت حمار!
هبة محمد علي
قصص الحب ملهمة بالنسبة لي، وأحب أن يغادر جمهور السينما القاعة بعد مشاهدته أفلامي ولديه شعور بأنه ليس وحده
قضيت في بيروت أربع سنوات، وشعرت بعدها أن نظرتي للعالم قد تبلورت وأنني جاهز لأن أحكي عن طريق السينما.
منذ خطواته الأولى في عالم الإخراج السينمائي، سخر المخرج الكبير"يسري نصر الله" كاميرته لرصد الواقع المصري عبر لغة سينمائية مختلفة لا يشبهه فيها أحد، وعلى مدى 35 عاما، استطاع "نصر الله" أن يصنع من خلال أفلامه عالما سينمائيا متفردا لا تحكمه القوانين السائدة، حيث يبحث عن زوايا مختلفة ليروي بها أفلامه، سواء الأفلام التي شارك في تأليفها، أو التي اكتفى فيها بدوره كمخرج فقط، متحررا في ذلك من أي معادلة تجارية تفرضها عليه قواعد السوق، سواء في اختيار الموضوعات، أو أسلوب تقديمها، أو سطوة النجوم على الأفيشات.
ولذلك فلا عجب أن توصف سينما "يسري نصر الله" بأنها سينما لا تشيخ، أو بالأحرى، هي سينما تجدد شبابها بمرور الزمن.
في حياته، محطات فارقة، بعضها صنعها بنفسه، وبعضها لعب القدر فيها لعبته ليضفي عليها طابعا دراميا، مثل ميلاده في 26 يوليو سنة 1952 أي بعد ثلاثة أيام من الثورة، واختيار الرئيس جمال عبد الناصر لليوم نفسه سنة 61 ليعلن قرارات التأميم فتتحول ذكرى ميلاده إلى يوم كئيب بالنسبة لأسرته الإقطاعية، وسفره إلى بيروت إبان الحرب الأهلية، وعمله في الصحافة التي كانت جواز مروره إلى عالم "يوسف شاهين" ليتحول فيما بعد إلى مساعده، وأحد تلاميذه النجباء، وفي حوارنا معه، تحدثنا عن أفلامه، وتوقفنا عند محطات عديدة كان لها أكبر الأثر على تجربته الإخراجية المتفردة، وإلى نص الحوار..
اسمح لنا أن نعود معك إلى البدايات، كيف نشأ الطفل "يسري نصر الله"؟ وكيف انعكست طفولته على أسلوبه في إخراج أفلامه؟
تأثير الطفولة على أسلوب المخرج أمر حقيقي، ومن المؤكد أن طفولتي لها تأثير علي، وعلى نظرتي للحياة، وقدرتي على التعبير عنها سينمائيا، فقد ولدت في حي الزمالك، في نفس البناية التي أعيش بها حتى الآن، وعشت طفولتي بين أبوين منفصلين، وكنت طفلا منطويا، لذلك كنت أجد في القصص والروايات، وحكايات جدتي، ثم السينما بعد أن اكتشفتها ملاذا، وفرصة لكي أحلم، فالقصص والروايات والسينما ليست للتسلية فقط، بل لتمنحنا شعورا بأننا لسنا بمفردنا.
وقد عشقت الإخراج منذ طفولتي، وأذكر أنه في سن السادسة، اصطحبني والدي لمشاهدة فيلم (رحلة في منتصف الأرض) فابهرني هذا العالم، وسألته بعد نهاية الفيلم، من يصنع كل هذا؟ فأجابني بأنه شخص يدعى المخرج، ومن يومها وأنا أوقع على دفاتري ورسوماتي بإمضاء (المخرج يسري نصر الله)
على مدخل البناية، وقبل صعودنا إليك، لمحنا لافتة (عاش هنا المخرج شادي عبد السلام) حدثنا عن هذه الجيرة التي من المؤكد لها دور كبير أيضا في قرار امتهانك للإخراج؟
كنت محظوظا بجيرة المخرج الكبير "شادي عبد السلام" وأذكر أنني في مراهقتي كنت أتحين الفرصة لأن أجلس بجواره في سيارته، لأستمع لحكايات عن السينما التي أعشقها، وقد أجريت معه مجموعة حوارات عن السينما نُشرت في مجلة مدرستي الألمانية، كما كتبت مقالا مطولا عن فيلم "المومياء"، أرفقته بصور ورسومات حصلت عليها "شادي" الذي كان مؤمنا بي، ومستجيبا لشغفي للسينما.
.
فلماذا إذا لم تلتحق بمعهد السينما، وقررت التخصص في دراسة الإحصاء بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية؟
في زمني كان الالتحاق بمعهد السينما يشترط الحصول على شهادة جامعية مسبقا ولذلك التحقت بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية على أساس أن أنهي دراستي بها، والتحق بعد ذلك بالمعهد، ثم تغير هذا النظام فالتحقت بالمعهد وأنا في السنة الثانية من الكلية، ولم استطع أن أبقى به سوى أشهر معدودة، فقد اصطدمت بالبيروقراطية الشديدة، وأذكر أنني طلبت من عميد المعهد، ومعي مجموعة من الزملاء، أن يأذن بمنحنا خام لنقوم بالتصوير كنوع من التدريب العملي، فطردنا من المكتب، وقال لنا لن تمسكوا بكاميرا تصوير إلا في السنة النهائية، والحقيقة أنني وجدت أن هذا الأمر لا يتوافق مع طموحي، خاصة أنني في هذا الوقت كنت عضوا فاعلا في حركة نوادي السينما، وكنت أداوم على الكتابة في نشرة نادي السينما، وكما كنت على مقربة من المخرج "شادي عبد السلام" كما ذكرت سلفا، وفي مكتبه تعرفت على "رأفت الميهي، وسمير فريد، ومصطفى درويش، وصلاح مرعي" وهو ما دفعني أن أتخذ قرار الرحيل عن المعهد مبكرا جدا.
إذا كان الالتحاق بمعهد السينما يشترط الحصول على شهادة جامعية مسبقا في زمنك، فلماذا اخترت دراسة الإحصاء تحديدا رغم أنها بعيدة عن ميولك الأدبية؟
بالفعل كانت ميولي أدبية، وكنت متفوقا في اللغات، لدراستي في المدرسة الألمانية منذ مرحلة الحضانة، حتى الثانوية، ومع كل ذلك كان والدي يراني فاشلا، لأني لست متفوقا في الرياضيات والعلوم مثل المواد الأخرى، وقد خلق هذا الأمر عندي شيء أشبه بالعقدة، وجعلني أختار تخصص الإحصاء لكي أثبت له أنني شخص ناجح، رغم أنه كان متوفيا وقت التحاقي بالجامعة، فأكنني كنت أرغب أن أثبت هذه الحقيقة للأشباح!
ومع ذلك فقد كانت مرحلة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية مرحلة فارقة في حياتي.
وكيف كان ذلك؟
لأن عالمي كان ضيقا ومحدودا منذ طفولتي، فمدرستي بجانب منزلي، وزملاء دراستي هم الطلاب العشرة الذين رافقوني في الفصل منذ الطفولة، وبما أنني من أسرة اقطاعية، رافضة لقرارات "جمال عبد الناصر" الخاصة بالتأميم، والإصلاح الزراعي وخلافه، فقد تربيت وسط تحذيرات من الكلام في أي شأن عام لأن (الحيطان لها ودان) كما يقولون، ورغم أن التخرج من المدرسة الألمانية يحدث بعد 13 عاما من الدراسة، وليس 12 مثل الثانوية العامة، ورغم أن كل المعلمين في المدرسة كانوا يعدونني لأن أحصل على الثانوية الألمانية لأكمل تعليمي في ألمانيا، إلا أنني في السنة الثانية عشر، شعرت برغبة في مغادرة هذا العالم الضيق بأقصى سرعة، فحولت أوراقي إلى الثانوية العامة، وحصلت عليها بمجموع كبير، والتحقت بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية سنة 1971 فعاصرت نشأة الحركة الطلابية والتي كانت بالنسبة لي (تنفيسة) فالجميع نسي ايدلوجيته وكانت النزعة الوطنية هي المحرك الأساسي لأي حراك، ولو شئت الحقيقة فإن الإحباط الكبير الذي أصابني في معهد السينما وجعلني أعدل عن استكمال الدراسة فيه لم يكن سببه البيروقراطية فقط كما سبق أن ذكرت، ولكنني شعرت أن المعهد (جيتو) يشبه (جيتو) المدرسة الألمانية التي عشت حياتي بها منعزلا عن العالم، ولم يكن في مقدوري أن اترك المظاهرات، والحرب التي على وشك الاشتعال، والنقاش المجتمعي الذي كنت مراقبا له لأول مرة لأعود إلى العزلة مجددا، فلا يمكن أن أصنع أفلاما دون أن اكتشف العالم المحيط بي، وبالمناسبة، فقد درست في كلية الآداب دراسات حرة من أجل أن أوطد علاقتي بالأدب العربي، وأشبع شغفي باللغة، وأعيد اكتشافها، خاصة أن وجودها في حياتي كان هامشيا، حيث كانت دراستي بالألمانية، وأسرتي تتحدث الفرنسية داخل المنزل، والمنهج الدراسي لم يستطع أن يكشف لي هذا الجزء الناقص من العالم، فذهبت إليه لاكتشفه.
اكتشفت مجتمعك، والعالم المحيط بك سعيا لأن تصنع سينما تعبر عنه، ثم تركت كل هذا، وسافرت إلى بيروت لتعمل ناقدا صحفيا هناك! فلماذا اتخذت هذا القرار؟
كان ذهابي إلى بيروت بدعوة من صديقة من أجل صناعة فيلم عن الأطفال الفلسطينيين أبناء شهداء تل الزعتر، وعندما وصلت إلى هناك، تطوعت لتدريس هؤلاء الأطفال اللغة الإنجليزية، والرياضيات، في محاولة للتقرب منهم، وكانت المرة الأولى التي تتحول فيها علاقتي بالقضية الفلسطينية من علاقة نظرية إلى علاقة حقيقية، فقد كنت أدعم القضية بكل تأكيد، لكنهم في هذه اللحظة تحولوا من قضية إلى بشر، وفي المخيمات، وجدت كثيرا من الخلط، والتشويش، فقد ترسخ بداخلهم أن إسرائيل هي عدوهم الأوحد، بينما من ذبح أسرهم كان الجيش السوري، والكتائب، ورغبتي في إظهار الحقائق دون خلط حال بيني وبين إتمام المشروع، ولأن عملي طوال الأشهر التي قضيتها في المخيمات من أجل إتمام الفيلم كان تطوعيا، كان علي أن ألتحق بعمل آخر اتكسب منه، فالتحقت بجريدة السفير، وبدأت في كتابة مقالات نقدية عن الأفلام التي أشاهدها وقضيت هناك أربع سنوات، شاركت خلالها في فيلمين أحدهما (المزيف) مع المخرج الألماني "فولكر شلوندورف" وكان دوري يقتصر على الترجمة وبعض المهام الأخرى، لكني لم أحب التجربة، على عكس تجربتي الأخرى في الفيلم الوثائقي (مصائب قوم) مع المخرج السوري "عمر أميرلاي" وفي بيروت، اكتشفت مفهوم المدينة الذي تبنيته في أعمالي، فدائما ما كانت المدينة في مخيلتي هي المكان الحاضن لكنها في الحقيقة مكان طارد يجبرك على الصراع من أجل البقاء فيه، والمهم أنني بمرور السنوات الأربع التي قضيتها في بيروت كنت قد شعرت أن نظرتي للعالم قد تبلورت وأنني جاهز لأن أحكي حكايتي في أقرب وقت.
لكن الصحافة كانت هي أيضا مدخلك إلى "عالم يوسف شاهين" هل لك أن تقص علينا كواليس اللقاء الأول؟
كان فيلم (إسكندرية ليه) مهددا بالمنع والمصادرة من كافة الدول العربية، نظرا للاتهامات التي وجهت إليه بالتطبيع، بالإضافة إلى المقاطعة العربية التي تسببت بها معاهدة السلام مع إسرائيل، وأتيحت لي الفرصة أن أشاهد الفيلم في عرض خاص حضره الرئيس الفلسطيني آنذاك "ياسر عرفات" وقد حضر العرض كل قيادات منظمة التحرير، لم أتحدث يومها إلى "عرفات" لكني شاهدته يصفق بعد انتهاء العرض، وانتهت حكاية الفيلم، لكن الحكاية بالنسبة لي في هذه اللحظة كانت قد بدأت، حيث أسرني ما شاهدته في الفيلم من تحرر، ودفء، وفكر سينمائي مختلف، فطلبت من رئيس التحرير أن أعود إلى مصر لكي أجرى حوارا مع "شاهين" وبالفعل أجريت حوارا مطولا معه نشر على ثلاث حلقات، وعرض علي بعدها العودة للعمل معه، وهو ما حدث بالفعل.
ما أبرز ما تذكره عن هذا الحوار؟
حديثه عن المونتيرة "رشيدة عبد السلام" حينما حكى أنه كان يقف بجوارها أثناء مرحلة مونتاج (إسكندرية ليه) ووجدها لا تفهم معنى الفيلم، وأخذ يطالبها بأن تقص مشاهد، وتركب أخرى، وبالطبع كانت تنازعه الرغبة في قول ما يرغب، والرغبة في إخفائه تحسبا للرقابة، فسألته رشيدة (ما الذي تريد أن تقوله من خلال هذا الفيلم؟) فقص عليها حكايته، فطلبت منه مغادرة الغرفة، وقامت هي بمونتاج الفيلم، وإذا شئت فإن هذا هو الدرس الأول الذي تعلمته من شاهين، وهو ضرورة أن يحيط المخرج نفسه بأشخاص تعيده إلى صدقه مثل "رشيدة عبد السلام" الأمر الذي اتبعته في كل أفلامي.
لكن متى اتخذت قرارك بأن تترك بيروت وتعود إلى القاهرة من أجل العمل كمساعد له في أفلامه؟
لهذه القصة جانب كوميدي، حيث إنه في إحدى زياراتي إلى القاهرة قال لي لماذا لا تترك لبنان وتعمل معي وسأمنحك 30 جنيه في الشهر، بالطبع كنت أتقاضى من جريدة السفير مبلغا أكبر من هذا بكثير، لكني وافقت بلا تردد، وعدت إلى بيروت لأجمع متعلقاتي، وعندما رجعت إلى القاهرة، وذهبت إلى مكتبه نظر لي وقال (من أنت؟) لكنه بالطبع تذكرني بعد ذلك وطلب مني أن أقرأ سيناريوهات في مكتبه، لأكتب عليها ملاحظاتي، ثم عرض علي مشروع (الوداع يا بونابرت) وطلب مني السرية التامة، وبدأت العمل معه كمساعد مخرج مبتدئ.
لكنه وضع اسمك على الأفيش باعتبارك مساعد له في كتابة السيناريو أيضا ليسبق اسمك "محسن محيي الدين وجان ميشيل كوميت" فما هي طبيعة دورك في سيناريو (الوداع يا بونابرت)؟
لقد كنت رافضا بشدة لوضع اسمي، ودائما كنت أقول له هذا السيناريو خاص بك أنت، ويعبر عنك وعن تجربتك، والتي أحبها كثيرا لكنها لا تشبه تجربتي، فنظرتي للعالم تختلف عن نظرتك للعالم ولا يعني نقاشي معك في بعض المشاهد أن تجعلني شريكا في كتابة السيناريو، وقد كان هذا الحديث يغضبه.
ما الذي تعنيه باختلاف نظرتكما عن العالم، وإلى أي مدى وصل الخلاف بينك وبين "جو"؟
اختلاف نظرتي للعالم عن نظرة يوسف شاهين تتمثل في أن قضيته دائما كانت مع السلطة، وبعد هزيمة 67 كان يود أن يوجه لها رسائل من خلال أفلامه بأنه شارك في الحرب لكنه لم ينهزم مثلما انهزموا، أما أنا فقد كانت قضيتي مع جاري، وزميلي في الجامعة الذي يحمل معه آلة حادة يهددني بها لأن فكري لا يشبه فكره المتطرف.
أما عن علاقتي "بشاهين" فقد كانت قوية جدا حتى رحيله، وأعتقد أن صدامنا الأساسي كان سببه المعادلة التجارية التي كان يصنعها في أفلامه، بوضع نجوم في الفيلم من أجل تسليط الضوء على فنان شاب، وهذه المعادلة لم ألجأ إليها قط في حياتي، فاختياراتي لأبطال أفلامي مختلفة تماما، وبعيدة كل البعد عن هذه المعادلة التجارية، ودائما كان شاهين يعترض على اختياراتي لأبطال أفلامي على اعتبار أنهم لا يمتلكون مواصفات النجوم، وأنا كنت أقول لا تطلب مني أن أفعل شيئا فعلته أنت رضوخا لمعادلة أنا واثق أنك غير مقتنع بها، ومن هنا كان يولد الصدام.
وما هي الفلسفة التي تختار على أساسها أبطال أفلامك؟
فلسفتي تتلخص في ضرورة استعانة المخرج بالممثل، بشكل يرتبط بمدى مناسبته للدور، وليس لحجم نجوميته، وأعتقد أن هذه العلاقة يجب أن تكون السائدة في أي عمل فني، لأنها ستخلق بدورها حالة من الأمان والطمأنينة بين العنصرين، ومع بداية تجربتي كمخرج في فيلمي الأول (سرقات صيفية) لم يكن يعرفني أحد، وحاولت عرض فيلمي على عدد من النجوم، لكن جميعهم رفضوا الفيلم، ولا سيما مع وجود بعض العبارات الناقدة لتجربة الرئيس "جمال عبد الناصر" التي تأتي على لسان البطلات المنتمين إلى الأسرة الإقطاعية، والحقيقة أن جميع من شاركوا معي في هذه التجربة هم نجوم لهم بريق مختلف، ولم يكن من الممكن أن يظهر هذا الفيلم إلى النور بدون وجود "عبلة كامل، ومنحة البطراوي، حسن الجريتلي، منى زكريا، ومها عفت، وتميم عبده" بالإضافة إلى المخرج "رضوان الكاشف" الذي عمل معي في الفيلم كمساعد مخرج، وغيرهم من الفنانين الذين شاركوني التجربة، عملت بعد ذلك فيلمي الثاني (مرسيدس) مع "يسرا" وقد كانت نجمة بالطبع، لكني لم أعمل ضد نجوميتها، ولم استغلها بشكل سيئ أيضا، فأنا أرفض أن يعمل المخرج ضد الصورة الذهنية التي عرف بها الفنان، وفي المقابل لا أتعامل مع النجوم كعرائس شكلها جميل، لكنهم في أفلامي يضيفون لي، وأضيف لهم بكل تأكيد، والدليل أنني أصريت على أن يلعب "زكي فطين عبد الوهاب" بطولة مرسيدس، رغم إلحاح "أحمد زكي" على القيام بالدور، بعد أن أعطاه "شاهين" السيناريو ليقرأه، وعندما اعتذرت له عن ذلك، وقلت له أن البطل لابد أن يكون أبيض البشرة، فقال لي (أنت حمار، وما بتعرفش تخرج) والحقيقة أن تجربة فيلم (مرسيدس) كانت مختلفة جدا، وعصية على التصنيف، وهو أشبه بحكايات (ألف ليلة وليلة) وقد طلبت من صديقي الشاعر الراحل "سيد حجاب" مراجعة الحوار، وإضافة لمحة كوميدية له.
بالعودة إلى سرقات صيفية، لماذا قوبل هذا الفيلم بهجوم شديد عند طرحه في السينما؟
بدأت معركتي من أجل هذا الفيلم في الرقابة التي رفضت أن تمنحني تصريحا لتصويره رغم إعجابهم بالسيناريو، بحجة أنه ضد "جمال عبد الناصر" فقلت لهم هو ليس ضده، ولا معه، فلم يتم استيعاب ذلك بسهولة، كما إنه تعرض لهجوم آخر بعد عرضه، حيث قيل إنه فيلم فرنسي وليس مصري لأن إيقاعه بطيء مثل الأفلام الفرنسية، وقد كان هذا الانتقاد كوميديا بالنسبة لي، وتساءلت هل تعد "أم كلثوم" فرنسية لأن إيقاعها بطئ؟ أما المعركة الأساسية بالنسبة للمنتقدين فقد كانت (من أنت لتصنع فيلما عن سيرتك الذاتية؟) وهي المعركة التي بدأها قبلي "يوسف شاهين" بسنوات، عندما صنع فيلمه (إسكندرية ليه) والحقيقة أن الفيلم وإن كان فيه من الذاتية، لكنه فيلم روائي أيضا، حيث حاولت اترجم مشاعري وأنا طفل صغير، تجاه منظومتين من القيم بينهما اختلاف كلي، فالمنظومة الأولى ترى أننا كعائلة إقطاعية تم الاستيلاء على ممتلكاتنا بغير وجه حق، ومنظومة أخرى ترى أننا نحن اللصوص، وبين المنظومتين طفل، يحاول أن يصنع رؤية خاصة به، ليتعامل من خلالها مع العالم، ولذلك قررت أن أحكي مشاعري من خلال (سرقات صيفية) من خلال قصة لا يشترط أن تكون أحداثها حدثت بالفعل، لكنها مبنية على ما حدث بالفعل، والإحساس من ورائها حقيقي، مثل مشاهد العوم في الترعة، أو الصداقة بين البطل والفلاح، وغيرها، وبعضها حدث بالفعل، مثل خطبة عبد الناصر التي أعلن خلالها القرارات والتي صادفت يوم ميلادي، فحولت هذا اليوم إلى كابوس بالنسبة لعائلتي، وإن كانت المفارقة الآن تبدو طريفة، لكنني وضعتها في الفيلم كما عشتها.
وقد حقق الفيلم نجاحا كبيرا وقت عرضه، وعرض تجاريا في فرنسا، كما عرض في التليفزيون الألماني، كما تم عرضه في مهرجان كان، لكن كل هذا لم يولد بداخلي شعورا بالعظمة، وسعادتي الحقيقية عندما شاهد الفيلم أبناء أصدقائي بعد 15 أو 20 عاما من عرضه، ووجدت منهم تفاعلا وإعجابا كبيرا بالفيلم.
لفت نظري عودتك مرة أخرى للعمل مع "شاهين" كمساعد مخرج في فيلم (إسكندرية كمان وكمان) سنة 90 بعد إخراجك لفيلم (سرقات صيفية) بعامين، هل تم ذلك وفاء لأستاذك ومعلمك، أم أن المسألة لها تفسير آخر؟
صناعة فيلم من إخراجي ليست ترقية حصلت عليها، وبالتالي لم أجد غضاضة أبدا في العودة مرة أخرى للعمل كمساعد مخرج، ومن السهل جدا أن أردد كلاما عن تواضعي، وعن رد الجميل لأستاذي، وما إلى ذلك من العبارات الرنانة، لكن الحكاية ببساطة أن (إسكندرية كمان وكمان) مشروع ضخم لا يتكرر، وكنت راغبا في أن أكون جزء منه.
لماذا اخترت أن تصبح خطوتك الثالثة تقديم فيلم وثائقي، وما الذي جعلك تختار الفنان "باسم سمرة" لتروي قصته مع أسرته وجيرانه في هذا الفيلم؟
جاءت فكرة الفيلم عندما قرأت مقالا في (مجلة روز اليوسف) ذكر أن أحد قتلة السادات عندما خرج من محبسه، التقى بوزير الداخلية وقال له نحن انتصرنا، لأن كل السيدات والفتيات في الشارع أصبحن محجبات، ومن خبرتي ومعرفتي بسيدات محجبات، أعلم تماما أن موقفهم معارض تماما لهذا الرجل، وأن بعض الفتيات ارتدين الحجاب كعادة اجتماعية، والبعض الآخر قمن بارتدائه نتيجة الخوف الذي بثه هؤلاء في نفوسهم بعد حرق نوادي الفيديو وغيره من الحوادث، والحقيقة أن الفضول كان يتملكني لاكتشف هذا العالم الذي لم أكن أعرفه، وعندما قصصت هذه الفكرة على "باسم سمرة" قال لي (تعالى اعمله عندنا في نزلة بطران) وهي منطقة تتبع حي الهرم كان يسكن فيها مع أسرته، و"باسم" بخلاف أنه كان في هذا الوقت يهوى التمثيل، إلا أن أهم ما كان يميزه ويجعله صالحا للفيلم أنه شاب يعيش في نزلة بطران، وأصوله تعود إلى مدينة بلقاس، ويرتبط بعلاقة مع شلة أصدقاء من نزلة السمان، ويذهب كل يوم إلى منطقة الصف بالجيزة، حيث مدرسة التعليم الصناعي التي كان يعمل مدرسا بها، كما تربطه علاقة بالمعلمين في المدرسة الصناعية للبنات في نفس المنطقة، أي أنه يمتلك تحركات اجتماعية في أوساط شديدة الاختلاف، وهذا الأمر مثير سينمائيا، والحقيقة أن هذا الفيلم هو أكثر أفلامي التي أحب أن أعيد مشاهدتها، لأنها مثل ألبوم العائلة الذي أحب تأمله من حين لآخر، فجميع من ظهروا في الفيلم أشعر تجاههم بمشاعر محبة صادقة، لذلك قررت أن أظهر حياتهم بلا تنظير، أو تقليل منهم.
قدمت بعد ذلك فيلم (المدينة) وهي تجربة مختلفة بين مصر وفرنسا، وأعتقد أنها لا تنفصل أبدا عن رؤيتك التي كونتها عن المدينة في شبابك أثناء تواجدك في بيروت، أليس كذلك؟
هذا حقيقي، لقد استلهمت فكرة هذا الفيلم من قصيدة تحمل الاسم نفسه ل"قسطنطين كفافيس" وعندما أرسلني "يوسف شاهين" لأصور سوق روض الفرج قبل هدمه من أجل أن يضم مشاهده لفيلم (القاهرة منورة بأهلها) رأيت مشاهد الهدم والطرد، فتملكني ذات الشعور بأن المدينة دائما هي مكان طارد، وقررت كتابة الفيلم، وعندما قابلت السيناريست "ناصر عبد الرحمن" وقد كان حديث التخرج من المعهد، وقال لي أن والده تاجر خضار في السوق، وأنه يعرف سكان المنطقة جيدا، وبدأنا سويا في عقد لقاءات مع أهالي المنطقة، وكتابة السيناريو، وساعدتنا أيضا في كتابته المخرجة الفرنسية "كلير دينيس" وقد كنت متواجدا في باريس واستطعت تصوير مشاهد من مظاهرات بعض المهاجرين غير الشرعيين، وأعتقد أن المدة الطويلة التي استغرقها هذا الفيلم حتى يرى النور ترجع إلى حجم التعديلات التي طرأت على السيناريو من أجل إضافة عنصر التشويق على كل مشهد، بدون أن يظهر البطل بشكلٍ غبي أو ساذج.
تم ترميم فيلم (مرسيدس) كما تولى مهرجان القاهرة ترميم فيلم (جنينة الأسماك) لكنك دائما ما تقول إن ترميم مهرجان لوكارنو ل (باب الشمس) بجزئيه أعاد إحياء هذا الفيلم مرة أخرى، ما الذي يعنيه فيلم (باب الشمس) ل "يسري نصر الله"؟
(باب الشمس) ملحمة ضخمة عن الفلسطينيين من سنة 1948 التي شهدت النكبة، حتى سنة 1995التي شهدت اتفاق أوسلو، عن رواية بديعة ل"إلياس خوري" الذي أعرفه جيدا بحكم أنه كان يرأس القسم الثقافي في جريدة السفير وقت عملي بها، والفيلم مكون من جزئين (الرحيل، والعودة) وتم تصويره ما بين سوريا ولبنان، وقد كانت تجربة شاقة، وممتعة في نفس الوقت، والبداية كانت عندما طلب مني التليفزيون الفرنسي عمل فيلم عن فلسطين فرفضت، ظنا مني أنهم سيفرضون توجه معين للفيلم، لكنهم منحوني الحرية في أن أصنع الفيلم الذي أحب، فاخترت رواية (باب الشمس) واشترطت أن يقوم "إلياس" بكتابة السيناريو معي إلى جانب الناقد "محمد سويد" والجميل في هذا الفيلم أنه يحكي عن الفلسطينيين كبشر وليسوا كقضية، وإعادة ترميمه تعني إتاحته مجددا.
عدم إظهارك للجانب الإسرائيلي طوال الفيلم كان من ضمن المآخذ النقدية عليه، فما ردك على ذلك؟
هذا فيلم حرب، وأنا أكره تصوير العدو كإنسان طبيعي له مميزات وعيوب، خاصة وأنا أدافع عن قضية عادلة كقضية الفلسطينيين، ولا أرغب أيضا تقديمه كشيطان، فكان الحل هو عدم إظهاره تماما، وعندما تم توجيه هذا النقد لي في فرنسا، قلت لهم لقد قمت بتصوير الحكاية التي لم تحك من قبل قط، وهذا هو المهم، وعلى العدو أن يحكي حكايته إذا كان يرغب في ذلك.
في فيلم (جنينة الأسماك) قررت أن تستخدم تكنيك مختلف بأن تجعل الممثلين في نهاية مشاهدهم يوجهون حديثهم للكاميرا، ليعبروا عن مشاعرهم الحقيقية التي يخفونها في صدورهم ولم يستطيعوا البوح بها، ألم تخش من عدم قدرة تذوق الجمهور لهذه الطريقة؟
هذا الفيلم يتحدث عن الخوف الذي يسكن الإنسان، وعن تأثير هذا الخوف على علاقة الإنسان بالآخر، وعن السدود التي يبنيها بينه وبين المحيطين به، مما يدفعه إلى أن ينغلق على نفسه، والشخصيات الثانوية في الفيلم هي من قامت بالبوح في مواجهة الكاميرا، أما الشخصيات الرئيسية فقد كان قرارها عدم الإفصاح عما تشعر، والحقيقة أن لحظات البوح في الفيلم كانت لحظات مبهجة، وبدونها كان الفيلم سيصبح قاتما وكئيبا، وفي رأيي أن هذا الفيلم هو حالة، وقد اخترت أن يكون اسمه (جنينة الأسماك) لأني شاهدتها من شرفة منزل خالتي المطلة عليها، ووجدتها تشبه العقل البشري، وأنا من خلال الفيلم كنت راغبا في أن أدخل إلى هذا العقل لاكتشفه، وفي ظني أن (جنينة الأسماك) من نوعية الأفلام التي سينصفها الزمن.
في أفلامك كنت إما مؤلفا أو مشاركا في كتابة السيناريو، وكيف استطعت السيطرة على هذا الأمر في تعاونك مع الكاتب الكبير "وحيد حامد" في (احكي يا شهرزاد)؟
بالطبع لم أغير من الجمل الحوارية في (احكي يا شهرزاد) وتركتها كما كتبها "وحيد حامد" لأنها جمل مهمة، ولأني قرأت السيناريو وأعجبني ووافقت عليه، لكني استطعت أن أضع لمساتي التي من خلالها يمكن تصديق هذه الجمل، عن طريق حركة الجسد، أو النظرات، أو الايماءات، وهذا أيضا نوع من التأليف، لكنه تأليف في الجزء الذي يخصني، ويساعدني أن أعرف المشاهد على من هي الشخصية لا على ما تقوله فقط.
في خضم الثورة كان لك تجربتان، أحدهما فيلم قصير، والأخرى فيلم سبب صدمة بمجرد طرحه، لأنه تبنى وجهة نظر مغايرة لما كان سائدا آنذاك، ألا ترى نفسك تعجلت في تقديم التجربتين ولم تمنح نفسك وقتا لدراسة أبعاد الموقف؟
لست طبيب تشريح يتعين عليه تشريح الجثة جيدا لتبيان سبب الوفاة، أنا فنان، تفاعل مع الحدث، وقرر التعبير عنه دون انتظار، ولا أدرى لماذا يتقبل الجمهور أن يتفاعل الشاعر بحدث ما فينظم قصيدته، ويطلب من الفنان أن يعطل مشاعره، فلا يتقبل منه أن يتفاعل مع الحدث فيصنع فيلما؟ والحقيقة أن فكرة صناعة 10 أفلام قصيرة، ليتم جمعها في فيلم واحد اسمه (18 يوم) تدور أحداثه حول ثورة 25 يناير لم تكن فكرتي، بل فكرة "مروان حامد" عرضها علي في الميدان، وأثناء تصوير أجزاء من الفيلم في التحرير، سألتني مراسلة راديو فرنسا (ماذا يفعل هؤلاء السينمائيون؟) فقلت لها إنهم يصورون فيلما عن الثورة، فأذاعت الخبر في راديو فرنسا، بعدها اتصل بي المدير الفني لمهرجان كان وطلب مني مشاهدة الفيلم، لأنه يفكر في تكريم مصر في المهرجان بمناسبة الثورة، وبعد مشاهدته قرر عرض الفيلم في المهرجان خارج المسابقة، وكانت ردود الفعل عليه جيدة وتم عرضه تجاريا في فرنسا بعد ذلك.
وماذا عن فيلم (بعد الموقعة) الذي أعاد مصر للمشاركة في المسابقة الرسمية لمهرجان كان بعد غياب 15 عاما منذ مشاركة فيلم المصير؟
هذا الفيلم حاولت من خلاله أن أمنح أهالي نزلة السمان فرصة لأن يتم تقديمهم في فيلم سينمائي كشخصيات درامية حقيقية، لا مجرد أنماط تم الاعتياد على تقديمها بشكل معين، ومثلي مثل غيري صدقت ماكينة صناعة الأخبار وقتها، واعتقدت فيما أصطلح على تسميته حينها ب (موقعة الجمل) على اعتبار أن هؤلاء الرجال حضروا إلى الميدان مسلحين، لكنني تناقشت مع "باسم سمرة" الذي أخبرني أنهم لم يكونوا كذلك، فهالني أن تكون مهنتي تعتمد بشكل أساسي على أن استخدم عيني في التدقيق في الصورة، ومع ذلك خدعت مثل الباقيين، وقد كان "باسم" مفتاحي لأهالي نزلة السمان، على اعتبار أنه يعرفهم جيدا، وبدأت ابحث عن ماهية هؤلاء البشر؟ وعن حكاياتهم، وعن الضحايا فيهم والمذنبين، ولم استخدم كومبارس في الفيلم، فجميع من ظهروا، هم من أهالي نزلة السمان الذين شاركوني كتابة المشاهد، فعندما كنت أعرض عليهم مشهدا لتصويره، وأجدهم يقولون هذا ليس نحن، كنت أعطيهم فورا قلما وورقة وأقول لهم اكتبوا من أنتم، والحقيقة أنه لم يكن من الممكن التصوير في قلب نزلة السمان في هذا الجو المحتقن الذي صاحب الثورة دون محاوطة أهالي المنطقة لي ولكل فريق الفيلم.
لماذا استغرق الإعداد لفيلم (الماء والخضرة والوجه الحسن) 20 عاما؟
في أثناء تصويري لفيلم (صبيان وبنات) في منتصف التسعينيات تعرفت على أسرة "باسم سمرة" في بلقاس، وهم يعملون في مهنة الطبخ، وقررت حينها أن أصنع فيلما عن عالم الطهاة، وبدأت في كتابته بمشاركة "باسم" ثم تعطل المشروع عدة مرات، ثم التحق بنا "ناصر عبد الرحمن" فتحول الفيلم إلى فيلم سياسي صرف، فتركته مجددا، حتى قررت أن أعود لكتابته من جديد، وإذا كانت أفلامي جميعا تحدث في جو سياسي، فإن (الماء والخضرة والوجه الحسن) هو الفيلم السياسي الوحيد في مسيرتي، فقد تحدثت في الفيلم عن أشياء مبهجة، لكنني قصدت أيضا أن أقدم المرأة وهي ترقص وتغني، وأن تكون هي محور الفيلم، مثلما كانت "فاتن حمامة وسعاد حسني ونادية لطفي" وغيرهن لا أن تكون تابعا كما تقدم في السينما حاليا، كما قصدت أن أقدم الطباخ كشخص مهم لا يمكن شراؤه بالمال، أي أنني حاولت تطبيق شعار (عيش حرية كرامة إنسانية) الذي تغنينا به أيام الثورة.
قدمت هذا الفيلم منذ عام 2016، ومن يومها ونحن نسمع عن مشاريع سينمائية تنوي تقديمها مثل (أسطورة زينب ونوح) و (آخر رومانسي بنفسجي) عن قصة كتبها الراحل "زكي فطين عبد الوهاب" وغيرها من المشاريع، لماذا لم تر هذه المشاريع النور حتى الآن؟
لأن ظروف الإنتاج أصبحت صعبة للغاية، بما فيها الإنتاج المشترك الذي كان ملاذا لي في غالبية أفلامي، فضلا عن أن فيروس كورونا قضى على السينما، فأصبح الموزعون يطرحون الأفلام التي تم إنتاجها في تلك الفترة وما تلاها ولم تعرض، مما سبب ركودا كبيرا.
ألهذا السبب اتجهت لتقديم الدراما على المنصات الالكترونية؟
لدي تجربتان، بالنسبة لتجربة (نمرة اثنين) فقد كانت تجربة (دمها خفيف) أشبه بفيلم سينمائي، أما تجربتي الحقيقة في تقديم مسلسل فكانت مع "محمد أمين راضي" في (منورة بأهلها) وأنا بالمناسبة أعشق كتاباته بلا تحفظ، وأحب طريقته في السرد، واللعب، وفي كل أفلامي لا يوجد سرد خطي، إنما هي قصص متقاطعة وأزمنة مختلفة، وهذا ما يحققه "راضي" في كتاباته، وفي (منورة بأهلها) كان يتعين علي أن أقدم 10 حلقات قوية بشكل يدفع المشاهد لأن يتشوق لمشاهدة الحلقة التي تليها، لذلك تطلبت التجربة مزيدا من الإتقان والخيال، لأنها مسؤولية كبيرة وممتعة في نفس الوقت.
إذا أردنا أن نصف سينما "يسري نصر الله" من وجهة نظرك، فبماذا نصفها؟
سينما تحاول أن تخلق علاقة مع ما هو سائد دون الرضوخ له، حيث أنني أجد حكاية ما تشعل بداخلي الرغبة في أن أحكيها سينمائيا، فأفعل ذلك لأطارد هواجسي، والأشياء التي تخيفني، فأقضي على خوفي منها بأن أحكي عنها، لانتصر عليها، وأحب أن يغادر جمهور السينما القاعة بعد مشاهدته أحد أفلامي ولديه شعور بأنه ليس وحده، وأنه لابد أن يحب نفسه، ليس مثل بعض الأفلام الأخرى التي تشعر المتفرج بضآلته بعدما يفرغ من مشاهدتها، وليس بالضروري أن يتحقق ذلك من خلال النهايات الحالمة، فنهايات أفلامي ليست دائما سعيدة، ولكن دائما يكون بها قوة، وصمود، ومقاومة، وحب أيضا، فقصص الحب ملهمة بالنسبة لي.