ضياء صبّاح يكتب: سوريا الجديدة.. خروج من ظلال البعث نحو أفق لم يعرف بعد
تمر سوريا اليوم بمرحلة تاريخية فارقة، بعد عقود من الاستبداد والصراع الذي خلَّف وراءه شعبًا منهكًا ووطنًا مدمرًا. في هذا السياق، يبرز العديد من التحليلات وتتجلى الآراء حول أهمية إعادة التفكير في مستقبل سوريا بعيدًا عن إرث البعث وأخطاء الماضي.
وانطلاقًا من هذه الرؤى، حول ملامح المستقبل السوري، والتحديات التي تواجهها البلاد، وأهم الخطوات المطلوبة لتحقيق نهضة شاملة تعيد لسوريا استقرارها ومكانتها، وماذا بعد انهيار نظام الأسد في سوريا؟، السؤال الذي يطرح تحديات كبيرة أمام الشعب السوري والمجتمع الدولي. يبرز تحليل مقال الكاتب الصحفي جمال الذيابي، رئيس تحرير جريدة "عكاظ" السعودية: "سوريا.. بعيدًا عن «البعث» و«العبث»"، الذي نستكشف خلاله الرؤية التحليلية حول مستقبل سوريا وفرص بناء دولة آمنة ومستقرة، وضرورة التخلص من إرث البعث والعبث السياسي الذي رافق البلاد لعقود.
التحدي الأول.. الأمن والاستقرار
يرى الذيابي أن تحقيق الأمن والاستقرار هو التحدي الأساسي الذي تواجهه سوريا، في هذه الفترة الحرجة من تاريخ البلاد: "يتصدرها بسط الأمن والاستقرار، لتتسنى لملايين النازحين واللاجئين السوريين العودة إلى منازلهم وأهلهم وديارهم"، كما أن إعادة النازحين ليست مجرد إجراء رمزي، بل خطوة عملية لاستعادة النسيج الاجتماعي الذي تمزق بسبب الحرب.
يشكل بسط الأمن حجر الزاوية في بناء سوريا الجديدة، خاصة مع الحاجة لتوفير بيئة آمنة ومستقرة بعيدًا عن النزاعات المسلحة أو التدخلات الخارجية، واستعادة الأمن لا يقتصر على الجانب العسكري فقط، بل يشمل تحقيق العدالة وتوفير فرص حقيقية للمصالحة بين مختلف الأطياف السياسية والمجتمعية.
إعادة الإعمار.. رؤية شاملة
يتناول الذيابي في تحليله ضرورة إعادة إعمار سوريا على مستويات متعددة، من البناء المادي إلى ترميم الثقة بين مكونات الشعب، وفي هذا السياق يؤكد إلى أنه: "على السوريين أن ينكبوا بإرادة صلبة على إعادة إعمار ما دمره "الربيع العربي" من مقدرات سوريا الطبيعية والبشرية".
إن إعادة الإعمار ليست مجرد بناء للمدن المدمرة، بل تشمل أيضًا إطلاق عجلة الاقتصاد، وتحفيز الاستثمار المحلي والدولي، وضمان عدالة توزيع الموارد، ويبرز هنا دور الحكومة المستقبلية في وضع خطة متكاملة تعتمد على الشفافية والكفاءة لاستغلال الموارد المتاحة والاستفادة من الدعم الدولي بعيدًا عن الفساد والمحسوبية.
النأي عن التحالفات المدمرة
يشير الذيابي إلى ضرورة أن تبتعد سوريا الجديدة عن التحالفات غير المنتجة التي أضرت بها، قائلًا: "على سوريا الجديدة النأي عن سياسة الأقطاب، والتحالفات المضرَّة غير المُنتجة"، كما أن السياسة الخارجية لسوريا يجب أن تقوم على التوازن والاستقلالية، مع التركيز على تعزيز التعاون الإقليمي والدولي بما يخدم المصالح الوطنية.
النأي عن سياسة المحاور الإقليمية والدولية يعني بناء علاقات تعتمد على المصالح المشتركة، بعيدًا عن أي ولاءات تضعف سيادة الدولة أو تفتح المجال للتدخلات الخارجية، فـ سوريا بحاجة إلى "دبلوماسية ذكية"، حسب الذيابي، تُعيد بناء جسور الثقة مع العالم العربي والمجتمع الدولي.
الوحدة الوطنية أساس النجاح
من أبرز النقاط التي تناولها المقال التحليلي هي أهمية الوحدة الوطنية كأساس لبناء سوريا الجديدة: "يتطلب ذلك وحدة وطنية خالصة، وتفاهمًا معمَّقًا بين فئات الشعب السوري لا يستثني أحدًا".
الوحدة الوطنية تعني تجاوز الانقسامات الطائفية والعرقية التي عمقتها الحرب، كما تعني إشراك جميع مكونات المجتمع في عملية اتخاذ القرار، ووضع قوانين تضمن العدالة والمساواة وتحترم التنوع الثقافي والديني.
التفاهم الوطني لا يتحقق إلا إذا تخلت جميع الأطراف عن نزعات الإقصاء، واعتمدت الحوار كوسيلة لحل النزاعات.. كذلك يجب أن تعمل القيادة السياسية على بناء دولة مدنية تقوم على سيادة القانون، بعيدًا عن أيديولوجيات الماضي التي أضعفت الدولة وأرهقت الشعب.
فرصة للنهوض من جديد
على الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه سوريا، فإن الفرصة قائمة لبناء نموذج جديد لدولة حديثة.. ويشير الذيابي إلى أن الشعب السوري يملك الإرادة والقدرة على تجاوز أزمات الماضي إذا ما توفرت القيادة الحكيمة والرؤية الواضحة.
كتب الذيابي في هذا السياق: "وهي مهمة لا شك بأن السوريين قادرون على القيام بها، في ظل فسيفساء التنوع الحضاري الذي تزدهي به".. هذا التنوع هو أحد أعظم نقاط القوة التي تمتلكها سوريا، إذا ما تم استثماره بشكل إيجابي لإثراء الهوية الوطنية وتعزيز التعايش السلمي بين مختلف الأطياف.
الطريق نحو المستقبل
مستقبل سوريا يعتمد على قدرتها على الاستفادة من هذه اللحظة التاريخية لتجاوز أخطاء الماضي وبناء دولة حديثة تقوم على أسس جديدة، كما قال رئيس تحرير "عكاظ": "لعل أكبر خشية أن تنتهز قوى إقليمية أخرى حالة "التيه" السياسي والأمني التي تشهدها سورية منذ هروب بشار".
هذا التحذير يعكس أهمية العمل السريع والفعال لسد الفجوات السياسية والأمنية التي يمكن أن تستغلها أطراف خارجية لفرض أجنداتها على سوريا.
سوريا اليوم أمام فرصة استثنائية لبناء مستقبلها بعيدًا عن إرث البعث وأخطاء العقود الماضية.. المهمة ليست سهلة، لكنها ممكنة إذا ما توافرت الإرادة الوطنية والرؤية الواضحة، فإن النجاح يتطلب قيادة حكيمة، ووحدة وطنية شاملة، ودعمًا عربيًا ودوليًا. سوريا الجديدة يمكن أن تصبح نموذجًا لدولة تنبض بالعدالة والمساواة، وتستعيد مكانتها كجزء فعال من المجتمع الدولي.